من العراق إلى لبنان.. أی دور للفاتیکان؟

قیل الکثیر عن زیارة البابا فرانسیس إلى العراق. هذا أمر مفهوم بالنسبة إلى رمزیة الضیف من جهة، وعطش البلد المضیف إلى أی حدث یحمل آمال استقرار من جهة أخرى، لکن تقییم نتائج الزیارة ووضعها فی سیاقها الواقعی یتطلب فهماً لشخصیة الضیف الاستثنائی.

حین قرر البابا الحالی اختیار اسم "فرانسیس"، کسر عُرفاً متداولاً منذ أکثر من ألف عام باستعمال اسم سلف سابق، کما أنه تقصد الدلالة على منهجه الإصلاحی، نظراً إلى رمزیة القدیس "فرانسیس الأسیزی" الذی اشتهر فی القرن الثالث عشر باختیار طریق الزهد وهجران حیاة الترف ودعوته لمساعدة الفقراء والمساکین.

ومن یطّلع على السیرة الذاتیة للبابا الحالی قبل انتخابه، یلحظ بوضوح کسره الأنماط السائدة عن رجال الدین عموماً، لناحیة اقترابه من هموم الناس وحدیثه إلیهم بلا حرج أو حواجز.

رغم ذلک، لم یتوقع محللو السیاسة الدولیة أن تؤدی زیارة البابا للعراق إلى تغییر إعجازی على مستوى الأوضاع الأمنیة والسیاسیة والاقتصادیة، فالزعیم الدینی یستمد قوته من التأثیر المعنوی لا العملی.

وقد کان وزیر خارجیة الفاتیکان شدید الصراحة فی تصریحاته قبیل زیارة الحبر الأعظم إلى العراق، حین قال إن أحد أهم أسباب الزیارة هو "محاولة وقف نزیف المسیحیین فی الشرق الأوسط".

لا ترتبط هذه المسألة بالدیموغرافیا بقدر ما تحمل تحدیاً لمستقبل المسیحیة عموماً، باعتبار أن الشرق الأوسط کان الحاضنة التاریخیة لظهور هذه الدیانة وانتشارها. من المنطلق نفسه، یزور البابا لبنان؛ البلد الذی یعانی من مشاکل سیاسیة واقتصادیة، والذی لطالما شکل الوجود المسیحی فیه قبلة بالنسبة إلى المسیحیین فی سائر المنطقة.

بطبیعة الحال، فإن فشل الرئیس الفرنسی بکل ثقله السیاسی والدبلوماسی والاقتصادی فی فتح کوة فی جدار الأزمة اللبنانیة التاریخیة، لن یغیب عن الکرسی البابوی الذی یعرف جیداً توازنات هذا البلد، وهو یطمح إلى الحفاظ على ما تبقى من حضور مسیحی فیه، بعد أن أفضت عقود من الصراع علیه إلى هجرة مسیحیة مخلة بهویته.

ویُتوقع أن یخصص البابا فرانسیس فی زیارته إلى لبنان، حیزاً مهماً من خطابه لمکافحة الفساد، بدافع إعطاء حافز لمعظم المسیحیین المحبطین، کحال بقیة الطوائف، فی إمکانیة حدوث تغییر فی النظام الحاکم. هنا، ثمة عودة إلى الوزن المعنوی لبابا الفاتیکان القادر على إطلاق خطاب یتجاوز ما عهدته الشعوب عند استقبال الضیوف السیاسیین.

فی خلاصة الکلام، قد لا نشهد تغییراً مهماً فی واقع أی من الدول التی یطأها البابا عادة، لکن السلطة الأخلاقیة التی یمثلها قد تکون بارقة أمل للکثیرین، وخصوصاً فی الدول التی تشهد تحولات جذریة فی منظومات الحکم فیها.

ومع وجود البابا فرانسیس على رأس الفاتیکان، فإن هذه السلطة الأخلاقیة تبدو فی ذروتها، لما یمثل رجل الدین الأرجنتینی الأصل، والمعروف بشغفه بکرة القدم والموسیقى الشعبیة والأفلام.