احتمالیة الحرب بین اسرائیل و"حزب الله"
هناک هجوم سیاسی وإعلامی غیر مسبوق على "حزب الله" من قبل الاسرائیلیین على وجه الخصوص ومن بعض القنوات العربیة المطبعة، والسبب واضح، ویدل على حالة فشل ذریع فی مواجهة "حزب الله" أو التأثیر على شعبیته وحاضنته وکذلک موقفه السیاسی والعسکری، ولأنهم عجزوا عن "نزع سلاح الحزب" الذی یعتبر خطاً احمر بالنسبة للأخیر، یعملون الیوم على تألیب الرأی العام العالمی ضد الحزب بعد فشلهم بتحریک اللبنانیین ضد الحزب.
آخر المحرضین کان المندوب الإسرائیلی لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان والذی وجه رسالة إلى السفیرة الأمریکیة لیندا توماس غرینفیلد، حذر فیها من أعمال عدائیة واسعة النطاق بین إسرائیل و"حزب الله"، فی حال تابع الأخیر أنشطته العسکریة على طول الحدود الشمالیة.
وذکر إردان أنَّ الحشد العسکری المستمر لـ"حزب الله" وتعزیز أنشطته الضارة قد یؤدیان إلى عواقب وخیمة، وبینها تجدید الأعمال العدائیة على نطاق واسع بین الجهتین.
وحض الأخیر المجلس على العمل لضمان نزع سلاح الحزب، وتمکین "قوة الأمم المتحدة المؤقتة فی لبنان" (الیونیفیل) من مراقبة الخط الأزرق بحریة للنظر فی انتهاک قرار مجلس الأمن رقم 1701 الذی حدد شروط وقف إطلاق النار التی أنهت حرب تموز (یولیو) عام 2006.
وأشار إردان إلى مواصلة الحزب تشغیل مختلف المنشآت العسکریة والمواقع على طول الخط الأزرق، وقیامه بدوریات منتظمة لجمع معلومات استخباریة حول أنشطة الجیش الإسرائیلی، فضلاً عن تنفیذه هجمات تستهدف المدنیین والجنود الإسرائیلیین.
فی المقاربات الإسرائیلیة الإعلامیة تجاه الخارج والرأی العام الدولی، تشدید على تصویر إسرائیل بالکیان الودیع الذی یسعى للدفاع عن نفسه أمام أعدائه، وفی مقدمتهم حزب الله. مقاربة تشدد على دور الضحیة الإسرائیلیة أمام تهدید صواریخ الحزب الموجهة إلى مدنیی إسرائیل بهدف قتل مدنیین لا أکثر، مع التشدید الموازی على دور الجمیع، فی العالم، فی العمل على حمایة إسرائیل.
السؤال الیوم ماذا عن احتلال اسرائیل لأجزاء من أراضی لبنان وأهمیة وجود الحزب وسلاحه للدفاع عن تراب بلاده؟، لماذا لا یتکلم العالم عن جرائم العدو الصهیونی بحق المدنیین اللبنانیین والفلسطینیین؟؟
سلیم بدورة، مندوب لبنان فی الأمم المتحدة، رد مؤخراً على اتهام مندوبة اسرائیل للحزب بالارهاب، واستنکر بدورة ما جاء على لسان المندوبة الإسرائیلیة من "اتهام لـ"حزب الله" بالإرهاب، وبتهدید اللبنانیین من خلال منظومة صواریخ المقاومة"، واصفا بدّورة کلام المندوبة الصهیونیة بـ"الافتراء والتدخّل السافر من قبل إسرائیل التی تحتلّ أجزاءً من لبنان".
یذکر أن سفیر لبنان فی الأمم المتحدة سلیم بدورة کان رد، فی کانون الثانی الماضی، على المندوبة الإسرائیلیة، مؤکداً أن "حزب الله مکون لبنانی یمثل شریحة کبیرة من الشعب، وهو جزء من المقاومة اللبنانیة ضد الاحتلال الإسرائیلی ویشارک فی الحیاة السیاسیّة".
کما ردّت بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة، خلال الدورة الـ45 لمجلس حقوق الإنسان فی أیلول الماضی، على مداخلة المندوبة الإسرایلیة، مؤکدة "حق لبنان فی المقاومة لتحریر أرضه والدفاع عن سیادته ممثلا بالمؤسسات الدستوریّة التی تعبر عن إرادة الشعب اللبنانی، والتی یشکل "حزب الله" أحد حرکات المقاومة جزءاً لا یتجزأ منها".
