مفاوضات فيينا.. و"صلاة إسرائيل"
في اليوم الذي بدأت فيه مفاوضات 4+1 في فيينا، تم استهداف سفينة إيرانية في البحر الأحمر، وفي صبيحة زيارة وزير الحرب الأمريكي إلى الكيان الإسرائيلي، تم استهداف منشأة نطنز النووية في إيران، وهذا يؤكد ما نركز عليه دائمًا، من أنّ الولايات المتحدة فقدت الورقة الاقتصادية في مواجهة إيران، حيث إنّ قدرة إيران على تجاوز الضغوط القصوى والصعوبات القصوى، جعل الأوراق الأمريكية في حالة محدودية إن لم تكن في حالة صفرية. فالوسيلة الوحيدة لمنع إيران من الحفاظ على برنامجها النووي، هي التخلص منه عسكريًا، وبما أنّ الولايات المتحدة فقدت القدرة على احتمال نتائج تعرضها العسكري للبرنامج النووي الإيراني، فلم يعد لديها من خيار سوى العودة للاتفاق النووي، وهذه العودة تتطلب هدوءًا أمريكيًا سلوكيًا، بالضبط كما تتطلب هدوءًا دبلوماسيًا على صعيد التصريحات، ولكن بما أنّ هناك قفازا أمريكيا قذرا اسمه إسرائيل، فلماذا لا تحاول إشهاره كورقة ضغطٍ على طاولة التفاوض؟
لا يستطيع أحد الجزم إذا ما كان التنفيذ أمريكيًا والإعلان فقط من نصيب "تل أبيب"، أم أنّه تنفيذٌ "إسرائيلي" وإعلان "إسرائيلي" والإيعاز فقط أمريكي. الحقيقة أنّ المرجح هو أن يكون عملًا أمريكيًا وإن كان منطلقه فلسطين المحتلة، ومما يُرجح هذا الاحتمال، هو تجنب وزير الحرب الأمريكي التطرق لأيّ أمرٍ يخص إيران في مؤتمره الصحفي، بعكس نظيره "الإسرائيلي"، كما بعكس بنود الاجتماع المعلنة، وهي البحث في الملف الإيراني. إذًا فهذه الاعتداءات تشبه التفاوض على وقع النار أثناء الحروب، حين يتم التفاوض على وقع دويّ المدافع وهدير الطائرات. الولايات المتحدة التي تذهب للتفاوض بأيدٍ فارغة من أوراق القوة، بعد فشل حملة الضغوط القصوى، وإدراكها استحالة تحملها لتبعات أيّ استهدافٍ عسكري للمنشآت النووية الإيرانية، وجدت في القفاز "الإسرائيلي" ما يمكن التعويل عليه، خصوصًا حين متابعة التهويل "الإسرائيلي" عن نتائج الاستهداف، فاعتبرت مصادر استخبارية كما تنقل الصحافة العبرية، أنّ الاستهداف أدّى إلى أضرارٍ هائلة في المفاعل، مما سيؤدي لتعطيل قدرة إيران على انتاج أجهزة الطرد المركزي، وهذا الجانب التقني هو موضوع التفاوض في عودة الولايات المتحدة للاتفاق، فادعاء"إسرائيل" تعطيل قدرات إيران التقنية، يعني أنّها لم تعد تملك ما يمكن التفاوض عليه.
ولكن بعيدًا عن رأي المتخصصين تقنيًا في الطاقة النووية، فإنّ الحديث عن تعطيل قدرة إيران على انتاج أجهزة الطرد المركزي، يتنافى مع المنطق بل مع أبسط قواعد العقل. "إسرائيل" تحاول تعظيم ما لم تصنع، لأنّها أعجز من أن تكون ندًا حقيقيا لإيران، تدفع بها الولايات المتحدة لتجعل منها رقمًا إقليميًا، فالفراغ الذي تركه غياب عواصم عربية رئيسية، سيجعل الفضاء الاستراتيجي مفتوحًا أمام قوى إقليمية عظمى كإيران لتملأه، والدفع بـ"إسرائيل" كما تعتقد الولايات المتحدة، سيقطع الطريق على إيران، خصوصاً في حال كانت تسعى للانسحاب التدريجي من المنطقة، وفي ذات الوقت يجعل"إسرائيل" هي صاحبة اليد العليا تجاه دول التطبيع، وهي البديل المنطقي القادر على توفير حماية لتلك الدول، كبديلٍ عن الحماية التي توفرها الولايات المتحدة. وبالعودة لرأي المختصين تقنيًا عما تقوله التقارير العبرية، عن فقدان إيران قدرتها على انتاج أجهزة الطرد المركزي، فيقول بصيغة تهكمية المفتش السابق في وكالة الطاقة الذرية بانتليس أكونومو، حين سؤاله إذا ما كان فعلاً الاستهداف أدّى إلى تلك النتيجة "إنّ العطل التقني الوحيد جرّاء هذه العملية، هو ما قد يصيب محادثات فيينا"، ويضيف "لا أعرف أيّ خللٍ تقني قد يصيب أجهزة الطرد المركزي جراء انقطاع الكهرباء"، والحقيقة أن لا أعطال ستصيب مفاوضات فيينا، لأنّ خيارات الولايات المتحدة غير خيار العودة للاتفاق النووي هي خيارات مستحيلة.
قد يكون استهداف المفاعلات النووية والسفن الإيرانية أمرًا طبيعيًا في إطار الصراع القائم بين إيران والولايات المتحدة، فهذه هي طبيعة الأشياء، وهي عملية سجالية تخضع للفعل وردّ الفعل ومداه، ولكن أيضًا هي أفعال وردود أفعال محسوبة بدقة، بحيث لا تتعدى الخطوط الحمراء التي تؤدي لتفجير طاولة الحوار، ولكن أعتقد أنّ الولايات المتحدة ارتكبت خطأً استراتيجيًا في إدخال البحر الأحمر إلى هذه الحلبة، وكان غباءً استراتيجيًا من "إسرائيل" القبول بتبني استهداف السفينة الإيرانية في البحر الأحمر، حيث يشكل البحر الأحمر شرياناً رئيسياً لكيان العدو، وقد شنّت "إسرائيل" عدوانها عام 67 كردِّ فعل على إغلاق مصر المضائق في البحر الأحمر في وجه الملاحة "الإسرائيلية"، لذلك فإنّ إدخال البحر الأحمر إلى هذه الحلبة سيكون خطرًا على هذا الشريان. وإيران تدرك أهمية هذا الشريان لكيان العدو، ولديها القدرة على استهداف خطوطه الملاحية. "إسرائيل" وقعت أو أوقعتها الولايات المتحدة مقابل بعض الضغط على المفاوض الإيراني في فيينا، في فخٍ استراتيجي لا فكاك منه، لذلك فإنّ ما على "إسرائيل" أن تصلي من أجله، هو عودة أمريكا السريعة للاتفاق النووي، حتى لو بالشروط الإيرانية.