لماذا تشعر إدارة بایدن بالقلق من اتفاقیة طهران-بکین الممتدة 25 عامًا؟

إنعکست وثیقة التعاون الاستراتیجی الشامل بین إیران والصین، التی وقعها فی 27 مارس 2021 فی طهران وزیر الخارجیة الإیرانی "محمد جواد ظریف" ونظیره الصینی "وانغ یی"، على نطاق واسع فی الأوساط السیاسیة هذه الأیام.

هذه الوثیقة، التی ترکز على تعزیز تعاون القطاع الخاص ودور إیران فی برنامج الاستثمار والبنیة التحتیة الصینی ومشروع طریق الحریر الجدید(حزام واحد-طریق واحد)، أثارت مؤخرًا رد فعل الرئیس الأمریکی جو بایدن.

بایدن ورداً على سؤال أحد الصحفیین الذی قال "هل أنت قلق بشأن الشراکة الإیرانیة الصینیة؟" أجاب: "أنا قلق بشأن هذا منذ عام".

الإتفاقیة الاستراتیجیة التی مدتها 25 عامًا بین إیران والصین، والتی نشرت فی وسائل الإعلام العام الماضی، حدَّدت خططًا لتورید النفط الخام الإیرانی على المدى الطویل إلى الصین، فضلاً عن الاستثمار فی البنیة التحتیة للنفط والغاز والبتروکیماویات والطاقة المتجددة والنوویة، وفی ذلک الوقت، استخدمه المراقبون السیاسیون ووسائل الإعلام الأمریکیة کحدث لانتقاد سیاسات الرئیس الأمریکی آنذاک دونالد ترامب.

وفقًا للمراقبین السیاسیین، فإن سیاسات ترامب تجاه إیران، والمعروفة باسم استراتیجیة الضغط الأقصى، قد قرَّبت بین طهران وبکین ودفعت إیران إلى توقیع وثیقة تعاون استراتیجی مدتها 25 عامًا مع الصین.

ومع ذلک، فإن السؤال المطروح الآن هو، ما سبب قلق مسؤولی إدارة بایدن وباحثی العلاقات الدولیة الأمریکیة بشأن هذه الصفقة، ووصفها بأنها تهدید للمصالح الوطنیة لواشنطن؟

طموح الولایات المتحدة إلى استعادة الهیمنة، والشعور بالقلق إزاء عدم توازن القوى فی غرب آسیا

فی جمیع السنوات التی تلت الحرب الباردة(1991)، بنت الولایات المتحدة استراتیجیة سیاستها الخارجیة الأساسیة على الحفاظ على هیمنتها على الساحة الدولیة، ولعب دور القیادی فی النظام الدولی.

وعلى الرغم من أن جورج دبلیو بوش الأب قد أعلن عن هذه الإستراتیجیة فی أوائل التسعینیات کعقیدة "النظام العالمی الجدید"، فقد تم إضعافها بشدة فی أوائل العقد الأول من القرن الحادی والعشرین، لکن الاستراتیجیین الأمریکیین فی مختلف الإدارات، سواء کانت دیمقراطیةً أو جمهوریةً، رکزوا على إبقاء الولایات المتحدة القوة "الأولى" فی العالم.

وعلى مدى العقد الماضی، أشار الاستراتیجیون الأمریکیون صراحةً إلى الصین باعتبارها اللاعب الأکثر أهمیةً فی تحدی دور القیادة والهیمنة لواشنطن فی النظام الدولی.

ونتیجةً لذلک، رأینا استراتیجیة "التحوُّل شرقاً" فی جهاز السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة، فی إدارات باراک أوباما ودونالد ترامب وجو بایدن.

وبعبارة أدق، من وجهة نظر الأمریکیین، من أجل الحفاظ على هیمنتهم العالمیة من خلال إعادة النظر فی سیاستهم الخارجیة، یجب علیهم تحویل ترکیزهم من منطقة غرب آسیا وأوروبا الغربیة إلى تقیید الصین واحتوائها فی شرق آسیا.

وکانت هذه المخاوف بحیث أن عدد موظفی قسم الشرق الأوسط فی مجلس الأمن القومی الأمریکی فی إدارة بایدن بات محدوداً، وأن الموظفین فی قسم شرق آسیا والصین قد ازداد عددهم بشکل ملحوظ.

