اتفاقیة بغداد - الریاض الشاملة الأهداف.. هل هناک إمکانیة للتطبیق؟
سافر رئیس الوزراء العراقی مصطفى الکاظمی إلى السعودیة لبضعة أیام منذ 31 مارس 2021 للقاء المسؤولین السعودیین. وتم الاتفاق على هذه الزیارة فی 25 مارس 2021 بین الملک سلمان ومصطفى الکاظمی بناءً على دعوة رسمیة من ملک السعودیة خلال لقاء افتراضی جمع بینهما، وتمت الزیارة الحالیة لرئیس وزراء العراق تلبیة لهذه الدعوة الرسمیة. ومع ذلک، فإن السؤال الرئیس الآن هو ما هی الأهداف التی یسعى إلیها حکام الریاض، وکذلک مصطفى الکاظمی من هذه الزیارة؟
الاتفاقیات الأمنیة بین بغداد والریاض. نظرة على النفوذ السیاسی للسعودیین فی العراق
یعد المستوى السیاسی والأمنی من أهم مستویات التشاور والاتفاق بین السعودیة والعراق خلال زیارة مصطفى الکاظمی. وبحسب وکالة الأنباء العراقیة الرسمیة، أعرب کل من مصطفى الکاظمی ومحمد بن سلمان، عن ارتیاحهما للمستوى الحالی للتعاون والتنسیق بین البلدین، "وأکدوا على استمرار التعاون والتنسیق المشترک فی مواجهة خطر التطرف والإرهاب باعتباره تهدیدا للمنطقة والعالم من خلال تبادل الخبرات بین الأجهزة والمراکز الأمنیة ذات الصلة فی البلدین والتصدی فلول تنظیم داعش الارهابی".
لکن السؤال الذی یطرح نفسه الآن، ما هو الهدف من الخطة السعودیة لزیادة التعاون الأمنی مع العراق، وما هی الأهداف الرئیسیة لمحمد بن سلمان فی خطة مکافحة الإرهاب فی هذا الوقت؟ فیما یتعلق بهذا السؤال، یمکن قراءة وتحلیل أهم الدوافع المتعلقة بمناقشة جهود الریاض للنفوذ الأمنی فی العراق لمواجهة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة. ومن وجهة نظر القادة السعودیین، یمکن أن یشکل التعاون الاستراتیجی والعلاقات الطیبة بین طهران وبغداد تهدیدا خطیرا للریاض، والذی سیعزز على المدى الطویل محور المقاومة. ولهذا فی السنوات الأخیرة، بذل المسؤولون السعودیون بقیادة محمد بن سلمان جهودا کبیرة لممارسة نفوذهم فی بغداد وتعزیز نفوذهم فی البلاد من أجل مواجهة إیران، حیث تمثلت معظم هذه الاستراتیجیة فی شکل إثارة للاضطرابات ودعم الاحتجاجات المناهضة للحکومة.
الاتفاقیات الاقتصادیة بین بغداد والریاض
إضافة إلى التعاون الأمنی، وقعت بغداد والریاض خلال زیارة الکاظمی اتفاقیات اقتصادیة مهمة، من أهمها:
1. إنشاء صندوق مشترک بقیمة ثلاثة ملیارات دولار
۲. التعاون فی مجال الطاقة والطاقة المتجددة وتفعیل وتسریع خطة العمل المشترکة تحت مظلة مجلس التنسیق العراقی السعودی مع ضرورة استمرار التعاون والتنسیق فی مجال النفط فی إطار منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبک) واتفاقیة (أوبک +) والتقید التام ببنود هذه الاتفاقیة وآلیة التعویض والالتزام بکافة القرارات المتفق علیها من أجل استقرار أسواق النفط العالمیة.
3. تنفیذ مشروع تزوید العراق بالطاقة الکهربائیة
4. تعزیز تنسیق الدعم المتبادل والتأیید فی إطار الدبلوماسیة متعددة الأطراف
5. تعزیز الفرص الاستثماریة للشرکات السعودیة ودعوتها لتوسیع نطاق أنشطتها فی العراق فی جمیع المجالات بما فی ذلک جهود إعادة الإعمار.
