مجلس الأمن الدولي يفشل في التوصل الى اتفاق حول أزمة سد النهضة
لا يزال مشروع القانون الذي تقدمت به تونس لحل أزمة «سد النهضة» معلقا، بعد إرجاء مجلس الأمن الدولي التصويت عليه إلى موعد لم يحدد بعد، وفي ظل إصرار إثيوبيا على حل القضية «التقنية» من خلال «الاتحاد الأفريقي».
وكتبت صحيفة الاخبار اليوم السبت انه بعد مناقشات استمرت لساعات في المجلس، بدت الولايات المتحدة وفرنسا أكثر تفهما لمخاوف مصر من الإجراءات الأحادية المتمثلة في الملء الثاني لبحيرة السد، في حين أيدت روسيا صراحة موقف أديس أبابا، منتقدة تلويح القاهرة الدائم باستخدام القوة.
جلسة كاشفة لمواقف العديد من أطراف أزمة «سد النهضة» الإثيوبي، جرت في مجلس الأمن. الجلسة التي فضلت أديس أبابا أن توفد إليها وزير الري والطاقة بدلا من وزير الخارجية، على غرار دولتي المصب، مصر والسودان، شهدت جولة جديدة من السجالات بين البلدان الثلاثة، وسط تغير في قواعد الاشتباك، جعل من المجتمع الدولي طرفا فيها.
وفيها، برزت مواقف متغيرة ومتناقضة أحيانا، بعدما اتبعت القاهرة سياسة التحشيد، قبل أشهر من الوصول إلى هذا اليوم، باعتباره تاريخا فاصلا في الأزمة الممتدة منذ 10 سنوات.
وخلال الجلسة الماراثونية، برز موقف لافت لباريس التي أبدت دعمها للقاهرة، بعد ساعات من صدور بيان أوروبي أشار إلى مشروعية مخاوف مصر والسودان، وضرورة عدم اتخاذ خطوات أحادية، بما فيها الملء الثاني للسد؛ وأظهرت موسكو، من جهتها، دعما واضحا لأديس أبابا، عبر التركيز على ضرورة توقف القاهرة عن التلويح باستخدام القوة، فيما تضمنت كلمة مصر التي ألقاها وزير الخارجية، سامح شكري، تأكيدا على «حق بلاده في اتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة».
كذلك، بدا الموقف الأميركي مؤيدا للقاهرة، لجهة «تفهم» تخوفها من الإجراءات الأحادية، مع التأكيد على ضرورة استئناف المفاوضات بشكل عاجل، وهو موقف يأتي متسقا مع التحركات المصرية، لاستمالة الموقف الأميركي.
في المقابل، أبدت روسيا والصين تحفظا، دفع وزير الري الإثيوبي إلى استجداء «فيتو» على مشروع القرار الذي أعدته تونس، العضو غير الدائم في المجلس، من أجل إلزام الأطراف الثلاثة على التوقيع على اتفاق قانوني ملزم في غضون ستة أشهر كحد أقصى.
بدا الموقف الأميركي مؤيدا للقاهرة، لجهة تفهم تخوفها من الإجراءات الأحادية
التحولات في الجلسة، لم تكن على مستوى مواقف الدول الكبرى فحسب، بل أيضا على مستوى موقف السودان الذي ظهر رفضه للخطوات الإثيوبية، إذ أعربت وزيرة الخارجية السودانية، مريم الصادق المهدي، عن أملها في أن يتبنى المجلس مشروع قرار يعبر فيه عن مسؤولياته بصفته «راعيا للسلام».
واختار وزير الخارجية المصري أن يخاطب المجلس بالإنكليزية، موجها رسائل واضحة إلى الجانب الإثيوبي، مفادها بأن بلاده «لن تسمح لأديس أبابا بالسيطرة على مياه النيل والتحكم فيها». وفي الكلمة الإثيوبية التي ألقاها وزير الري والطاقة، سيليشي بيكيلي، ظهرت واضحة رغبة بلاده في المراوغة وإغلاق الملف بشكل نهائي من جانب المجلس، إذ اعتبر الوزير أن مناقشة مسألة السد، وهي أمر فني، في مجلس يعتبر هيئة سياسية، أمر غير مجد، وخاصة أن «سد النهضة» ليس الأول من نوعه على مياه النيل.
على أن التفاهمات التي جرت في السابق بين أديس أبابا والخرطوم في شأن السد، نسفت بشكل كامل، على رغم العوائد المستقبلية من كهرباء السد على السودان، وهو ما ظهر واضحا في تصريح وزيرة الخارجية السودانية التي اعتبرت أن المشكلة ليست فنية مرتبطة بقضية المياه، ولكنها «مشكلة دولة ترغب في استخدام المياه كسلاح تهدد به جيرانها».
لكن ممثل أديس أبابا بدا متمسكا بإعادة المفاوضات إلى «الاتحاد الأفريقي» الذي تترأسه الكونغو الديمقراطية في الدورة الحالية، والتي تحدث ممثلها في الجلسة عن إمكانية التوصل إلى اتفاق، إذا ما توافقت الإرادة السياسية بين الدول الثلاث، مؤكدا أن السد يهدد مصر والسودان اللذين يعتمد اقتصاداهما وسبل معيشة شعبيهما على نهر النيل.
وعلى عكس موقف الرئيس السابق للاتحاد، جنوب أفريقيا، التي دافعت ضمنا عن التحركات الإثيوبية، جاءت تصريحات مندوب الكونغو لتشدد على ضرورة كسر حاجز انعدام الثقة وتوفير الضمانات لجميع الأطراف لضمان نجاح المفاوضات.
التفاهمات التي جرت بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن، والتي تركزت على العودة إلى التفاوض برعاية «الاتحاد الأفريقي»، ووفق اتفاق المبادئ الموقع عام 2015 بين البلدان الثلاثة، باعتباره مرجعا رئيسا في الأزمة، أعادت المطالبات بإعادة النظر في الاتفاق الذي لم يصدق عليه البرلمان المصري حتى الآن، بما يمكن الدولة من سحب توقيع الرئيس عليه حال احتياجها إلى ذلك، ولا سيما أنه لا يلزم أديس أبابا بأي إجراءات في حال فشل المفاوضات.
وكما السجالات التي شهدتها قاعة المجلس، تبنى كل وزير، في المؤتمرات الصحافية التي عقدت بعد الجلسة، وجهة نظر مختلفة؛ إذ لفت وزير الري الإثيوبي إلى أن بلاده لا تقوم ببناء مفاعل نووي، ولكن سد للمياه، وهو ما يجعله قضية فنية، متهما مصر والسودان بعرقلة المفاوضات.
وعبرت وزيرة الخارجية السودانية، من جهتها، عن أملها في تبني روسيا لمشروع القرار التونسي، بينما أبدى نظيرها المصري رغبة في توجيه المجلس لإعادة استئناف المفاوضات من أجل توقيع اتفاق ملزم للدول الثلاث.