العلاقات الأردنیّة الصهیونیّة تتأزم من جدید.. ما هو سر الخلاف؟

عقب أخبار اللقاء السریّ الذی جمع بین وزیر الحرب الصهیونیّ بینی غانتس، والملک الأردنیّ عبدالله الثانی، قبل أسبوعین، وفی ظل حالة التوتر والفتور التی تشهدها العلاقات الأردنیّة – الصهیونیّة، اتخذ الکیان الصهیونیّ الغاصب للأرض العربیّة، الجمعة الماضی، قراراً جدیداً على خلفیة الأزمة مع الأردن إثر إلغاء ولی العهد الأردنیّ (ابن الملک)، الحسین بن عبد الله، زیارته إلى المسجد الأقصى بسبب خلاف مع سلطات العدو، ما أعاد إلى الواجهة قضیة الخلافات بین عمّان وتل أبیب.

توتر شدید

لا تزال العلاقات بین الکیان الصهیونیّ والأردن متوترة بشدّة، إذ شهدت الفترة الأخیرة حلقة جدیدة من مسلسل الفتور الذی بدأ بینهما منذ عدة سنوات، وتصاعدت حدته إبان حکم الرئیس الأمریکی السابق دونالد ترامب، وما سمیت بـ "صفقة القرن" التی تهدف إلى تصفیة القضیّة الفلسطینیّة وما تلاها من دخول بعض الدول العربیّة حظیرة التطبیع الأمریکیّة مع العدو الغاشم.

وقد ظهر هذا التوتر على السطح أکثر من مرة، وقد قامت عمّان فی تشرین الثانی بمنع دخول الصهاینة إلى منطقتَی "الباقورة" و"الغمر" اللتین کانتا مستأجرتین من العدو المُجرم، وإعلان الأردن رفضه طلب تل أبیب مد فترة الاستئجار، إلا أنّ الخلاف مؤخراً أصبح یأخذ أشکالاً جدیدة ربما تکون أکثر جدیة من ذی قبل، والتی کان آخرها إلغاء زیارة رئیس الوزراء الصهیونیّ الخمیس الماضی إلى الإمارات، بسبب صعوبات طرأت على تنسیق مرور رحلته عبر الأجواء الأردنیّة، بالتزامن مع إلغاء ولی العهد الأردنیّ، زیارته التی کانت مقررة مساء الأربعاء المنصرم إلى المسجد الأقصى الواقع تحت الوصایة الهاشمیّة فی اللحظة الأخیرة، عقب خلافات مع سلطات العدو تتعلق بالترتیبات الأمنیّة، لکن الخلاف على ما یبدو أکبر من ذلک بکثیر.

یشار إلى أنّ قناة "کان" العبریّة، نقلاً عن مصدر لم تسمه فی دائرة الأوقاف الإسلامیّة فی القدس، أوضحت أنّ الکیان الصهیونیّ خرق اتفاقاً مع الجانب الأردنیّ یقضی بدخول ابن الملک الأردنیّ إلى الحرم القدسیّ دون أن ترافقه أی قوات تابعة للعدو، لکن الأردن وضع شرطاً بألا یرافق الحراس التابعون لجهاز "الشاباک" أو الأمن العام الصهیونیّ والشرطة، الأمیر لدى دخوله الأقصى لکن تل أبیب لم تحترم ذلک، وفی الوقت نفسه، یتحدث البعض أنّ عدم موافقة عمّان على مرور رحلة نتنیاهو الباحث عن دعایة انتخابیّة عبر الأجواء الأردنیّة، جاء بطلب إماراتیّ لإبطاء سرعة التطبیع الهش ومفرزاته بعیداً عن توجیه التهمة لأبوظبی، وفی المحصلة لا یستطیع رئیس الوزراء الصهیونیّ زیارة البلد الذی شرع باب الخیانة فی العالم العربیّ على مصراعیه.

وفی ظل الأزمة الدبلوماسیّة بین الجانبین، والتی أدت إلى تفاقم المشکلات بینهما، وافقت الحکومة الصهیونیّة على إدخال 700 عامل أردنیّ یعملون فی مجال الفندقة إلى الأراضی الفلسطینیّة المُحتلة، فی خطوة اعتبرت محاولة صهیونیّة فاشلة لرأب الصدع مع عمّان، وسیتم إخضاع العمال الأردنیین إلى فحص فیروس کورونا المستجد، ووضعهم فی الحجر الصحیّ لحین ظهور نتائج الاختبارات، قبل السماح لهم بالعمل فی فنادق مدینة "أم الرشاش" الواقعة على ساحل البحر الأحمر جنوب فلسطین.

