محادثات مسقط وتغییر مسار محادثات السلام الیمنیة
استضافت سلطنة عمان مؤخرا جولة جدیدة من محادثات السلام للأزمة الیمنیة بین وفد صنعاء وجهات خارجیة تابعة لحکومة الرئیس المستقیل "عبد ربه منصور هادی" ودول تحالف العدوان. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمریکیة الجدیدة هتفت بالعدید من الشعارات خلال الفترة الماضیة حول بذلها للکثیر من الجهود لإنهاء هذه الحرب التی شنتها تحالف العدوان قبل ست سنوات على أبناء الشعب الیمنی، وکذلک إحداث تغیرات جوهریة فی التطورات المیدانیة على أرض المعرکة، وهذه العوامل أدت إلى اهتمام إقلیمی ودولی بمحادثات مسقط، ولکن هذه الجولة من المحادثات، کغیرها من المحادثات المختلفة التی عُقدت فی الماضی، فشلت حتى الآن فی الوصول إلى النتیجة المطلوبة لإنهاء الحرب ووقف عدوان السعودیة وحلفائها على أبناء الشعب الیمنی. وفی هذا الصدد، أعلنت حرکة "أنصار الله" مؤخراً، أن المحادثات التی عقدت فی العاصمة العمانیة مسقط بینها وبین حکومة "منصور هادی" المستقیلة ودول تحالف العدوان والولایات المتحدة حول إیجاد حل سیاسی للحرب الیمنیة، لم تسفر عن نتائج إیجابیة ولکن فیما یتعلق بأسباب فشل هذه الجولة من المحادثات وتأثیرها على أوضاع الأطراف المتحاربة، فیمکن رؤیة حدوث تغییرات کبیرة فی مسارات مفاوضات السلام الیمنیة.
هزیمة السعودیة فی حرب الیمن
یعود أحد أهم التغییرات فی مسار مفاوضات السلام الیمنیة إلى قضیة وقف إطلاق النار ولقد انتقلت استراتیجیة المملکة العربیة السعودیة فی الحرب الیمنیة منذ فترة طویلة من تحقیق الانتصارات فی المعارک العسکریة إلى تدمیر الیمن تدریجیًا من خلال فرض حصار وعقوبات شاملة وتدمیر البنیة التحتیة الاقتصادیة للبلاد. ونتیجة لهذه الاستراتیجیة، کان السعودیون دائمًا یبدون الرغبة فی القدوم إلى طاولة المفاوضات فقط کغطاء للهروب من الانتقادات الدولیة والقیام بلفتات سلام، وفی المیدان اتبعوا استراتیجیة العدوان المستمر، مما أدى إلى حدوث جمود فی المفاوضات السابقة. لکن فی الوضع الحالی، تغیر الوضع بشکل جذری، وأصبحت الریاض هی التی تعمل جاهدة لوقف تقدم أبطال الجیش واللجان الشعبیة الیمنیة "أنصار الله" نحو محافظة مأرب الاستراتیجیة، وکذلک وقف الهجمات واسعة النطاق فی عمق الأراضی السعودیة، التی أصبحت طبیعیة ولا یمکن للریاض السیطرة علیها. والمحادثات الأخیرة، أظهرت عدم رغبة الریاض فی تقدیم تنازلات بشأن إنهاء الحصار والعدوان، وهذا الامر یؤکد أن السعودیین ما زالوا یؤمنون بنهج المراوغة باعتباره السبیل الوحید للهروب من الهزیمة.
وفی ظل هذه الظروف، فإن المملکة العربیة السعودیة وولی عهدها عدیم الخبرة فی حالة یرثى لها بشأن کیفیة إقناع "أنصار الله"، التی تتقدم فی العدید من جبهات القتال وأصبحت قادرة على شن هجمات على البنیة التحتیة والمصالح الاقتصادیة السعودیة، وإقناعها بقبول وقف إطلاق النار ویمکن رؤیة هذه المسألة فی قرار "أنصار الله" الرافض لخطة السلام التی قدمتها الریاض. ویُظهر هذا التحول، أن المملکة العربیة السعودیة فقدت هیمنتها تمامًا فی ساحة المعرکة وتحاول الآن تقلیل تکلفة الهزیمة على طاولة المفاوضات، وذلک على وجه التحدید بسبب إصرار الجانبین الأمریکی والسعودی على تجاهل الحقائق الحالیة للحرب.
