مسؤول أردنی: ابن سلمان ساعد الإسرائیلیّین مقابل وعد بـ"الوصایة" علی القدس
أقرّ مسؤول أمنی أردنی بأن محاولة إطاحة الملک عبد الله الثانی، فی الرابع من الشهر الجاری، کانت مخطّطاً متعدّد الأطراف، وانقلاباً کبیراً ومعقّداً بکلّ المقاییس، مؤکّداً تورُّط أمیرکا وإسرائیل والإمارات والسعودیة فی المحاولة، التی نجح الملک الأردنی فی إفشالها بشکل هادئ.
المسؤول الأردنی أشار إلى أن "وعی الملک وتحریکه السریع للقوات العسکریة والأمنیة أفشلا المحاولة الانقلابیة لإزاحته واستبداله بأحد أفراد الأسرة الحاکمة"، وهو شقیقه الأمیر حمزة بن الحسین. وعزا «تخطیط قیادات فی "إسرائیل للمحاولة إلى الموقف السلبی للأردن من صفقة القرن التی رأى فیها تنفیذاً لمخطّط الوطن البدیل للفلسطینیین وإلحاقاً لغور الأردن بالأراضی المحتلّة.
وقد أثار هذا الموقف خشیة "إسرائیل" من أن یشکّل ضوءاً أخضر لتحرّک فلسطینیّی الأردن وعشائره ضدّ "الصفقة"، لذلک "طلب المسؤولون الإسرائیلیون مساعدة الریاض، وقد اشترط ولیّ العهد السعودی، محمد بن سلمان، لذلک الموافقة على نقل الوصایة على المقدّسات الإسلامیة فی القدس من الأردن إلى السعودیة".
وبعد نیل موافقة واشنطن، "أخذ ابن سلمان الأمور على عاتقه، وفوّض (رئیس الدیوان الملکی السابق) باسم عوض الله القیام بالتحضیرات الضروریة لانتقال الحکم على مستوى الأسرة، فیما کُلّف محمد دحلان التحرّک على مستوى العشائر وفلسطینیّی الأردن، وعمل السعودیون على تسلیح بعض أبناء العشائر الجنوبیة ممّن حصلوا على الجنسیة السعودیة للقیام بأعمال عسکریة إذا اقتضى الأمر".
ولفت المسؤول نفسه إلى أن التظاهرات التی شهدتها محافظات أردنیة عدّة الشهر الماضی "لم تکن إلّا بروفة، ومحاولة لجسّ النبض واختبار ردّ فعل الأجهزة الأمنیة". وأکّد ما تردّد عن أن الوفد السعودی الذی زار عمّان فی السادس من الجاری، برئاسة وزیر الخارجیة السعودی فیصل بن فرحان، طالب بإطلاق سراح عوض الله وتسلیمه الى الریاض، "مستخدماً الضغط ولغة التهدید".
مصادر دبلوماسیة فی عمّان أکّدت، لـ«الأخبار»، أن أمرین أساسیین دفعا واشنطن إلى إعطاء هذا المخطّط ضوءاً أخضر: تحفُّظ عمّان عن صفقة دونالد ترامب ــــ ابن سلمان ــــ بنیامین نتنیاهو، وانغماسها فی مشروع المشرق الجدید، مشیرة إلى دور فی ما جرى للسفیر الأمیرکی فی عمان، هنری وستر. وذکّرت بأن الأخیر تسلّم منصبه فی أیلول الماضی، بعد ثلاث سنوات ونصف سنة من شغور مرکز السفیر، وفی ظلّ برودة فی العلاقات بین واشنطن وعمّان بسبب موقف الأخیرة من صفقة القرن، على رغم استمرار التنسیق السیاسی واللوجستی بین البلدین، والدعم الأمیرکی للأردن.
