الموقف الأمریکی ینقلب رأساً على عقب للتوافق مع إیران... کیف حدث ذلک؟
قبل حوالی ثلاثة أشهر، عندما حددت إدارة جو بایدن الجدیدة مواقفها ومقارباتها تجاه قضیة البرنامج النووی الإیرانی، أظهرت کل الأدلة أن الإدارة الدیمقراطیة کانت عنیدةً للغایة حیال الاتفاق النووی مع إیران.
الإدارة الدیمقراطیة، التی أعلنت أحد شعاراتها العودة إلى الاتفاق النووی، تتحدث الآن وبعد دخول البیت الأبیض عن شروط صعبة للعودة إلى الاتفاق النووی مع إیران.
حتى فی ذلک الوقت، أفاد موقع "أکسیوس" الأمریکی بأن إدارة بایدن کانت تخطط لتشکیل مجموعة ماهرة وعنیدة لإجراء مفاوضات جدیدة مع إیران، وأن الفریق لا یعتزم العودة إلى الاتفاق النووی بسهولة.
وزعم بایدن لاحقًا فی مقابلة مع تلفزیون سی بی إس: أن "الولایات المتحدة لن ترفع العقوبات لاستئناف المفاوضات"!
بالتزامن مع الموقف المتشدد لإدارة بایدن والإعلان عن شروط جدیدة للعودة إلى الاتفاق النووی، أقر مجلس الشورى الإسلامی الإیرانی قانونًا یطالب بزیادة مستوى ونسبة تخصیب الیورانیوم، وباتت الحکومة ملزمةً بتنفیذه.
وحدَّد هذا القانون موعدًا نهائیًا لرفع العقوبات بحلول منتصف مارس من العام الماضی، وبالنظر إلى عدم إلغاء العقوبات الأمریکیة، فإن زیادة مستوى التخصیب فی إیران أصبحت على جدول الأعمال.
ومنذ ذلک الحین، شهدنا تغیرات فی مواقف الغرب والولایات المتحدة فیما یتعلق بالاتفاق النووی، وحتى فرنسا، التی أکدت حاجة بعض الدول غیر الأعضاء فی مجموعة 5 + 1 للمشارکة فی محادثات الاتفاق النووی، أعلنت عن بدء محادثات بین أعضاء الاتفاق النووی لعودة الولایات المتحدة للاتفاق.
وعلیه، أصدر الاتحاد الأوروبی بیانًا أعلن فیه أن ممثلی الصین وفرنسا وألمانیا وروسیا وبریطانیا وإیران تحدثوا عبر مؤتمر فیدیو، وسیناقش المشارکون فی الاجتماع إمکانیة عودة الولایات المتحدة إلى الاتفاق النووی، والتأکد من تنفیذ الاتفاق بشکل کامل وفعال من قبل جمیع الأعضاء.
وفی الوقت نفسه، نقلت رویترز عن مصادر دبلوماسیة قولها إن إیران تجری محادثات مع بریطانیا وفرنسا وألمانیا. ووفق دبلوماسی تحدث لرویترز، ترکزت المحادثات على خطة إیران المقترحة.
وتشیر هذه المواقف والظروف منذ بدایة أبریل من هذا العام، إلى تغیُّر موقف الجانب الغربی والولایات المتحدة بشأن القضیة النوویة رأساً علی عقب. وفقًا لذلک، یمکن النظر فی عدة قضایا رئیسة حیال تغییر موقف الغرب بشأن العودة إلى الاتفاق النووی:
تعرضت إیران لأشد العقوبات من قبل الغرب والولایات المتحدة على مدار الأربعین عاماً الماضیة بعد الثورة الإسلامیة، ویمکن اعتبار ذروة الضغط الغربی والعقوبات ضد إیران خلال إدارة ترامب تحت عنوان سیاسة الضغط الأقصى على إیران.
وعلى الرغم من الضغوط العدیدة التی فرضتها العقوبات على إیران حتى الآن، إلا أن هذه العقوبات لم تکن قادرةً على تغییر المواقف الثوریة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، واتخذت طهران دوماً سیاسةً حازمةً وواضحةً ضد السلوک العدائی للولایات المتحدة والغرب.
فی الواقع، حتى تحت ضغط ترامب الأقصى، کانت العقوبات غیر فعالة فی تغییر سلوک إیران، وحتى المسؤولون الغربیون والأمریکیون فی إدارة بایدن أقروا مرارًا وتکرارًا بأن العقوبات لا تؤثر على سلوک إیران.
من ناحیة أخرى، إن اتفاقیات إیران الدولیة الجدیدة مع دول أخرى، وخاصةً الصین وروسیا، قادت الدول الغربیة والولایات المتحدة إلى استنتاج مفاده بأن التحالف غیر الغربی ووجود إیران النشط فی السوق الاقتصادیة والتجاریة لآسیا الوسطى، یعنی عملیًا أن العقوبات لا تؤثر فی الاقتصاد الإیرانی، وإذا لا یتفاوض قادة واشنطن مع مسؤولی طهران الآن بذریعة رفع العقوبات، فإنهم سیفوِّتون الفرصة فی المستقبل.
ولهذا السبب، یحاول الغرب الدخول فی مفاوضات مع إیران والاستفادة من الفرصة المحدودة الحالیة، قبل أن یظهر المزید من عدم فعالیة العقوبات ضد طهران.
یدرک الرأی العام العالمی الآن أنه خلال الاتفاق النووی، کانت الولایات المتحدة والغرب هی التی لم تلتزم بتعهداتها فی اتفاقیة دولیة متعددة الأطراف، وهکذا ستواصل إیران برنامجها النووی بشرعیة أکبر.
وبالتالی، نظراً لعدم مسایرة الرأی العام العالمی للولایات المتحدة فی الانسحاب من الاتفاق النووی مع إیران، یحاول المسؤولون فی إدارة بایدن الآن التوصل إلى نفس الاتفاق النووی السابق مع إیران، ومنع إیران من زیادة التخصیب السلمی.
فی الوقت نفسه، أثبتت سلسلة التطورات التی حدثت فی الأشهر الأخیرة، وحتى العام الماضی فی الهجوم الإرهابی الأمریکی واستشهاد اللواء سلیمانی وما تلاه من استشهاد العالم النووی الإیرانی، إلى أی مدى تحاول الولایات المتحدة والدول الغربیة عرقلة إیران ومعاداتها.
إن مجمل هذه التطورات عزَّز التماسک الداخلی فی إیران ضد مؤامرات الغرب، ودفع الرأی العام الداخلی فی إیران فی انسجام ووحدة نموذجیین للمطالبة بمقاومة أطماع الدول الغربیة المعادیة.
ومن ثم، رغم الضغوط والجهود السابقة لمواجهة إیران، أعلنت الولایات المتحدة الآن، فی تحول کبیر، عن استعدادها للتفاوض فی إطار الاتفاق النووی، والعودة إلى الاتفاق؛ لأن واشنطن تدرک أن هناک تماسکًا منسقًا فی إیران لا یمکن تجاهله بسهولة.