ضغوط سعودیة على الجامعة العربیّة.. کیف تحولت الأخیرة إلى أداة إجرامیّة؟

بعد أسبوع على القرار العربیّ بتمدید ولایة الأمین العام لما تُسمى "جامعة الدول العربیة"، أحمد أبو الغیط، لفترة ثانیة مدّتها 5 سنوات، باقتراح مصریّ تزامن مع اجتماع وزراء الخارجیة العرب فی القاهرة، تشهد الجامعة العربیّة هذه الأیام أزمات عدّة، یتصدّرها توجُّه بعض أعضائها نحو تقلیص تمویلها وبالأخص مملکة آل سعود النفطیّة التی تشتکی من ضخّ أموالها دون تنفیذ کل أوامرها، رغم أنّ الجامعة العربیّة باتت أداة طیعة فی ید الدول الممولة التی تسعى لفرض نهج خنوعها على الجمیع، حیث إنّ الریاض لا ترغب فقط فی تخفیض الحصّة الکبیرة التی تدفعها من موازنة الجامعة، بل فی إعادة هیکلة الأجور التی تزایدت بشکل مستمر منذ ما یزید عن عقدین، بالإضافة إلى المیزانیات الضخمة المرصودة للبعثات الخارجیّة والأجور العالیة التی یتقاضاها کبار المسؤولین.

تضییق سعودیّ

تتحدث تقاریر إعلامیّة، بأنّ التضییق السعودیّ یعود فی جزء منه إلى غیاب الرضى عن أداء الأمین العام للجامعة، فی وقت تشتکی فیه المملکة من عدم تعیین کوادر دبلوماسیّة سعودیة فی الجامعة خلال الفترة الأخیرة، وبالمقابل تُبدی رغبتها فی تعیین نائب سعودیّ للأمین العام، علماً أن هذا المنصب لا یزال شاغراً منذ وفاة السفیر والدبلوماسیّ الجزائریّ أحمد بن حلّی، قبل بضعة سنوات، کما تطالب فی إعادة النظر بالمخصَّصات المالیة للأمین العام والأمانة العامة بما یتلاءم مع موازنات الأجور التی تلتهم غالبیة میزانیة الجامعة، فی ضغط سعودیّ واضح لتمریر سیاسات المملکة وإملاءاتها.

وبحسب صحیفة الأخبار اللبنانیّة، فإنّ الریاض أرسلت مطالبها مکتوبة إلى الجامعة العربیة، إلّا أن المسؤولین السعودیین شعروا بالضیق جرّاء تسریب بعض التفاصیل إلى وسائل الإعلام وبالأخص التابعة للمخابرات المصریّة، ما ولّد سجالاً قصیراً کان بطله السعودیّ وزیر الدولة للشؤون الأفریقیّة والمندوب السابق للسعودیة فی الجامعة وسفیرها فی القاهرة لأکثر من 20 عاماً، أحمد القطان، الذی تحدّث فی تغریدات عدّة على تویتر عن خلل فی الجامعة العربیة، ومن ثم عاد وحذف تلک التغریدات.

وجرى بعد ذلک احتواء الغضب السعودیّ بشکل مؤقت وسریع، بسبب المنافع الاقتصادیّة الجلیّة التی تُجنى من الریاض، حیث منحت الجامعة ولی العهد السعودیّ أو الحاکم الفعلیّ للبلاد، محمد بن سلمان، درع "العمل التنمویّ" عن العام الحالی، وقام أمینها العام، أحمد أبو الغیط، بالتغزل بإنجازات ولی العهد التی لم یذکرها، واصفاً إیاه بـ "الرجل الحکیم الذی یعمل من أجل أمّته"، بحسب زعمه.

فی غضون ذلک، تواجه الجامعة التی تصف نفسها بـ "العربیة"، مشکلة مرتبطة بموعد انعقاد القمّة العربیة القادمة، بعدما تمسّکت الجزائر بحقها فی استضافة تلک القمّة التی کان یُفترض أن تُقام فی مارس/ آذار المنصرم، قبل أن تُؤجَّل لأسباب تتعلق بالتحضیرات لها وانتشار فیروس کورونا المُستجد، وقد وتغیَّب وزیر الخارجیة الجزائریّ، صبری بوقادوم، عن الاجتماع الوزاریّ العربیّ الأسبوع الماضی فی الساعات الأخیرة، بسبب ظروف قاهرة نتیجة وضع الطیران وأزمة کورونا، بحسب ادعائه، وشدد بوقادوم فی حدیث مع الأمین العام للجامعة، على تمسُّک بلاده بحق رئاسة القمّة ومکان إقامتها، مُقترحاً انعقادها الصیف القادم وتحدیداً ما بین یونیو/ حزیران و أغسطس/ آب المقبلَین.

