شمس العلاقات الاقتصادیة الأردنیة السوریة تتحدى إعصار قیصر
یقوم رئیس غرفة تجارة الأردن، نائل الکباریتی، بزیارة رسمیة إلى سوریا على رأس وفد أردنی رفیع المستوى وذلک بهدف بحث تطویر العلاقات الاقتصادیة بین الأردن وسوریا.
وقال الکباریتی: إن زیارة هذا الوفد الأردنی لدمشق تأتی فی إطار التواصل بین القطاع الخاص الأردنی والسوری. وأضاف الکباریتی إنه سیجتمع مع وزیر الاقتصاد السوری لبحث العلاقات الاقتصادیة بین البلدین وطرق تفعیلها.
هذه الزیارة لیست الأولى للوفد الأردنی حیث سبق أن زار سوریا فی فبرایر من عام 2020 والتقى حینها وزیر التجارة الداخلیة وحمایة المستهلک السوری، طلال البرازی، وذلک للهدف نفسه ألا وهو تفعیل وتطویر علاقات التعاون الاقتصادی والتبادل التجاری بین الأردن وسوریا.
الاجتماع السابق بین غرفة تجارة الأردن واتحاد غرف التجارة السوریة خلص إلى أن القیود الإداریة والإجراءات المفروضة على تبادل السلع والرسوم المالیة على حرکة الترانزیت، تعتبران أهم قضیتین تواجهان المبادلات التجاریة بین الأردن وسوریا.
وأوصى الاجتماع الأخیر باستثناء البضائع التی یحتاجها السوقان فی البلدین من قیود المنع، وتنفیذ ذلک داخل منطقة التجارة الحرة السوریة الأردنیة الموجودة داخل الأراضی السوریة.
الأردن تثأر من سوریا فی التبادل التجاری
اعتبرت صحفیة أردنیة، فی مقال لها مؤخراً أن العلاقات الاقتصادیة بین سوریا والأردن کانت ثأریة فیما یخص التبادل التجاری بین البلدین عبر معبر نصیب – جابر.
وأضافت إن العلاقات التجاریة بین سوریا والأردن تمرّ بأسوأ أحوالها بعد جمود أصاب حرکة معبر نصیب- جابر الحدودی البری الذی یربط البلدین. على الرغم من حاجة البلدین إلى بعضهما البعض فی التبادل التجاری. هذا التوتر ازداد سوءاً بعد سلسلة من القرارات کان آخرها قرار أردنی بحظر استیراد المنتجات السوریة، رداً على قرار أصدرته دمشق انطلاقاً من مبدأ المعاملة بالمثل، أدى إلى توقف حرکة حافلات نقل البضائع.
وکانت الحکومة الأرنیة قررت إیقاف الاستیراد من سوریا على مبدأ المعاملة بالمثل، بعد فشل محاولة الأردن فی اقناع الحکومة السوریة باستیراد الصناعات الأردنیة.
إلا أن الجانب السوری کان متحفظاً فی الرد على هذا القرار، ومن دون إبداء أی تعلیق رسمی حول القرار الأردنی الأخیر. وکان الإجراء الوحید من الجانب السوری هو زیادة الإجراءات التفتیشیة للشاحنات الاردنیة إذ تمکث هذه الحافلات أیاماً حتى تتمکن من دخول الأراضی السوریة، الأمر الذی ردته المصادر السوریة إلى إجراءات احترازیة.
ضغوط خارجیة والأردن ینفی
وزیر الصناعة والتجارة والتموین الأردنی طارق الحموری نفى أن یکون قرار الحکومة الأردنیة بمنع استیراد السلع السوریة ناتجاً عن ضغوطات خارجیة. وبرر الوزیر الأردنی هذا القرار بأنه جاء بسبب عدم استجابة الجانب السوری لتسهیل دخول المنتجات الأردنیة إلى أسواقها.
وأکد الحموری استعداد الأردن إعادة النظر بالقرار وإعادة تسهیل دخول المنتجات السوریة إلى السوق الأردنیة إذا قام الجانب السوری بتسهیل دخول المنتجات الأردنیة إلى أسواقها.
قانون قیصر و الأردن بین نارین
مع دخول قانون "قیصر" الأمریکی للعقوبات علی سوریا حیز التنفیذ ، أصبحت العلاقات الأردنیة ـ السوریة أمام فجوة جدیدة رغم خطوات کثیرة لتحسین مستواها لم تؤت ثمارها، وسط تشکیک الحکومة السوریة بمواقف الجانب الأردنی تجاه أزمة دخلت عامها العاشر.