"حزب الله" لا یعتدی على أحد وانما یرد الاعتداء على ارض بلاده، وعجز اسرائیل أمام الحزب لیس مبررا أن یتکالب العالم مع اسرائیل على الحزب وینسى جرائم الصهاینة التی لا تعد ولاتحصى.
قبل یومین حلق الطیران الإسرائیلی، بکثافة فی الأجواء اللبنانیة بمنطقتی النبطیة وإقلیم التفاح على ارتفاع متوسط.
وقالت الوکالة الوطنیة للإعلام، إن "الطیران الحربی المعادی، یحلق منذ الثالثة والثلث من بعد ظهر الیوم، بکثافة فی أجواء منطقتی النبطیة وإقلیم التفاح وعلى علو متوسط".
وفی وقت سابق، أنهى الجیش الإسرائیلی مناورات عسکریة بالذخیرة الحیة استغرقت 3 أسابیع فی مرتفعات الجولان السوری المحتل، تحاکی مواجهة على جبهتی سوریا ولبنان، وشملت کل تشکیلات الجیش.
فی ذلک، لا یمکن لإسرائیل إیقاف جاهزیتها العسکریة، والکفّ عن الاستعداد لکل سیناریوهات المواجهات المتطرفة، وصولاً إلى الحرب نفسها. وفی ذلک أیضاً، لا تنکفئ إسرائیل عن استخدام الخیارات غیر العسکریة، ومن بینها استغلال الخصومات والتشظی الداخلی اللبنانی ضد حزب الله، بما یشمل التحریض على الحزب، داخلیاً وخارجیاً.
قبل العام 2013 (وبعده أیضا)، کان الیقین الإسرائیلی مستقرا على إمکان هزیمة حزب الله فی سوریا ومنها باتجاه لبنان. وإن لم تکن الهزیمة مطلقة، إلا أنها کانت على یقین أن إسقاط الدولة السوریة، وانکفائه ضعیفا إلى الساحة اللبنانیة بلا مصادر دعم، من شأنهما أن یتیحا حتى لخصومه فی لبنان، رغم هشاشة موقفهم وقدراتهم، إنهاء فاعلیته وتحجیمه. الثقة بهذه النتیجة کانت مفرطة إسرائیلیاً، إلى الدرجة التی کانت تراهن على قوى محلیة لبنانیة لمواجهته.
لکن الرهان سقط. لم تسقط الدولة السوریة، ولم یتقوقع حزب الله الى الداخل اللبنانی إلى الحد الذی یقوى علیه خصومه اللبنانیون، وبدلا من قطع الإمداد عنه، فتحت الأبواب واسعة أمام منابع القدرة باتجاه الشرق الأبعد، عبر الممرات البریة التی حذرت منها إسرائیل إلى حد الإفراط. ومن جدید، باتت قدرة حزب الله، باتجاهیها ــــ الخبرة القتالیة والقدرة العسکریة ــــ لا تقاس بما کانت علیه لدى قرار إسرائیل الرهان على الحرب السوریة، کخیار بدیل عن حربها المباشرة فی مواجهته.
هذا لا یعنی، بالمطلق، مقارنة قدرات إسرائیل العسکریة، بقدرات حزب الله، وهی مقارنة غیر منطقیة. لکن القدر المتیقن، أن لدى حزب الله ما یکفی لیدفع إسرائیل إلى التفکیر طویلا، قبل أن تندفع إلى حرب جدیدة وأن تفکر ملیا بأثمانها، وهی الأثمان التی دفعتها للبحث عن خیارات بدیلة عن الحرب، التی باتت الآن (الأثمان) اکبر وأوسع وأکثر تأثیرا فی قرارات تل أبیب، قیاسا بما کانت علیه عشیة الحرب السوریة.
السؤال الاعتیادی الذی لا یفارق أعداء حزب الله وخصومه وأصدقائه، منذ 11 عاما: هل تقدم إسرائیل على شن حرب جدیدة؟ السؤال، وإن کان مشروعا ومطلوبا، إلا انه لدى البعض جزء لا یتجزأ من الحرب النفسیة التی تخاض فی مواجهة الحزب. نعم، الحرب لا یمکن أن تکون مستبعدة بالمطلق، طالما أن إسرائیل هی العدو، لکن رغم کل "عرض العضلات" الدوریة من قبل المسؤولین الإسرائیلیین، والتهدید والوعید، وآخرها فی مؤتمر هرتسیلیا الذی یواصل فاعلیاته للیومین المقبلین، حیث یتسابقون لإطلاق التهدیدات، فإن للحرب أثمانها، وأثمانها الکبیرة جدا، وعلى إسرائیل أن توازن بینها وبین نتائجها المتوخاة منها، وإلا لن تقدم على شن حرب.