مجلة أمریکیة: ابن سلمان یمارس قمع معارضیه بوحشیة غیر مسبوقة
فی تقریر لجاکوب سیلفرمان نشرته مجلة TheNewRepublic فإن السعودیة وعلى عکس الصورة المعلنة لها کدولة ذات عقلیة إصلاحیة تنفتح تدریجیا على العالم, فإن حالة حقوق الإنسان فیها تزداد سوءاً, وفقا لناشطین وأفراد أسر معارضین سجناء.
من بین هؤلاء یقول التقریر هی "أریج السدحان", التی اختطفت قوات الأمن السعودیة شقیقها "عبدالرحمن" (37 عاما) عام 2018 بتهمة إدارة حساب ساخر على "تویتر", إذ تقول "أریج" أن السعودیة تمارس قمعا أکثر من أی وقت مضى فقوات الأمن تلاحق بلا رحمة أی شخص یمارس حریته فی التعبیر.
وفی وقت سابق من هذا الأسبوع, عاقبت محکمة سعودیة مختصة فی قضایا الإرهاب "عبدالرحمن", الذی ینشط فی مجال الإغاثة, بالسجن 20 عاما, مع حظر سفر لمدة 20 عاما عقب قضاء محکومیته, وبتهمة إدارة حساب على "تویتر" باسم مستعار یسخر من أعضاء الحکومة السعودیة, انتهک "عبدالرحمن" الحظر الصارم الذی تفرضه الدولة على الخطاب السیاسی الذی یسمح للسلطات باعتقال (وأحیانا تعذیب وإعدام) أی شخص یظهر معارضة علنیة.
وفیما لا یزال أمام "عبدالرحمن" 30 یوما لاستئناف الحکم الصادر بحقه, فمن المحتمل أن تصبح عقوبته أمرا واقعا فی ظل غیاب التضامن من الحکومات الغربیة مع قضیته.
أجرت عائلة "عبدالرحمن" مکالمتین قصیرتین معه منذ اعتقاله عام 2018, وهی تخشى على مستقبله.
"عبدالرحمن" بات عبرة
ورغم أنه لیس أشهر سجین سیاسی فی المملکة, لکن "عبدالرحمن" بات عبرة لأی شخص یفکر فی تحدى الزعیم الفعلی للسعودیة, ولی العهد الأمیر "محمد بن سلمان".
فالأمیر, غیر المتسامح تماما مع المعارضة, قام بمضایقة المنتقدین وخطفهم, بل قتل بعضهم فی جمیع أنحاء العالم وربما یکون القتل البشع الذی تعرض له الکاتب فی صحیفة "واشنطن بوست", "جمال خاشقجی", أوضح مثال معروف على میول "ابن سلمان" الوحشیة, لکن "خاشقجی" کان مجرد ضحیة لحملة قمع أکبر شهدت اعتقال آلاف الأشخاص, بما فی ذلک بعض الأفراد من العائلة الحاکمة فی السعودیة؛ الذین تم إرسالهم إلى السجون والمعتقلات السریة, حیث یُعد التعذیب أمرا روتینیا.
تقول "أریج": "تتواصل انتهاکات حقوق الإنسان فی المملکة على نطاق واسع, ولا ینبغی أن ینخدع الناس بالإفراج الأخیر عن (الناشطة فی مجال حقوق المرأة) لجین الهذلول".
"تویتر" ساحة قمع سعودیة
وجزئیا, کانت منصة "تویتر" ساحة لحملة القمع السعودیة بحق المعارضین؛ حیث یستخدم هذا المنصة ما یقرب من 10 ملایین شخص فی السعودیة, ما یجعل المملکة أکبر سوق لها فی الشرق الأوسط.
فقد قدمت وسائل التواصل الاجتماعی للعدید من مواطنی الدول ذات الأنظمة الاستبدادیة متنفسا لم یکن متاحا من قبل لمناقشة القضایا المجتمعیة بحریة.
یقول "علی الأحمد", المحلل السعودی المقیم فی واشنطن, والذی یقاضی "تویتر" لفشله فی حمایة حسابه من الجواسیس السعودیین: "فی السعودیة, حیث لا توجد وسائل إعلام مستقلة, بدت وسائل التواصل الاجتماعی فی البدایة عامل توازن کبیر, لکن هذا لم یدم طویلا".
فبعد شهر عسل قصیر من النقاش غیر المقید, ظهر المتصیدون المؤیدون للنظام, والمراقبة على موقع "تویتر".
الآن, لم یعد موقع "تویتر", الذی یحظى مثل الناس العادیین بشعبیة لدى أفراد الأسرة الحاکمة السعودیة, مکانا یشعر فیه السعودیون العادیون بالراحة فی التحدث بحریة.
