أوّل انتخابات فلسطينية منذ 15 عامًا: أربعة سيناريوهات
عد 15 عامًا على انتخابات العام 2006، يبرز ملف الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي حُدِّد موعدها في 22 أيار المقبل، و31 تموز المقبل للانتخابات الرئاسية، على أن تُعتبر نتائج انتخابات المجلس التشريعي المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، وعلى أن يتم استكمال انتخابات المجلس الوطني في 31 آب 2021. وتجري هذه الانتخابات وسط انقسام الشارع الفلسطيني في نظرته لها بين المؤيد، ومن يرى فيها مدخلًا لإنهاء حالة الانقسام وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، للدفاع عن القضية الفلسطينية واستعادة مكانة فلسطين عربيًا ودوليًا وإقليميًا، وبين من يرى في هذه الانتخابات تكريسًا للانقسام ومرحلة جديدة لمزيد من الارتباك السياسي الذي تعيشه الحالة الفلسطينية:
1- يرى المراقبون أن حركتي "فتح" و"حماس" هندستا الانتخابات واتفقتا على أن يستند النظام الانتخابي الى نظام التمثيل النسبي فقط، على عكس نموذج الدوائر- النسب المختلط لعام 2006، مما سيمنع أي فصيل فلسطيني من الفوز بأغلبية المقاعد في المجلس التشريعي وتشكيل الحكومة المقبلة بشكل منفرد. الاتفاق الجديد سهله مجيء إدارة أميركية جديدة بقيادة الرئيس جو بايدن، والتزامه بإعادة العلاقات مع السلطة الفلسطينية. في حين يتعرض الفلسطينيون لضغوط شديدة، فقد قامت العديد من الدول العربية بالفعل بتطبيع علاقاتها مع كيان العدو، والعديد من الدول الأخرى في طريقها للقيام بذلك. من المفترض أن تؤدي الانتخابات الناجحة إلى إعادة توحيد الفلسطينيين مرة أخرى تحت حكومة واحدة، الأمرالذي سيحول دون توجيه العدو أصابع الاتهام إلى الفلسطينيين كشريك غير موثوق به.
ولقد أرسلت السلطة الفلسطينية أخيرًا خطابًا إلى واشنطن تؤكد فيه أن كل الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركة "حماس"، تلتزم بحل الدولتين، وبالمقاومة السلمية، وهو إعلان لم تعترض عليه "حماس". وبالتالي، الطرفان (السلطة وحماس) بحاجة ماسة الآن إلى تجديد الشرعيات وتغيير الصورة، ومقابل ذلك اتفقتا سلفًا على أنه مهما كانت النتائج في الانتخابات، فإنهما ستذهبان إلى حكومة وحدة وطنية، وهو اتفاق لم يعجب كثيرين فسروا الأمر على أنه مجرد صفقة.
تغيّر الادارة الاميركية هو السبب وراء الإعلان عن الانتخابات، وأيضًا استحقاق لتجديد الشرعيات الفلسطينية.
2 - في قراءة للمشهد الانتخابي الفلسطيني، يمكن رسم الصورة التالية:
- العدد الكبير في القوائم الانتخابية التي تقدمت للمشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، يعكس الرغبة الكبيرة لدى الشعب الفلسطيني في إحداث تغيير في المشهد الفلسطيني السياسي القائم منذ أعوام طويلة، تكون له تأثيرات إيجابية على القضية الفلسطينية، ويعبّر أيضًا عن رفض كبير لسياسة السلطة الفلسطينية، حيث ينافس الشباب الفلسطيني على دوره الذي غُيِّب عنه بشكل كبير في النظام السياسي الفلسطيني، والذي تتفرد به شخصيات شاخت وهرمت ولا تزال تتوارث المسؤوليات وتترأس الهيئات.
- الأزمة السياسية التي تعيشها حركة "فتح" توسعت رقعتها مع الانتخابات التشريعية، لتصل إلى فصل قيادات من الحركة وتشكيل قوائم انتخابية جديدة من القيادات الفتحاوية المفصولة. وتخوض فتح الانتخابات بثلاث قوائم:
الأولى تابعة لـ"اللجنة المركزية" وتدعم الرئيس محمود عباس وحملت اسم التنظيم "حركة فتح"، والثانية برئاسة ناصر القدوة الذي فصله الرئيس عباس مؤخرا من فتح ويدعمها الاسير مروان البرغوثي وفئة الشباب وحملت اسم "الحرية"، والثالثة لتيار القيادي المفصول محمد دحلان الذي يعتقد أن حالة الاستقطاب التي تعيشها "مركزية فتح" ستكون عاملا لمصلحته في الانتخابات وحملت اسم "الامل والمستقبل". مع ذلك، تبقى بيضة القبان بيد البرغوثي، الذي تظهر استطلاعات الرأي أنه الأكثر شعبية "فتحاويًا" وفلسطينيًا، في الضفة على الأقل. وتوجه مروان البرغوثي لتحدي عباس ليس جديدًا، وثمة تجربة في الانتخابات الرئاسية الفلسطينية الأخيرة عام 2005، عندما رشح نفسه من السجن مقابل عباس، آنذاك، ووافق على الانسحاب لاحقًا تحت الضغوط.
