بعد التعاون الاستراتیجی الشامل بین الصین وإیران.. بایدن یعرب عن قلقه
أعرب الرئیس الأمریکی جو بایدن عن قلقه حیال وثیقة التعاون الاستراتیجی الشامل التی وقعت علیها الصین وإیران.
وردا على سؤال أحد الصحفیین حول قلقه من الشراکة بین الصین وإیران، قال بایدن: "لقد کنت قلقا بشأن ذلک منذ سنوات".
ووقع وزیر الخارجیة الإیرانی محمد جواد ظریف ونظیره الصینی وانغ یی مؤخرا على معاهدة للتعاون الاستراتیجی المشترک بین البلدین.
وتشمل وثیقة الشراکة الاستراتیجیة التی وقعها الوزیران أثناء زیارة وانغ یی إلى طهران، التعاون فی المجالات السیاسیة والاقتصادیة والتقنیة، إلى جانب التعاون الدفاعی والعسکری، بما فی ذلک إجراء مناورات عسکریة مشترکة.
وتخط إیران والصین مرحلة جدیدة من العلاقات الثنائیة، فبعد سنوات من المحادثات والنقاشات وضع الطرفان النقاط على الحروف فی إطار وثیقة تعاون استراتیجیة فی المجالات کافة، فیما تتقدم الصین على نحو متصاعد وقوی وسریع لتتسید الاقتصاد العالمی، وإیران تملک موارد ضخمة للطاقة وتزدهر علمیاً وتنشط صناعیاً، وهنا تکمن أهمیة التقارب بینهما.
یصف الطرفان هذه الوثیقة بخارطة الطریق لمستقبل العلاقات الثنائیة، فبنودها تشمل التعاون تجاریاً واقتصادیاً وعسکریاً وثقافیاً بشکل یمنح الطرفین امتیازات متبادلة وفق معادلة الربح المتبادل.
تتحدث الاتفاقیة بالتفصیل عن أوجه التعاون من النفط الخام والطاقة النوویة إلى سکک الحدید والاتصالات والعمل المصرفی واستخدام العملة الوطنیة، وصولاً إلى دور إیران فی مبادرة الحزام والطریق.
هی اتفاقیة تمتلک أهمیة جیوسیاسیة کبرى لکونها تشمل أیضاً تبادل خبرات عسکریة وقدرات دفاعیة وتعاوناً أمنیاً واسناداً فی المحافل الدولیة. لا بل أکثر من ذلک، هو اتفاق على توسیع التعاون بین الجامعات وأقسام التکنولوجیا والعلوم والسیاحة.
صحیح أن التعاون الاقتصادی یشکل عمود الأساس فی المعاهدة هذه، إلا أنه بحسب مراقبین یعتبر تحدیاً سیاسیاً لخصوم البلدین المشترکین، وهو یفتح الباب على نوع جدید من المواجهة ضد المعسکر الأوروبی الأمیرکی.
ولا تکمن أهمیة الاتفاقیة فی المضمون فقط، ففی الشکل یحسب للتوقیت ألف حساب أیضاً، حیث بالتزامن تتعرض الصین للتهدیدات الأمیرکیة وإیران للعقوبات وروسیا للحصار. ومع توقیع اتفاقیة التعاون، یسلط الضوء على الدور الذی ستؤدیه طهران فی أفق هذا الاتفاق الذی سیصب لمصلحة تعاظم دورها.
فموقع إیران المهم الذی یقع على المسار البری لمبادرة الحزام والطریق الصینیة، یمنحها فرصة للارتباط بالبنیة التحتیة الإقلیمیة، وهو ما لا ینفصل عن شبکات الموانئ والسکک الحدیدیة.
على هذا الأساس، سینعکس ما سبق وفق مراقبین مکاسب اقتصادیة ضخمة، لا بل استراتیجیة أیضاً لا تقل أهمیة عن الاقتصادیة منها، فتعمیق الارتباط الإیرانی بالبنیة التحتیة الإقلیمیة سینتج مصالح دولیة فی الدفاع عن إیران لمواجهة السیاسات الأمیرکیة.
من الناحیة الأخرى، فإن التوسع العسکری والإقتصادی للصین وتفوقها التکنولوجی، أکثر ما تخشاه واشنطن والمسؤولین فیها، حتى بات الحد من النفوذ الصینی أحد أبرز الأولویات للإدارة الأمیرکیة الجدیدة.
ترى الولایات المتحدة فی الصین التهدید الأکبر لها، ولموقعها القیادی فی العالم، رئیسها جو بایدن وضع منذ دخوله البیت الأبیض التفوق على الصین ومنعها من التوسع أکثر على الساحة الدولیة هدفاً أولاً له.
القلق الأمیرکی ینبع من واقع فرضت فیه الصین قوتها، عبر نجاحها فی التوسع التدریجی والمدروس مع حلفاء موثوقین مثل ایران وروسیا وغیرهما إضافة إلى رفع مستوى جهوزیتها العسکریة.
کذلک، فإن وصول الصین إلى الموانئ الإیرانیة ضمن استراتیجیة تقوم على النفاذ إلى أکبر عدد ممکن من الموانئ البحریة، یحد من الهیمنة الأمیرکیة فی الخلیج حیث اقترب الحضور الصینی، وتحدیداً فی میناء "جاسک" القریب من مضیق هرمز من مقر الأسطول الخامس الأمیرکی فی البحرین.
توسع صینی یأتی على وقع فشل اجتماعات ألاسکا بین الصین وأمیرکا، الأول بین الطرفین فی عهد بایدن، فی ظل غیاب أرضیة مشترکة للتفاهم، وطغیان الحدة على المحادثات الثنائیة، التی تخللها تراشق کلامی لم یسبق له مثیل، وبدا واضحاً أثناءها تصرف بکین على أساس الندیة.
هی تحولات استراتیجیة مهمة فی السیاسة الصینیة تجاه النظام العالمی والسیاسات الإقلیمیة ودلیل على أن التدهور الذی یتزاید فی العلاقات بین واشنطن وبکین، لم یعد ممکنا ضبطه، وبات ینذر، وفق مراقبین، باتساع رقعة المواجهة.