الإطاحة أو الطاعة... السیاسة الامیرکیة لأبن سلمان
بعد أکثر من سنتین صدر تقریر المخابرات الأمیرکیة المتعلق بجریمة اغتیال الصحافی جمال خاشقجی داخل القنصلیة السعودیة فی اسطنبول فی تشرین الاول اکتوبر 2018، لکنّه لم یکن على مستوى التوقّعات، بل الأنکى من ذلک لم یتضمّن عقوبات على المتهم والمتورط الأساس فی الجریمة الشنیعة أی ولی العهد السعودی محمد ابن سلمان، فماذا وراء ذلک من خلفیات؟، ولماذا صدر فی هذا التوقیت بالذات؟، وما هی مآرب الإدراة الأمیرکیة التی ترید تحقیقها من جراء تداعیات هذا التقریر؟، خاصة أنّه تزامن مع تصریحات من مسؤولین أمیرکیین بشأن إعادة تموضع العلاقات بین واشنطن والریاض.
وعلیه، وللإجابة على مجمل الأسئلة المطروحة أعلاه کان لا بدّ من التوقُّف عند حیثیات تقریر الاستخبارات الأمریکیة الذی یشیر بالحد الأدنى إلى دلالاتٍ عدَّة حول مسار العلاقة المستقبلیة المتوقعة بین إدارة الرئیس الأمیرکی الجدید جو بایدن والسعودیة، وهذا ما کان محور المقابلة مع أستاذ العلوم السیاسیّة الدکتور علی فضل الله الذی اعتبر أنَّ عدم فرض الخزانة الأمیرکیة عقوباتٍ على ابن سلمان رغم اتهامه المباشر بأنَّه أجاز العملیة یوحی بمقدارٍ عالٍ من الابتزاز، وذلک على الرغم من فرضها العقوبات على یده الیُمنى النائب السابق لرئیس الاستخبارات العامة أحمد العسیری ومستشار الدیوان الملکی سعود القحطانی.
وأشار فضل الله فی حدیثه إلى أنَّ جزءًا من التقریر لم یُنشر ما یعزِّز فرضیة الابتزاز حیث تُلِّوح الإدارة الأمیرکیة بباقی التقریر لابن سلمان إمَّا لتبتزه مالیًا أو بمواقف سیاسیة، وما على ولی العهد السعودی إلاّ تنفیذ مطالبهم لیتخلّص من هذه الورطة خوفًا على فرصته فی الاستمرار فی حکم المملکة من أن تتلاشى خصوصًا بعد تواتر الحدیث فی الفترة الأخیرة عن مرشَّحین منافسین له وهما محمد ابن نایف وأحمد ابن عبد العزیز.
فضل الله أوضح لـ "العهد" أنَّه علینا انتظار مسار الأمور فی المرحلة المقبلة لنرى نوعیة التنازلات المطلوبة من ولی العهد السعودی، للحُکم بناء علیها إنْ کان فریق بایدن ومن وراءه ومن معه سیجدون مصلحتهم فی استبعاد ابن سلمان والاتیان بآخر غیر متورط بهذا الکمِّ من المشاکل، أو أنَّه سیحقق لهم غایاتهم.
ولفت فضل الله إلى أنَّ فرض الولایات المتحدة عقوباتٍ على العسیری الذی کان نائبًا لرئیس الاستخبارات العامة والمکلَّف بالتنسیق الأمنی مع "إسرائیل" إشارة لافتةٌ تمسُّ بالکیان الصهیونی.
إلى ذلک، افترض فضل الله أنه فی حال العودة بالسیر بمضامین الاتفاق النووی، یجعل "تغییر الوجوه" فی السعودیة أمرًا مُمکنًا کما جرى الحال فی قطر، حیث أتى ضابطٌ من البنتاغون أخبر أمیر البلاد حینها حمد آل ثانی بأنَّه علیه التنحی لابنه تمیم بسبب مشاکله، لینفِّذ حمد الطلب الأمریکی ویتنازل لتمیم عن إمارة قطر عام 2013.
کذلک، رأى فضل الله أنَّ أوباما فی آخر ولایته وجَّه انتقداتٍ شدیدةٍ للسعودیة، وأحدثت تصریحاته جدلًا، کذلک إدارة بایدن سارت على نفس المنهج وکشفت تورط بن سلمان بمقتل خاشقجی ما سیحدثُ جدلًا أیضًا، فدول المرکز المتکبِّرة تنظر لوکلائها باحتقارٍ، وفی نهایة المطاف ترید تلک الدول مصلحتها.
وختم قائلًا إنَّ "فشل ولی العهد السعودی فی إدارة ملفاته یجعل المرکز الإمبریالی یخاف على مصالحه وسیاسیاته فی المنطقة کونه وکیلهم، ومن سنواتٍ ذکر التقریر الاستراتیجی الأمریکی أنَّه إذا تبیّن أنّ ابن سلمان یشکل تهدیدًا لاستقرار العرش السعودی سیُنحَّى ویؤتى بوکیل آخر للمصالح الأمریکیة".