- أعلنت "حماس" عن قائمتها الانتخابية التي حملت اسم "القدس موعدنا"، وتراهن على إسهام نتائج الانتخابات القادمة في إفراز بيئة سياسية تساعدها على التخلص من موقعها كعنوان سلطوي في قطاع غزة والتحرر من تبعات المسؤولية عن الواقع الاقتصادي والإنساني الصعب الذي يعيشه القطاع، بفعل الحصار الذي فُرض في أعقاب فوز الحركة في انتخابات 2006، والعقوبات التي فرضتها السلطة قبل أعوام.
وتأمل الحركة أن ترسي نتائج الانتخابات موازين قوى جديدة داخل المجلس التشريعي القادم تسمح بإحداث تحول جذري على سياسة السلطة تجاه القطاع، وفي الوقت ذاته ضمان عدم إخضاع مصير سلاحها للنقاش. وفي حال أجريت الانتخابات الرئاسية، فإن "حماس" لن تطرح مرشحًا عنها، لكنها ستدعم مرشحًا آخر غير الرئيس عباس، على اعتبار أن نجاح هذا المرشح سيفضي إلى تحول جذري في البيئة السياسية بما يخدم مصالحها.
3- هناك عدة سيناريوهات محتملة لهذه الانتخابات:
- السيناريو الأول: في حال أسفرت الانتخابات عن فوز "فتح" وحلفائها من المستقلين بالأغلبية المطلقة، هناك احتمال أن تواجه الحكومة الجديدة تحديات عدة منها الموقف من سلاح الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، على اعتبار أن الحكومة الجديدة سترفع شعار "سلطة واحدة، سلاح واحد"، وستواجه الحكومة أيضًا تحدي الجهاز البيروقراطي لحكومة غزة الذي يضم حوالي 30 ألف موظف، والذين لا تعترف بهم حكومة رام الله والذين سيطالبون بتسوية أوضاعهم.
- السيناريو الثاني: فوز "حماس"، وهذا قد يعيد الأمور إلى ما كانت عليه بعد انتخابات 2006، حيث فازت حينها بأغلبية مطلقة. ويتوقع ألا يسمح الجهاز البيروقراطي والمؤسسة الأمنية التي تخضع لحركة "فتح" في الضفة الغربية للحكومة الجديدة بممارسة صلاحياتها. ومن المرجح أن يلجأ العدو إلى اعتقال نواب ووزراء "حماس"، كما فعل في أعقاب انتخابات العام 2006، في حين سيُخضع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، اللذين يُعدّان "حماس" تنظيمًا "إرهابيًا"، مسألة الاعتراف بالحكومة الجديدة لشروط اللجنة الرباعية المتمثلة في: الالتزام باتفاقيات أوسلو، والاعتراف بالكيان الصهيوني، ونبذ العمل المسلح ضد العدو بوصفه "إرهابًا".
- السيناريو الثالث: فشل كل من "فتح" و"حماس" في الحصول على أغلبية مطلقة، ما يعني تشكيل ائتلاف حكومي يضم القوائم الفائزة في الانتخابات بحسب أصواتها. ويمكن للكتلة التي سيشكلها دحلان أن تلعب الدور الوازن بين الطرفين عند تشكيل الحكومة الجديدة. وفي حال تم تشكيل حكومة بدعم دحلان، فمن المرجح أن تتبنى مواقف أكثر مرونة تجاه غزة التي تحتضن معظم مناصريه. وقد يحسن هذا الواقع من فرص دحلان للتنافس في الانتخابات الرئاسية.
-السيناريو الرابع: تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، ربما إلى حين إيجاد توافق فتحاوي وحل الإشكاليات والمشاركة بقائمة فتحاوية واحدة تضمن من خلالها الفوز بالانتخابات التشريعية.
أسباب تأجيل الانتخابات تنحصر في أربعة عوامل، هي: عدم تشكيل الفريق الأميركي الخاص بالمنطقة، وموقف الكيان الصهيوني وتدخله في الانتخابات، وانقسامات "فتح" الداخلية، ومشاركة المقدسيين في الانتخابات ترشحًا وتصويتًا.
عدم إجراء الانتخابات سيفضي إلى تكريس الوضع القائم على صعيد العلاقة بين حركتي "فتح" و"حماس" وتجميد جهود إنجاز المصالحة الوطنية. وسيتوقف مصير المصالحة والأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل عام على تحولات سياسات حكومة "تل أبيب"، وموقف إدارة بايدن، والوضع الصحي للرئيس عباس، وتأثيرات الأزمة الاقتصادية في قطاع غزة، إلى جانب تحولات قد تشهدها المنطقة.