وستجری جامعة الدول العربیّة مناقشات واسعة خلال الفترة القادمة لإقرار جدول أعمال القمة، فی الوقت الذی تطالب فیه الجزائر حسم جملة أمور قبل الموعد المقترَح، ویُتوقَّع أن یزور الأمین العام للجامعة، أحمد أبو الغیط الجزائر قریباً للتمهید للقمّة، وحلّ أکبر قدر من المشکلات العالقة، وقد عکَس التمسُّک الجزائریّ برئاسة القمة العربیّة واستضافتها قدرة الجزائر على فرض إرادتها باستغلال نصوص الجامعة ولوائحها، التی ترغب مع ذلک فی تعدیلها بشکل جذریّ.

هدیة للمجرم

تأسست جامعة الدول العربیّة فی 22 مارس/ آذار 1945، بهدف الدفاع عن مصالح الدول العربیة وزیادة تضامنها وتعاونها فی مختلف المجالات السیاسیّة والاقتصادیّة والثقافیّة، بالإضافة إلى التحرر من السیطرة الأجنبیّة وتحقیق الوحدة بین الدول الأعضاء، ولیس لتقدیم الهدایا للمجرمین الذی قطّعوا الصحافیّ السعودیّ المعروف جمال خاشقجی فی سفارة بلاده، والذین شنّوا حرباً ضروساً على سوریة والیمن وحولوا حیاة شعبیهما إلى جحیم ومأساة لا تنتهی.

وإنّ منح جامعة الدول العربیة ولی العهد السعودی، القاتل محمد بن سلمان، درع "العمل التنموی" لعام 2021، والتی تسلمها وزیر الخارجیة السعودی وبطل مسلسل خیانة آل سعود، فیصل بن فرحان، لا یعدو عن کونه مکافأة للقاتل على جرائمه، وإنّ العمل التنمویّ الذی قام به ابن سلمان واضح جداً خاصة إذا نظرنا فی المدن السوریّة والیمنیّة المُدمرة.

والمثیر للضحک، أنّ ولی العهد السعودیّ نال ذلک الدرع تقدیراً لدوره فیما قالت جامعة الدول العربیّة أنّه "تعزیز النهج التنمویّ الشامل فی المملکة العربیة السعودیة والوطن العربی، وجهوده فی دعم وتعزیز العمل العربیّ المشترک فی المجالات کافة، خدمةً لأمن واستقرار ونماء وازدهار المنطقة"، لکن الحقیقة لا تخفى على أیّ عربیّ، فکم من بلد عربیّ دُمر نتیجة لتلک الجهود؟، وکم من أسرة فقدت أحبابها بسبب ذلک النهج السعودیّ التنمویّ؟، وما عدد الشبان العرب الذین أجبروا على الفرار من بلدانهم بعد أن خسروا مُستقبَلهم فی ظل "الخدمة الجلیلة" التی تقدمها الریاض للعرب، فی الوقت الذی لم تفتح أبوابها لعربیّ واحد فی أیّ حرب أو أزمة أو کارثة، واکتفت بإرسال القلیل من "الفُتات" بعیداً عن أراضیها لحفظ ماء الوجه، وأکبر شاهد على ذلک ما حدث فی الحرب على دمشق وصنعاء.

وبناء على ذلک، تنازلت الجامعة العربیّة عن أدنى معاییر احترام الذات، وتحولت إلى أداة إجرامیّة ودمویّة یقودها المال الخلیجیّ وبالأخص السعودیّ، بعد أن وقفت مع العدو الصهیونیّ وأیّدت مساعیه الاحتلالیّة بما یرضی السعودیة، ما یضیف تأکّیداً جدیداً على أنّ تلک الجامعة لم تمثل فی یوم من الأیام أحلام الشعب العربیّ ولا تطلعاته.

ومن الجدیر بالذکر، أنّ جامعة الدول العربیّة غیبت الأصوات الصادحة بصوت الحق فیها کسوریة العروبة، لإفراغ الساحة أمام بعض الدول العمیلة کالسعودیّة التی تتبع أسالیب شراء الضمائر، للانخراط فی عملیة صناعة القرار داخل الجامعة وجعله رهینة بیدها فقط، مستفیدة من أموالها نفطها، ما جرد الجامعة من مکانتها التی أُسست من أجلها لتتحول إلى أداة طیعة لإضفاء الشرعیّة على قرارات الریاض فی المنطقة العربیّة.

ولابد من الإشارة إلى أنّ الاستخبارات الأمریکیّة نشرت تقریراً قبل مدة، حول اغتیال الصحافیّ السعودیّ المعروف، جمال خاشقجی، فی قنصلیة بلاه بإسطنبول عام 2018، حیث قامت واشنطن بنشر تقریر خلص إلى أنّ ولی العهد السعودی، محمد بن سلمان، أجاز عملیة اغتیال خاشقجی، والتی أصبحت قضیة رأی عام دولیّ، عدا عن کونها قضیة شغلت معظم دول العالم وکشفت اللثام عن حقیقة النظام الحاکم فی بلاد الحرمین، وقد جاء فی التقریر الأمریکیّ أنّ ابن سلمان أی الحاکم الفعلیّ فی السعودیة، أجاز العملیة فی ترکیا، لاعتقال أو قتل المعارض السعودیّ.