تغییر اللاعب المؤثر فی المفاوضات
أثبتت مفاوضات مسقط، فی ضوء ما قیل، وقوع نقلة نوعیة مهمة فی مسار المفاوضات، وهذا التغییر فی موقف اللاعب المؤثر الذی حدد وقت وشروط المفاوضات. إن رفض المقترحات الأمریکیة والسعودیة مسألة لا ینبغی تجاهلها بسهولة وعلى الرغم من أن إعادة فتح مطار صنعاء وکذلک فک الحصار على میناء الحدیدة هی تنازلات کان من الممکن أن تکون فی الماضی إنجازًا مهمًا بالنسبة إلى صنعاء على طاولة المفاوضات، إلا أن رفض هذه المقترحات وشروط "أنصار الله" بإعادة فتح المطار بالکامل مطار صنعاء دون قیود على السفر فی أی مکان فی العالم، وفک حصار میناء الحدیدة والوقف الکامل للهجمات الجویة والبریة، أن الیمن الآن هو اللاعب المؤثر الذی أخذ زمام المبادرة فی المفاوضات وغیّر العنصر الرئیسی فی سیاسة التفاوض السعودیة الأمریکیة تجاه صنعاء. وفی بیان صدر بعد اجتماعهما فی الأردن فی مارس 2021، تعهد "لیندرکنغ" و"غریفیث" بالعمل معًا للتفاوض على أساس خطة ترعاها الأمم المتحدة تتضمن فتح میناء الحدیدة ووقف إطلاق النار وعندما علم "أنصار الله" بتفاصیل الخطة، قاموا بالضغط على السعودیین لتغییر معادلات الحرب، ولقد غرد المتحدث باسم حرکة "أنصار الله"، محمد عبد السلام: "یتفاوضون معنا على لقمة مقسمة وعلى عدد قلیل من الادویة وحریة الحرکة".
وحول هذا السیاق، کشفت العدید من التقاریر أنه ما بین الترغیب والترهیب ومحاولات ابتزاز بالملف الإنسانی تستهدف جمیعها إخضاع حرکة "أنصار الله" للمطالب السعودیة، وإجبارها على رفع الرایة البیضاء من دون أی مقابل. استسلام لا ترى قیادة صنعاء أدنى موجب له بعد ست سنوات من الصمود والقتال الأسطوری الذی قلَب المعادلة لصالحها بالکامل. ولذا، فقد کان موقفها واضحاً على طاولة الوسیط العمانی: لا مساومة على حقوق الیمنیین، لا نزول عند رغبات واشنطن، ولا عودة إلى التفاوض قبل وقف العدوان وفک الحصار. وهما المطلبان الرئیسان اللذان جاءت المبادرة السعودیة المتجددة، المطروحة بالأمس، لتستمر فی المراوغة حولهما، بعیداً من أیّ إعلان جاد وحقیقی، وفق ما رأته "أنصار الله". وعلى الأرض، یتضح، من سیاقات کثیرة، أن بمقدور "أنصار الله" حسم المعرکة سریعاً فی مأرب، والقرار واضح فی هذا الاتجاه، لکن تشابک الوضع الداخلی وعلاقات القبائل فی ما بینها، وحرص "أنصار الله" على عدم تدمیر مأرب أو سقوط المزید من الضحایا، یجعلان المعرکة تأخذ أشکالاً مختلفة. الذی حصل فعلیاً أن الأمریکیین، عندما خرجوا من جلسة التفاوض، کانوا یعتقدون أن السقف المرتفع لـ"أنصار الله" إنما لا یعکس حقیقة الوضع. وبعدما تلقوا تعهدات من الجانبین السعودی والإماراتی ومجموعاتهما على الأرض بأن الوضع سینقلب فی مأرب لمصلحة قوى العدوان، قرروا مغادرة المفاوضات وقالوا للجانب الیمنی: نحن سنسافر إلى واشنطن وننتظر اتصالکم. مرت الأیام الأولى وهم ینتظرون تطوُرات لمصلحتهم على الأرض، ولکنهم وجدوا أن "أنصار الله" تمکّنوا من صدّ الهجمات الاشغالیة واستعادوا کامل السیطرة، بل تقدّموا أکثر فی جبهة مأرب نفسها.
کش مات "منصور هادی"
لکن من دون شک، هناک عنصر مهم آخر لتغییر مسار التفاوض لصالح "أنصار الله" وصنعاء وهو تقلیص أو حتى إزالة ثقل ومواقف "منصور هادی" والحکومة الیمنیة المستقیلة فی المفاوضات. لقد کان هذا المکون مهم جدا خلال ست سنوات من الحرب الوحشیة ضد الشعب الیمنی، وکانت أهم أداة للشرعیة الدولیة للغزو السعودی للیمن، الإعلان عن جهود إعادة حکومة "منصور هادی" المخلوعة إلى صنعاء، والتی کانت مدعومة من قبل الدول الغربیة. وخلال هذه السنوات، لم تستمع أبواق حکومة "منصور هادی" المستقیلة والهشة فی عدن إلا لأوامر واشنطن والریاض وکانت تقوم بدعم الجرائم السعودیة بحق المدنیین ومواصلة الحصار اللاإنسانی للیمن، لکن الآن وعشیة طرد المرتزقة التابعین للسعودیة من محافظة مأرب وعدم شرعیة حکومة "منصور هادی" فی الجنوب إثر خلاف مع المجلس الانتقالی المدعوم من الإمارات، کان دور "منصور هادی" فی المفاوضات یصب فی صالح حکومة الانقاذ الوطنی بصنعاء.