اختراق أمنیّ کبیر للاستخبارات السعودیة.. الأسباب والنتائج؟
من المعروف أنّ جمیع دول العالم تسعى لبناء أجهزة استخبارات قویّة تحقق لها أعلى درجات المتابعة والمراقبة، حیث تُبنى وتصرف علیها أموال طائلة للتنبه والتحرک السریع لحمایة أمن الوطن وأبنائه من أیّ خطر قد یحدق بهما من هجمات أو اعتداءات محتملة من منظمات أو جماعات أو دول، لکن الاستخبارات السعودیّة وبالتحدید عقب استیلاء ولی العهد السعودی، محمد بن سلمان على السُلطة، قام ببناء منظومة استخباراتیّة واسعة تنفذ کل ما تؤمر به دون تردد، لیحافظ على وجوده فی السلطة فی ظل التغییرات الجذریّة التی یقوم بها فی المجتمع السعودیّ المحافظ.
وبالتزامن مع خروج معارضة واسعة لذلک السلوک القمعیّ الذی کان على حساب صورة السعودیة وأجهزتها الاستخباریّة، کشف موقع "مجهر السعودیة" عن قائمة بأسماء موظفین بالاستخبارات السعودیّة وعناوینهم بالتفاصیل الکاملة فی وثیقة سریّة ومهمة للغایة، موضحاً أنّ النظام السعودی الجائر یرتکب أبشع الجرائم بحق المسلمین والیمن والبلاد الإسلامیّة والشعب السعودیّ الذی یرغب بإسقاط هذا النظام الوحشیّ الذی یعتقل المظلومین ویقمع الاحتجاجات الشعبیة السلمیّة ویقتل المعارضین الذین یقبض علیهم بموظفیه فی الاستخبارات العامة ویقوم بتعذیبهم فی السجون السریّة.
وفی الوقت الذی یُعد فیه جهاز المخابرات واحداً من أهم مؤسسات الدولة التی یُفترض أن یخضع لسیاساتها وتشریعاتها بسبب السلطات العلیا التی یمتلکها، ضمن إطار القانون کما فی بعض الدول المتقدمة، یأخذ طابعاً مشوهاً فی أغلب الدول العربیّة، وهذا ما یحصل بالتحدید مع جهاز الاستخبارات السعودیّ وخاصة فی السنوات الأخیرة، حیث وصمت الاستخبارات فی المملکة بعملیات قتل وتعذیب وتجسس وملاحقات کثیرة.
وشکلت جریمة تقطیع الصحافیّ السعودی الشهیر، جمال خاشقجی، فی قنصلیة بلاده بإسطنبول الترکیة، فی تشرین الأول عام 2018، فضیحة عالمیة مدویة بحق الاستخبارات السعودیّة، التی تعاملت بطریقة سادیّة ووحشیّة مع أحد أشهر صحفییها لتنافس إجرام أعتى التنظیمات الإرهابیّة التی دعمتها الریاض فی الکثیر من الدول، حیث قتل وقطعت جثته وتم إخفاء آثارها، وفق تسجیلات صوتیّة لدى أجهزة استخباراتیّة دولیّة، کما یدور الحدیث عن حرق الجثة، بحسب ما أورده برنامج استقصائیّ بثته قناة الجزیرة التابعة للنظام القطریّ الإخوانیّ قبل عام تقریباً، فیما أفرجت واشنطن عن تقریر سریّ للاستخبارات الأمریکیة بشأن اغتیال خاشقجی قبل مدة، خلص إلى أنّ ولی العهد السعودی، محمد بن سلمان، أجاز عملیة الاغتیال.
وفی هذا الشأن، أشار مسؤولون سعودیون فی وقت سابق إلى أنّ فریقاً مؤلفاً من 15 شخصاً شکله نائب رئیس الاستخبارات العامة، أحمد عسیری، والمستشار بالدیوان الملکی سعود القحطانی، هم من خططوا ونفذوا عملیة اغتیال خاشقجی، وتم إعفاؤهما لاحقاً من منصبیهما الرفیعین، وقد أثارت هذه القضیة ردود فعل ساخطة ضد الریاض، وخاصة بعد أن کشف جهاز الاستخبارات الأمریکیّ أنّ ولی العهد السعودیّ کان یقف خلف تلک الجریمة البشعة، ولا تزال السعودیة تعانی من آثار تلک العملیة، التی لم یحاسب مرتکبوها بشکل جدیّ، ولم یخضعوا لأیّ محاکمات علنیّة ومنصفة، حیث إن المتهم الرئیس فی تدبیرها هو سعود القحطانی، وأحد أبرز المقربین من محمد بن سلمان، ما زال طلیقاً خارج السجن.
ومؤخراً، فضح موقع "مجهر الجزیرة" وثیقة سریّة للغایة تحتوی على قائمة أسماء الاستخباراتیین السعودیین وعناوینهم بالتفاصیل الکاملة کأرقام هواتفهم وأرقام هویاتهم ومکان عیشهم ونسبهم وأسماء قبائلهم ومکان دراستهم وکلیتهم وغیرها من المعلومات الهامة، واستناداً على ذلک یرى الموقع أنّ نشر هذه الوثیقة السریّة المتضمنة معلومات موظفی الاستخبارات العامة للسعودیة سیزلزل هیمنتهم الاستخباریّة التی یتباهون بها، لأنّ إرسال رسالة قصیرة من قبل المعارضین للنظام السعودی إلى هواتف هؤلاء الاستخباراتیین قد یکون مؤثراً للغایة على معنویاتهم ویمثل "حرباً نفسیة" حقیقیّة ضدهم، فی رد واضح على ما اقترفته أیدیهم من جرائم القتل وإلقاء القبض على الأبریاء والغطرسة والبلطجیّة.
فی الختام، إنّ الموقع المذکور کشف عن أسماء ما یقارب الـ 600 موظف استخباراتیّ کخطوة أولى فی ملف بصیغة pdf ، من ضمن أسماء وعناوین 20.000 موظف استخباراتیّ سعودیّ سینشر قائمة أسمائهم فیما بعد، فی ضربة قاسیة لأقوى الأجهزة السعودیة التی تحافظ على حکم محمد بن سلمان بالسیف والسوط، وإنّ تلک الفضیحة الکبیرة التی تم تسریبها على الأرجح من داخل جهاز الاستخبارات السعودیّ، تظهر عُمق الخلافات داخل الجهاز الأمنیّ القمعیّ فی البلاد وتؤکّد خسارته لموقعه السابق.