ضجت المواقع الإخباریّة بنبأ اللقاء السریّ الذی جمع بین وزیر الحرب الصهیونیّ بینی غانتس، والملک الأردنیّ عبدالله الثانی، قبل بضعة أیام، حیث أشارت صحیفة "یدیعوت أحرونوت" العبریّة، الأحد الفائت، إلى أنّ غانتس قال لأعضاء حزب "أزرق أبیض" الذی یرأسه، أنّه یأمل فی أن تتحسن العلاقات مع الدولة المجاورة للکیان الصهیونیّ الذی یحتل الأراضی العربیّة، مدعیاً أنّ رئیس وزراء العدو، بنیامین نتنیاهو، کان شخصاً غیر مرحب به فی المملکة الأردنیّة.

فی 25 شباط، قال الملک عبدالله خلال کلمة له فی معهد "بروکنغز" الذی تأسس عام 1916، ویعد أحد أهم مراکز الأبحاث المؤثرة فی دوائر صنع القرار فی العالم، ویختص فی شؤون السیاسات الدولیّة، والدراسات والأبحاث، وموضوعات الاقتصاد العالمیّ والتنمیة، أنّ بلاده ستبقى مستعدة بشکل دائم للمساهمة فی أیّ جهود لإعادة إطلاق ما تسمى "مفاوضات السلام".

لقاء مشترک

قبل أسبوعین، أثار اللقاء السریّ الذی عُقد بین وزیر الحرب الصهیونیّ بینی غانتس، والملک الأردنیّ عبد الله الثانی، الکثیر من التساؤلات، خاصة من ناحیة توقیت انعقاده، حیث أوضحت صحیفة "یدیعوت أحرونوت" حینها أنّ غانتس قال لأعضاء حزب "أزرق أبیض" الذی یرأسه، أنّه یأمل فی أن تتحسن العلاقات مع الدولة المجاورة للکیان الصهیونیّ الذی یحتل الأراضی العربیّة، مدعیاً أنّ رئیس وزراء العدو، بنیامین نتنیاهو، کان شخصاً غیر مرحب به فی المملکة الأردنیّة.

وعقب اللقاء الذی جرى بین الجانبین فی الأردن، دون تاریخ دقیق له، أشارت الصحیفة العبریّة إلى أنّ غانتس ألمح خلال حدیث مع نشطاء بحزب "أزرق - أبیض" الذی یتزعمه، إلى اللقاءات السریّة التی یجریها مع مسؤولین أردنیین کبار، فی الوقت الذی کانت فیه العلاقات الأردنیّة - الصهیونیّة تتجه نحو المجهول فی ظل اتجاه تل أبیب نحو ضم أجزاء من الضفة الغربیة والتلویح بضم غور الاردن، الأمر الذی أثار حفیظة الملک الأردنیّ ودفعه للحدیث عن "صدام کبیر" بین بلاده والکیان الصهیونیّ الغاصب فی حال أقدم على مثل هذه الخطوة، وقد نوه وزیر الحرب الصهیونیّ إلى أنّ العلاقات مع الأردن تمثل "ثروة عظیمة"، وکان من الممکن أن تکون أفضل بألف مرة، بحسب تعبیره.

ومن الجدیر بالذکر أنّ الأزمة تتفاقم بین عمّان وتل أبیب، منذ وصول نتنیاهو إلى السلطة، وما تبعها من أزمات سیاسیّة ودبلوماسیّة متلاحقة، أوصلت الأمور الى الحد الذی وصف فیه الملک عبد الله العلاقة مع "اسرائیل" بأنها فی "أسوء حالاتها "، وحول إمکانیّة أن تتفاقم الأزمة فی حال قام العدو بتشریع قانون ضم غور الأردن وأجزاء من الضفة الغربیّة، أوضح غانتس أنّ لدیه اتصالات مستمرة ومتواصلة مع الملک الأردنیّ والمسؤولین فی البلاد.

ومع تصاعد الخلافات بین نتنیاهو وغانتس، استدرک الأخیر بقوله: "إنّ رئیس الوزراء الصهیونیّ بنیامین نتنیاهو، یمثل شخصیة غیر مرغوب فیها بالأردن"، معتبراً أنّ وجوده یتعارض مع تقدم العلاقات الثنائیّة، بید أنّ بعض التحلیلات ذکرت أنّ غانتس ونتنیاهو "وجهان لعملة واحدة"، وهمهما الأول والأخیر هو أن یقع الأردن فی الفخ الصهیونیّ، کما أنّ وزیر الخارجیّة فی حکومة الاحتلال، غابی أشکنازی، التقى هو الآخر خلال الأشهر الأخیرة مع نظیره الأردنیّ، أیمن الصفدی مرتین، وبحث معه دفع عدة مشاریع، دون الإدلاء بأیّ معلومات إضافیّة، ولم یتسن الحصول على أی تعلیق من السلطات الأردنیّة حول ما أورده الإعلام العبریّ.