یمکن قول الشیء نفسه عن السعودیین المعارضین والمقیمین فی المنفی, الذین یتحدثون عن تعرضهم لمضایقات مستمرة وتهدیدات بالقتل ومحاولات اختراق حساباتهم ومن وجهة نظرهم, یتحمل "تویتر" بعض المسؤولیة عن إساءة استخدام خدمته.
تقول "أریج": لم تتخذ شرکة تویتر أی خطوة حقیقیة للمحافظة على هؤلاء النشطاء وحمایتهم ومنذ ذلک الحین, أصبح موقع "تویتر" فی السعودیة ساحة للحکومة لممارسة الدعایة, وتتبع أفکار المعارضین, وتحدید ضحایا فریق الملاحقة التابع شخصیا لـ"ابن سلمان".
یقول "الأحمد" إنه بعد تبادل بعض الرسائل المباشرة مع "سعود القحطانی", مستشار "محمد بن سلمان", أرسل شخص ادعى أنه "القحطانی" إلیه بریدا إلکترونیا للتصید الاحتیالی, فی محاولة لسرقة معلومات تسجیل الدخول الخاصة به. (أرسل "الأحمد" رسالة إلى "القحطانی", الذی تم منعه لاحقا من استخدام "تویتر" بعد ربطه بجریمة قتل خاشقجی, لکنه لم یتلق أی رد).
إن قصة الحملة القمعیة المتجددة التی یمارسها "ابن سلمان" بحق المعارضة على "تویتر", لا یمکن اختصارها ببساطة فی التفتیش عن التصریحات المناهضة للنظام على منصة التواصل الاجتماعی الأشهر عالمیا؛ حیث إن"تویتر" یلعب دورا رئیسیا فی التحول الوحشی الذی حدث منذ صعود "ابن سلمان" إلى السلطة.
"بدر العساکر" و"أحمد أبوعمو"
ففی یونیو/حزیران 2014, قام مسؤول سعودی یُدعى "بدر العساکر" - الأمین العام لمؤسسة "مسک" الخیریة, المملوکة لـ"بن سلمان", ورئیس المکتب الخاص لولی العهد- بجولة فی مقر "تویتر" بمدینة سان فرانسیسکو الأمریکیة.
نظم هذه الجولة بشکل مشترک رجل یدعى "أحمد المطیری", والذی کان یدیر شرکة تسویق عبر وسائل التواصل الاجتماعی تعاقدت مع أفراد من العائلة المالکة السعودیة ومؤسسة "مسک", وموظف فی "تویتر" یدعى "أحمد أبوعمو".
ولاحقا, تم تجنید "أبو عمو", الذی عمل على شراکات إعلامیة فی الشرق الأوسط, للتجسس مباشرة لصالح "العساکر".
إذ حصل "أبوعمو", خلال عدة أشهر, على أکثر من 100 ألف دولار نقدا, وهدایا أثناء جمعه للمعلومات عن المعارضین والصحفیین السعودیین وحسابات أخرى مهمة, بما فی ذلک عناوین البرید الإلکترونی, وأرقام الهواتف, والرسائل الخاصة.
"علی الزبارة"
فی عام 2015 , حصل "أبوعمو" على وظیفة جدیدة فی مؤسسة "أمازون", لکن النظام السعودی وجد بدیلا جیدا فی "علی الزبارة", وهو مهندس فی "تویتر", أتاح له منصبه ومهاراته التقنیة الوصول بشکل أکبر إلى بیانات المستخدمین أکثر من "أبوعمو".
بعد فترة وجیزة, أصبح "الزبارة" جاسوسا أکثر إنتاجیة بالنسبة لـ"العساکر" والنظام السعودی؛ حیث یُزعم أنه کان یتعقب المعارضین السعودیین فی الخارج, ویقدم عنوان بروتوکول الإنترنت الخاصة بهم, والتی یمکن أن تکشف عن مواقعهم.
فی دیسمبر/کانون الأول 2015, زار أحد عملاء مکتب التحقیقات الفیدرالی "إف بی آی" المقر الرئیسی لشرکة "تویتر" فی سان فرانسیسکو لیخبرهم أن لدیهم مشکلة تجسس سعودی.
وبینما رحل "أبوعمو", کان "الزبارة" آنذاک لا یزال یسحب البیانات من آلاف الحسابات ویمررها إلى السعودیین.
طلب "إف بی آی" من "تویتر" الامتناع عن اتخاذ إجراءات فوریة, لکن, حسبما ورد, قرر "تویتر" الذی یشتبه فی نوایا وکالات الأمن الحکومیة, والتی یُعرف عنها الضغط على شرکات التکنولوجیا للحصول على معلومات المستخدمین الخاصة, مواجهة "الزبارة" وتوقیفه عن العمل.
ووفقا للائحة الاتهام الفیدرالیة ضد "الزبارة", الذی تحول من مهندس إلى جاسوس, تم نقل الرجل إلى السعودیة بمساعدة "العساکر" والقنصل العام السعودی فی لوس أنجلوس.