على الرغم من رسم هذه الرؤیة المثالیة للتعاون الاقتصادی والتجاری بین السعودیة والعراق، فإن السؤال الآن هو ما مدى احتمالیة تنفیذ هذه الاتفاقیات؟ وللاجابة على هذا السؤال، تجدر الإشارة اولا إلى أن وعود السعودیة بالتعاون المالی مع بغداد لیست جدیدة، وفی الماضی، وخاصة فی عهد عادل عبد المهدی کرئیس وزراء العراق، کانت هناک وعود قد قُطعت بإعادة بناء البلاد، لکن حتى الآن لم یتم الوفاء بأی من وعود الریاض لمساعدة بغداد.
وفی غضون ذلک، حصل مصطفى الکاظمی على وعد بافتتاح صندوق مشروع مشترک بقیمة 3 ملیارات دولار، فی حال ان السعودیة قدمت وعودا ومقترحات مماثلة لدول أخرى فی السنوات الأخیرة. على سبیل المثال، أمرت الریاض بإنشاء صندوق مشروع مشترک مع باکستان فی عام 2018، ولکن بعد وقت قصیر، أدى عدم تعاون إسلام أباد مع الریاض فی مختلف القضایا السیاسیة إلى إخراج عرض الاستثمار البالغ 10 ملیارات دولار من جدول الأعمال. کما قدمت الریاض وعودا مالیة للأردن ولبنان وحتى بعض الدول الإفریقیة، لکنها لم تفِ بأی منها.
الحقیقة هی أن حکام السعودیة یستخدمون الأدوات الاقتصادیة ودولارات النفط کحافز لدفع سیاساتهم إلى الأمام. کما هو الحال فی العقود القلیلة الماضیة، تعتزم هذه الدولة استخدام القوة المالیة لدخلها الإیجاری الضخم لجذب الدعم الأجنبی وکذلک تعزیز سیاستها الخارجیة، ولکن فی غضون ذلک، فإن أی فاعل یغیر من زاویة التماشی مع السعودیین من حیث تنفیذ مطالبهم السیاسیة سیتم حذف عملیة الدعم المالی والتعاون الاقتصادی بسرعة. وفی حالة العراق، یبدو أن هذا السیناریو سیتکرر فی المستقبل القریب، وبسبب استقلال سیاسة العراق الخارجیة عن السعودیین، سیصبح هذا الصندوق غیر فعال وسیواجه مشاکل فی مرحلة التنفیذ. ومن المهم أیضا ملاحظة أن الأصول والمصادر الرئیسیة للاستثمار السعودی فی العراق غیر واضحة، ما قد یؤدی إلى فشل حتمی لهذه الاتفاقیات الاقتصادیة.
مصطفى الکاظمی ومحاولة إیجاد الدعم وتحقیق الانجازات قبل الانتخابات النیابیة المبکرة
إضافة إلى المسؤولین السعودیین، یسعى مصطفى الکاظمی من خلال زیارته الى الریاض إلى تحقیق أهدافه ودوافعه الخاصة. حیث ان الکاظمی یحاول أن یخطو خطوات کبیرة، على الصعیدین الداخلی والخارجی فی الأشهر الأخیرة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانیة المبکرة فی العراق، والتی ستجرى فی 10 أکتوبر 2021 ای بعد ستة اشهر من الان وجذب الدعم الیه عن طریق هذین المستویین. ومن جهة، یحاول الکاظمی إعادة بناء اقتصاد العراق الذی مزقته الأزمة من خلال جذب الاستثمار الأجنبی، ومن جهة أخرى یحاول الحصول على دعم القوى الأجنبیة لاستمرار ولایته فی رئاسة الوزراء فی الأیام التی تلی العاشر من تشرین الأول (أکتوبر). لذلک، فمن خلال زیارة الکاظمی للسعودیة، یبدو أنه یحاول کسب دعم الریاض السیاسی واستخدام الدولار السعودی لتحسین الاقتصاد العراقی بشکل عاجل من أجل جذب أصوات الرأی العام لمصلحته.