وقد أثار تعیینه مخاوف أردنیة، فی حینه، بعدما صرّح فی جلسة اعتماده فی الکونغرس، فی 13/05/2020، بأن "إسرائیل" لا یمکن أن تحافظ على کیانها من دون الأردن، ولا الأردن قادر على الاستمرار اقتصادیاً والحفاظ على ثباته وأمنه من دون "إسرائیل" صدیقة، مشدّداً على ضرورة أن یکون هناک «أردن جدید» للارتقاء بالعلاقة بین الطرفین. والجدیر ذکره، هنا، أن وستر سفیر مفوّض، ما یعنی أن صلاحیاته تختلف عن صلاحیات السفیر العادی.، وهو ذو خلفیة عسکریة، وقد عمل سابقاً فی عمّان قائماً بالأعمال فی السفارة، ثمّ مساعداً لوزیر الخارجیة الأمیرکی فی الملفّ الإیرانی، کما أنه على صلة بشؤون عربیة تتعلّق بمصر والمغرب.
وصول وستر إلى عمّان جاء عشیة زیارتَین قام بهما رئیس الوزراء الأردنی، بشر الخصاونة، فی کانون الثانی الماضی، إلى کلّ من بغداد والقاهرة، مع تسارع الاتصالات بین البلدان الثلاثة لتشکیل مشروع المشرق الجدید لتفعیل الشراکة الاقتصادیة بینها. وقد تمّ، فی هذا السیاق، تفعیل مشاریع مشترکة بین الدول الثلاث من مثل شرکة الجسر العربی للملاحة فی العقبة (شراکة أردنیة ــــ مصریة ــــ عراقیة) لتشغیل خدمة "خط العقبة ــــ نویبع" لنقل المسافرین والبضائع، و"شرکة فجر الأردنیة المصریة لنقل وتورید الغاز الطبیعی" المسؤولة عن تنفیذ وتشغیل المرحلة الثانیة من خط الغاز العربی فی الأردن حتى الحدود مع سوریا، ومشروع الربط الکهربائی بین مصر والأردن وسوریا ولبنان والأراضی الفلسطینیة المحتلة، إضافة إلى اتفاقات بین الأردن والعراق حول تصدیر فائض الطاقة الکهربائیة، ومشروع خطّ النفط بین البصرة والعقبة الذی تستفید منه دول أخرى؛ منها مصر، ومشروع المنطقة الاقتصادیة بین العراق والأردن.
وکان مقرّراً أن تتوَّج هذه الاتفاقات بقمّة ثلاثیة فی بغداد، الشهر الماضی، تجمع الملک الأردنی والرئیس المصری عبد الفتاح السیسی ورئیس الوزراء العراقی مصطفى الکاظمی.
وتتمتّع البلدان الثلاثة، بسبب موقعها الجیوسیاسی بین قارّتَی آسیا وأفریقیا والمتاخم لبؤر سیاسیة ساخنة، بحضور مهمّ على صعید الإقلیم، وهی تُعدّ لاعباً رئیساً فی ملفّات المنطقة، وخصوصاً القضیة الفلسطینیة، کما أنها معنیّة بصورة أو بأخرى بقضایا الملفّ النووی الإیرانی وملفّ سدّ النهضة والملفَّین اللیبی والسوری وغیرها.
وهی معاً تشکّل قوة اقتصادیة لا یستهان بها: مصر بما لها من ثقل سکانی هی الأکبر عربیاً، والعراق یمتلک أحد أهمّ احتیاطات النفط فی العالم، والأردن ــــ رغم صغر حجمه السکانی والاقتصادی ــــ له ثقل سیاسی فی القضیة الفلسطینیة والوصایة الهاشمیة على الأماکن المقدسة، إضافة إلى موقعه کبوّابة اقتصادیة للسوق الخلیجیة.
ورغم أن البلدان الثلاثة تدور فی الفلک الأمیرکی، إلا أن مشروعاً کهذا یثیر هواجس الریاض وتل أبیب، وخصوصاً أنه یحظى باهتمام دول أخرى مناوئة لهما فی المنطقة کإیران وسوریا، کما أنه یضع الأردن، البوّابة الطبیعیة بین دول الخلیج(الفارسی) و«إسرائیل»، الذی یمتلک أطول حدود برّیة معها، فی موقع آخر یجعله قادراً على الاستغناء عن ابتزاز الریاض التی تقتّر مساعداتها المالیة لعمّان.