روسیا لحزب الله: نریدکم ان تبقوا فی سوریا

على مدى السنوات الماضیة، نُشر فی الإعلام المعادی للنظام السوری وحلفائه (فرادى ومجتمعین) الکثیر من التقاریر و«المعلومات» التی تتحدّث عن أعمال وإجراءات بدأت روسیا بتنفیذها، لإخراج حزب الله، وإیران، من سوریا، أو على الأقل، الحد من وجودهما.

تلک التقاریر مبنیة على تقدیر أن روسیا لا ترید شریکاً لها فی النفوذ فی الشام، وخاصة النفوذ الإیرانی. فی المیدان، کان العکس هو ما یحکم العلاقة بین الطرفین. تعاون على أکثر من صعید، وتقاسم للأدوار أحیاناً. وعندما لا یُتفق على أمر ما، کانت القضیة تُحل بتنظیم الاختلاف.

الزیارة التی قام بها وفد من حزب الله، برئاسة النائب محمد رعد (عضو شورى القرار فی الحزب ورئیس کتلته النیابیة)، إلى موسکو، منتصف الشهر الماضی، کانت مناسبة أوضحت فیها القیادة الروسیة موقفها من وجود الحزب فی سوریا.

فی موسکو، تقدیر عالٍ لأداء حزب الله العسکری: حرفیة مقاتلیه، وانضباطهم، وقدرتهم الفائقة على تحقیق أهدافهم فی المعارک. وفی الوقت عینه، تبدی موسکو إعجابها بـ«براغماتیة» حزب الله. فی الشأن الأخیر، تبدو معنیة بکل ما یسهم فی حمایة الدولة السوریة: التسویات الداخلیة مع مجموعات مسلحة فی کثیر من المناطق، خصوصاً فی الجنوب، والتفاهمات الکبرى مع ترکیا. وفی الحالتین، کان الحزب ملتزماً بکل ما یمکن القیام به لإنجاح هذه التسویات والتفاهمات.
وفی موسکو، یرى العسکر والسیاسیون أن وجود حزب الله فی سوریا ضروری أکثر من أی وقت مضى. فأی فراغ یترکه الحزب وإیران فی أی محافظة سوریة، سیملأه الامیرکیون، لا الروس ولا السوریون. کما أن بعض مجموعات التسویات، ومنها تلک التی تستقوی بالتفاهم مع الروس، لا ترى رادعاً یحول دون تمددها سوى الحزب والإیرانیین.
من هذا المنطلق، حرص المسؤولون الروس على إیصال الرسالة واضحة لقیادة حزب الله: وجودکم فی سوریا ضروری، فی السیاسة، کما فی العسکر. ونعوّل على التعاون معکم مستقبلاً فی المجالین.
لا ینظر الروس إلى حزب الله بصفته تنظیماً لبنانیاً، بل هو جهة لها حضورها فی کثیر من دول الإقلیم. فی اللقاءات مع المسؤولین الروس، وتحدیداً وزیر الخارجیة سیرغی لافروف ونائبه میخائیل بوغدانوف ومسؤولین فی مجلس النواب، جرى التطرق إلى الأوضاع فی الیمن والعراق وسوریا وفلسطین وغیرها. وشدّد الطرفان على ضرورة تعزیز سبل التواصل بینهما، واعتماد قنوات اتصال مباشرة بین الحزب وموسکو، مع درس احتمال إقامة مکتب تمثیل للحزب فی العاصمة الروسیة.

الزیارة التی تمّت بناءً على دعوة روسیة، بدت فی جانب منها رسالة من موسکو إلى واشنطن مفادها أن «المحاولات القائمة للإیقاع بیننا وبین إیران أو حزب الله لن تنفع. ونحن لن نکتفی بالتنسیق مع إیران، بل نرید أن ننسّق مباشرة مع حزب الله». وسبق للروس أن أبلغوا جمیع الدول الغربیة والعربیة والإقلیمیة والقوى التی یتواصلون معها بشأن لبنان، أن «حزب الله قوة رئیسیة، ویمثل حالة حقیقیة وکبیرة، وینبغی التعامل معه على هذا الأساس، ولا یمکن إنجاز أی تسویة من دون التشاور معه والاتفاق معه».
رسالة أخرى أرادت موسکو إیصالها إلى تل أبیب. صحیح أن روسیا تسعى إلى «التفاهم مع الجمیع» بشأن سوریا، وثمة تفاهم بینها وبین "إسرائیل"، لکن هذا التفاهم لا یعنی «أننا نساعد إسرائیل فی ضرباتها. على العکس من ذلک، نحن ندین هذه الضربات، خصوصاً تلک التی تأتی من الأجواء اللبنانیة. وما زلنا ملتزمین بمنع الطائرات الإسرائیلیة من اختراق الأجواء السوریة». من جهة، تؤکد موسکو، بناءً على معلوماتها الاستخباریة، أن الضربات الإسرائیلیة على قوافل الأسلحة التی تُنقل إلى لبنان لم تحقق أهدافها، ولم تمنع حزب الله من إنجاز ما یرید إنجازه. ومن جهة أخرى، لا تمانع قیام معادلة ردع تؤدی إلى منع «إسرائیل» من الاعتداء على الأراضی السوریة. وفی الأشهر المقبلة، ثمة ثلاثیة تسعى موسکو إلى تأمین عوامل نجاحها فی دمشق: العملیة السیاسیة ربطاً بمحطة الانتخابات الرئاسیة، وإعادة الإعمار، وعودة النازحین.
فی لبنان، یُصرّ الروس على عدم التدخّل بالصورة التی تقوم بها دول أخرى. لا یتدخلون فی تألیف الحکومة، ولا یشارکون فی عملیة التألیف، ولا یطالبون بحصص. صحیح أنهم مهتمون بإعادة إعمار المرفأ، على سبیل المثال، تماماً کاهتمامهم بمشاریع الطاقة، سواء تلک التی یشارکون فیها (التنقیب عن النفط والغاز فی البحر، وخزانات الوقود فی البداوی)، أو تلک التی یطمحون إلى المشارکة فیها مستقبلاً، کإعادة بناء مصفاة التکریر فی طرابلس وتشغیلها. وهنا، یبدو لافتاً الاهتمام الروسی بالغاز فی البحر، إذ إن التقدیرات فی بعض الأوساط المختصة فی موسکو تتحدّث عن کمیات هائلة من الغاز فی البحرین السوری واللبنانی. وفی حال صحّت تلک التقدیرات، فمن غیر المستبعد أن تنفّذ روسیا مشروعاً لإقامة أنابیب للغاز فی شرق المتوسط، ینافس مشروع «منتدى غاز شرق المتوسط» (تشارک فیه مصر و«إسرائیل» وقبرص والیونان والأردن وفرنسا وإیطالیا)، لنقل الغاز إلى أوروبا عبر ترکیا.
یمنیاً، تبدو موسکو مهتمة بإیجاد تسویة تحفظ ماء وجه السعودیة. فی نظر حزب الله، مفتاح الحل هو وقف العدوان ورفع الحصار فی آن واحد، و«أنصار الله» حریصون على عدم معاداة أحد، إلا متى بادر إلى قتالهم.




محتوى ذات صلة

سلامي: أميركا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

سلامي: أميركا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

القائد العام لحرس الثورة الاسلامية اللواء حسين سلامي يقول إن "الانفجار الكبير في مصنع محركات المضادات الدفاعية والصواريخ حاملة الأقمار الصناعية مؤخرا في "إسرائيل"، أثبت هشاشة النظام الأمني الإسرائيلي".

|

ارسال التعلیق