هذا القانون یتضمن سلسلة عقوبات اقتصادیة ضد سوریا وحلفائها والشرکات والأفراد المرتبطین بها، ویستهدف معاقبة سوریا وحرمانها من مصادر التمویل، بهدف الضغط علیها للرضوخ الى الشروط الأمریکیة فی مفاوضات تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الدائرة بسوریا.
واشنطن تحذر عمّان من التعامل مع دمشق
قانون العقوبات الآمریکی لن یؤثر على سوریا فقط بل سیمتد لهیبه لیطال الأردن، الذی کان یرتبط بعلاقات تجاریة کبیرة مع سوریا قبل الحرب، ثم رجعت بشکل "محدود" بعد إعادة فتح المعبر الحدودی بین البلدین ("جابر" على الجانب الأردنی و "نصیب" على الجانب السوری) فی تشرین الأول 2018.
وکانت واشنطن وعبر ملحقها التجاری بعمان، حذرت الأردن من التعامل تجاریاً مع سوریا، وتحمل تبعات ذلک، وبینها تطبیق قانون "قیصر".
ولکن أعضاء فی مجلس النواب الأردنی (الغرفة الأولى للبرلمان) استنکروا حینها، عبر مذکرة وقعوا علیها، حدیث الملحق التجاری الأمریکی، معتبرین إیاه تدخلاً سافراً وتعدیاً على السیادة الأردنیة.
یذکر أن الأردن یرتبط مع سوریا بحدود بریة طولها 375 کلم، ما جعل المملکة من بین الدول الأکثر استقبالاً للسوریین، بعدد بلغ 1.3 ملیون، نصفهم یحملون صفة "لاجئ".
وکانت عمان قد أعلنت أواخر کانون الثانی 2019، عن رفع مستوى تمثیلها الدبلوماسی فی دمشق إلى درجة قائم بالأعمال بالإنابة، بعد أن کان یقتصر على موظفین إداریین فقط.
واختار الأردن، منذ بدایة الأزمة فی سوریا عام 2011، الحیاد فی مواقفه "المعلنة" إزاء ما یجری، مطالباً فی المحافل الدولیة بحل سیاسی یضمن أمن واستقرار جارته.
وسیلة ضغط على الأردن لأهداف أخرى
یبدو أن الولایات المتحدة تسعى للضغط بکل أدواتها على دول المنطقة، ومن بینها الأردن، لتصفیة القضیة الفلسطینیة وإتمام مخططاتها بالمنطقة، خدمة للعدو الصهیونی".
ولکن لأردن یدرس قراراته من جمیع النواحی، لمحاولة تخفیف الضغط الناجم عن تطبیق تلک القوانین وأثرها المباشر علیه، عبر اتصالات مستمرة مع المسؤولین الأمریکیین، الذین یدرکون أن المملکة من أکثر الدول تأثراً بالأزمة فی سوریا، وخاصة مع وجود 1.3 سوری على أراضیها"
ولکن الولایات المتحدة ترید من هذا القانون إحکام القبضة الاقتصادیة وإضعاف دول المنطقة، وقطع الطریق أمام أی توافق عربی وإسلامی مشترک.
ما حجم التبادل التجاری بین عمان ودمشق؟
دائماٌ ما کانت أمریکا تهدد الأردن بأمور کثیرة، لکن یجب الأخذ بالحسبان أن العلاقة الأردنیة ـ السوریة لم تعد إلى سابق عهدها قبل الحرب، رغم إعادة فتح الحدود. حیث إن التجارة (بین البلدین) حالیاً لم تعد حتى إلى 30% مما کانت علیه سابقاً. ویعانی الأردن أساساً من ظروف اقتصادیة صعبة، فاقمتها تداعیات جائحة کورونا، التی دفعته إلى اتخاذ إجراءات احترازیة لمکافحة الوباء، أبرزها إغلاق الحدود، ما أثر سلباً على النشاط الاقتصادی فی المملکة.
یبدو ان العقوبات التی تهدد بها أمریکا، هی وسیلة ضغط على الأردن لتحقیق مآرب أخرى، وخاصة فی ملفات إقلیمیة معروفة، فی مقدمتها القضیة الفلسطینیة بکل أبعادها. ولکن على الجانبین الأردنی والسوری أن یعلموا جیداً أن العلاقات بین الطرفین تصب فی مصلحة الطرفین والشعبین الجارین ولا یجب أن یرضخوا للضغوط التی تمارسها واشنطن لضرب هذه العلاقات التی تمتد بجذور تاریخیة قدیمة.