یُذکر أنّ الأردن وقع ما یصفها "اتفاقیة سلام" مع العدو الصهیونیّ المجرم عام 1994، فیما یعرف باتفاقیة "وادی عربة"، لیصبح ثانی دولة عربیّة تقدم على هذه الخطوة بعد مصر عام 1979.

وما ینبغی ذکره أنّ الأردن فشل فی توحید الجهود العربیّة لمساندته، وشهدت عمّان اجتماعاً العام المنصرم لم یؤتی أُکله، لوزراء خارجیّة الأردن والسعودیّة والإمارات، ومصر والمغرب وفلسطین، أیّ الدول الأعضاء فی الوفد الوزاریّ العربیّ المنبثق عما یسمى "لجنة مبادرة السلام العربیة"، إضافة إلى وزراء سلطنة عُمان -الذی کان رئیس دورة مجلس الجامعة العربیّة على المستوى الوزاریّ"، وتونس "العضو العربیّ فی مجلس الأمن"، ودولة الکویت العضو العربی السابق فی مجلس الأمن، والأمین العام لجامعة الدول العربیة، لبحث مستجدات القضیّة الفلسطینیّة، لکنه لم یفرز عن أیّ نتائج تُذکر.

خلافات متفاقمة

تتفاقم الأزمة بین الأردن والکیان الصهیونیّ لعدة أسباب أبرزها الاتفاق الذی حصل بین رئیس نتنیاهو وغانتس، على عملیة ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربیة بما یشمل غور الأردن وجمیع المستوطنات الإسرائیلیة بالضفة الغربیة، وأشارت تقدیرات فلسطینیّة إلى أن الضم سیصل إلى أکثر من 30% من مساحة الضفة المحتلة.

إضافة إلى ذلک، اعاقة وتعطیل الکیان الصهیونیّ لتنفیذ مشروع "ناقل البحرین" لنقل المیاه من البحر الأحمر إلى البحر المیت الذی یُعد مشروعاً استراتیجیّاً هاماً للأمن المائیّ الأردنیّ، وخصوصاً لإنقاذ البحر المیت الذی یعانی سنویاً من الجفاف المستمر، بالإضافة إلى تدشین مطار "رامون" فی مدینة إیلات المتاخمة لمدینة العقبة رغم الاعتراض الأردنیّ، وعلیه تم تقدیم اعتراض رسمیّ دولیاً للمنظمات ذات الصلة، سیما أنّ هذا المطار لا یبعد عن مطار "الملک حسین" سوى مئات من الأمتار.

کذلک، تسویق مدینة البتراء الأردنیة من قبل العدو الغاصب وکأنها لهم، مستغلاً التسهیلات بالتنقل عبر الحدود والمعابر ومستفیداً من التغاضی الحکومیّ الأردنیّ عن کل تلک التجاوزات، کذلک حادثة إطلاق النار من السفارة الإسرائیلیة فی عمان تجاه المواطنین الأردنیین، وقیام بنیامین نتنیاهو باستقبال مطلق النار بشکل ملفت وکأنه صانع مجد.

علاوة على ذلک، المحاولات الإسرائیلیّة لتقلیص صلاحیات المملکة الأردنیّة على الأوقاف الإسلامیّة فی القدس وعلى المسجد الأقصى الذی یتعرض منذ مدة طویلة لهجمة شرسة من الاستهداف الصهیونیّ، حیث إنّ کیان الاحتلال یمارس ضغوطاً شدیدة على وزارة الأوقاف والأردن من أجل إحداث تغییرات جذریّة فی مجلس الأوقاف الإسلامیّة، لتحقیق مبتغى العدو فی أن تنوب السعودیّة عن الأردن فی تلک المسألة، بالتزامن مع کثافة اقتحام حرمة المسجد من قبل الجماعات المتطرفة الیهودیّة، التی تسعى لأن یکون لها موطئ قدم داخل المسجد المبارک، بغطاء سیاسیّ وقانونیّ من قوات العدو.




محتوى ذات صلة

نتنیاهو عبث بالصاعق وخسر المعرکة

نتنیاهو عبث بالصاعق وخسر المعرکة

الحدیث عن مشهد الصورایخ التی تدک تل ابیب وتحول لیلها نهارا مهم، لاسیما وان هذا المشهد غیّر فی معادلة الصراع وغیّر قواعد الاشتباک بین المقاومة الفلسطینیة والمحتل الاسرائیلی

|

سلامی: أمیرکا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

سلامی: أمیرکا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

القائد العام لحرس الثورة فی إیران اللواء حسین سلامی یقول إن "الانفجار الکبیر فی مصنع محرکات المضادات الدفاعیة والصواریخ حاملة الأقمار الصناعیة مؤخرا فی "إسرائیل"، أثبت هشاشة النظام الأمنی الإسرائیلی".

|

ارسال التعلیق