وبالنظر إلى هذه المخاوف فی السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة، یمکن الآن قراءة إبرام اتفاقیة إستراتیجیة مدتها 25 عامًا بین إیران والصین، کخصمین للولایات المتحدة فی النظام العالمی، على أنه تحدٍ رئیسی للبیت الأبیض على مستویین.

على المستوى الأول، تنظر الولایات المتحدة إلى التحالف بین دول مثل إیران والصین وروسیا على أنه تحالف شرقی ضدها. فی الواقع، إن نمط الصداقة بین خصوم أمریکا العالمیین یذکِّر بالکتلتین الشرقیة والغربیة.

وعلى المستوى الثانی، إن التعاون بین إیران والصین، والذی له أبعاد عسکریة وأمنیة أیضاً، من وجهة نظر الأمریکیین، یمکن أن یکون عاملاً لإخلال میزان القوى على حساب هذا البلد على مستوى منطقة غرب آسیا.

لأن توقیع مثل هذا الاتفاق فی نظر الأطراف المتنافسة لطهران، سیزید من القوة العسکریة لإیران، ونتیجةً لذلک، یجب على الولایات المتحدة إما سد فجوة القوة الحالیة بالنسبة لهم، أو ستتجه الدول الأخرى نحو التعاون وتوقیع اتفاقیات مماثلة مع الصین أیضاً. وهذا الاتجاه هو بالتأکید ضد المصالح الوطنیة للولایات المتحدة وسیجر الصین إلى الشرق الأوسط کقوة عظمى.

خروج إیران من عزلة العقوبات الأمریکیة وعدم فاعلیة سیاسة العقوبات

مصدر القلق الآخر لإدارة بایدن والاستراتیجیین الأمریکیین بشأن وثیقة التعاون الإیرانی الصینی التی تبلغ مدتها 25 عامًا، هو عدم فعالیة سیاسة العقوبات الأمریکیة ضد إیران.

فی الواقع، استخدم الأمریکیون سیاسة العقوبات کأداة للضغط على إیران فی أوقات مختلفة، لکن اتفاقیة التعاون الآن بین إیران والصین یمکن أن تبطل هذه السیاسة کوسیلة للحصول على تنازلات من طهران.

فی الحقیقة، مع التصدیق على هذا العقد المکون من 18 صفحة، ستستثمر الصین فی البنوک والاتصالات والموانئ والسکک الحدیدیة ومئات المشاریع الأخرى. کما تشمل البنود الأخرى إنشاء قواعد عسکریة وأمنیة للتعاون الثنائی، فی التدریب والبحث المشترک وتطویر الأسلحة.

علاوةً على ذلک، سیدخل التعاون بین إیران والصین فی مجال الطاقة أیضًا مرحلةً استراتیجیةً، بحیث أن صادرات طهران إلى بکین سیکون لها نوع من الضمان التنفیذی. هذا فی وقت تعدّ فیه الصین أکبر مستورد للنفط، حیث اشترت أکثر من 10 ملایین برمیل یومیًا العام الماضی.

إن شراء الصین للنفط الإیرانی سیخرج طهران حتماً من الضغط التجاری، وبالتالی الضغط السیاسی. وهذا الوضع لن یکون فی صالح واشنطن إطلاقا؛ لأنه فی حال وجود أی مفاوضات محتملة بین إیران والغرب، سیکون لطهران أقل اهتمام بمسألة العقوبات، وستدخل فی أی حوار من موقع أعلى.




محتوى ذات صلة

إیران فی فیینا.. محاولات لسد الطریق أمام تهرب أمریکا من القانون

إیران فی فیینا.. محاولات لسد الطریق أمام تهرب أمریکا من القانون

من اجل سد الطریق امام امریکا للتهرب من التزاماتها وتعهداتها الدولیة، کما هو معروف عنها، خاصة بعد انسحابها من الاتفاق النووی، الذی وقعته الى جانب القوى الکبرى الدولیة الخمس مع ایران، تصر طهران ، فی اطار المباحثات الجاریة فی فیینا للجنة المشترکة للاتفاق النووی، مع مجموعة 4 + 1 ...

|

ارسال التعلیق