بعد عودته للمملکة, تم تعیین "الزبارة" فی منصب الرئیس التنفیذی لمؤسسة "مسک".
ولا یزال "الزبارة" على على قائمة المطلوبین لمکتب التحقیقات الفیدرالی.
شراء حصص فی أسهم "تویتر"
على مر السنین, اشترى المستثمرون السعودیون, وعلى رأسهم الأمیر "الولید بن طلال", أشهر رجال الأعمال فی المملکة, أسهما فی شرکات التکنولوجیا الأمریکیة العملاقة مثل "تویتر".
بحلول عام 2015, امتلک الأمیر ما یقدر بنحو 5.2% من أسهم "تویتر", وهی حصة تزید على ما یملکه مؤسس المنصة "جاک دورسی".
فی نوفمبر/تشرین الثانی 2017, تم القبض على "بن طلال" وحبسه فی فندق "ریتز کارلتون" بالریاض کجزء من حملة تطهیر واسعة النطاق "لمکافحة الفساد" أجبرت العدید من الأثریاء السعودیین وأفراد العائلة المالکة على التوقیع لـ"بن سلمان" عن تنازل على ممتلکاتهم. قد یکون هذا شمل حصص "بن طلال" فی أسهم "توتیر".
ووفقا لشکوى مدنیة قدمها المعارض السعودی المقیم فی کندا "عمر عبدالعزیز" ضد "تویتر" وشرکة الاستشارات الأمریکیة "ماکینزی", "منذ أواخر عام 2017 أو أوائل 2018, سیطر بن سلمان على حصة فی أسهم تویتر تزید على ما یملکه مؤسس المنصة".
وجاءت هذه الشکوى على خلفیة إعداد "ماکینزی" تقریرا عرفت فیه "عبدالعزیز" بأنه واحد من أبرز 3 نشطاء یحتجون على انتهاکات حقوق الإنسان فی السعودیة.
ویقول "عبدالعزیز" إن "ماکینزی" ساعدت فی إبرازه کمعارض للنظام السعودی؛ ما أدى إلى اختراق حسابه على "تویتر". (فی العام الماضی, حذرت السلطات الکندیة عبدالعزیز من أنه قد یکون هدفا لفریق قتل سعودی).
وتضیف دعوى "عبدالعزیز": "نظرا للثروة الهائلة التی تملکها الشخصیات الرئیسیة فی السعودیة, مکنت شرکات التکنولوجیا الکبرى وتعاونت وغضت الطرف عن جهود المملکة فی قمع وتعذیب وسجن وترهیب وقتل المعارضین داخل المملکة وحول العالم".
"تویتر" تحول إلى أداة قمع
عبّر معارضون سعودیون آخرون فی الخارج عن أفکار مماثلة, قائلین إن "تویتر" یمنح الحکومة السعودیة إمکانیة وصول کبیرة للبیانات, وأنه یتحمل مسؤولیة بذل مزید من الجهود لحمایة مستخدمیه من المضایقات والقرصنة.
تقول "أریج": "بدلا من استخدام هذه الأدوات (منصات التواصل الاجتماعی) لتمکین حریة التعبیر, یتم استخدامها من قبل الطغاة لقمع حریة التعبیر وتتبع معلوماتهم الشخصیة واستهدافهم شخصیا".
کان "علی الأحمد" هدفا للعدید من محاولات القرصنة والتصید الاحتیالی, والتی اکتشف بعضها قبل أن تنجح فی ذلک.
لکن کما صرح فی دعواه القضائیة ضد "تویتر", فإنه یعتقد أن الشرکة فشلت فی حمایته, والأهم من ذلک فشلت فی حمایة المعارضین والشخصیات الحساسة الأخرى التی تواصل معها عبر "تویتر" وکان من بین هؤلاء "عبدالرحمن السدحان".
یقول "الأحمد": "لقد جعلنی ذلک أقرر أن أفعل شیئا حیال ذلک, على الأقل بالنسبة للأصدقاء الذین فُقدوا", ویضیف أنه یأمل فی أن "تسهم دعواه القضائیة فی الکشف عن الحقیقة".
مرت أکثر من 5 سنوات منذ أن أخبر مکتب التحقیقات الفیدرالی موقع "تویتر" بأن لدیه مشکلة تجسس سعودی, ووعدت الشرکة منذ ذلک الحین بتشدید الإجراءات وضوابط الدخول.
لکن بالنسبة للعدید من المعارضین, فقد فات الأوان. وبعبارة أخرى, أساءت حکومة استبدادیة قاتلة استغلال علاقتها الوثیقة بـ"تویتر" لتجنید جواسیس قدموا معلومات أدت بعد ذلک إلى إلقاء أبریاء فی السجن.
وتظل الحکومة السعودیة واحدة من أکبر المساهمین الخارجیین فی "تویتر", وتواصل مضایقة مواطنیها ومراقبتهم عبر هذه المنصة.