لماذا الخاشقجی؟
لماذا کل هذه الحملة الدولیة من أجل الخاشقجی فی حین أن أمثاله کثر فی الساحة العربیة، ولم نشهد حملة مماثلة إلا بعد مقتل رفیق الحریری؟!
العالم
بدایة أوکد همجیة ووحشیة الذین یعتدون على الکتاب والمثقفین والإعلامیین بسبب ما یکتبون أو یقولون. قمع حریة الکلمة جریمة کبرى یقترفها الاستبدادیون بخاصة العرب منهم. والقمع عمل مقرف فی تاریخ الشعوب ومن شأنه تأزیم المجتمعات، وتدمیر المنظومة القیمیة التی تجمع الناس وتوحد کلمتهم فی مواجهة التحدیات. جمال خاشوقجی هو أحد ضحایا هذا الاستبداد الذی یُمارس باسم خدمة الحرمین.
لکن لماذا کل هذه الحملة الدولیة من أجل الخاشقجی فی حین أن أمثاله کثر فی الساحة العربیة، ولم نشهد حملة مماثلة إلا بعد مقتل رفیق الحریری. نحن ضد الاغتیالات والإرهاب بخاصة إرهاب الدول، ویجب أن تقوم هبة إعلامیة لصالح کل من یتعرض للقمع والاغتیال والإرهاب بدون انتقائیة.
انتقى الغرب رفیق الحریری وجمال خاشقجی فی حین أن الحکام العرب یستمرون کل یوم بملاحقة الأحرار والمناضلین من أجل الحریة. وهؤلاء الحکام الطغاة یلقون الدعم من أمریکا وأعوانها الغربیین والصهاینة على مدى سنوات طویلة. ولولا دعم الغرب لهؤلاء الحکام لما راینا عائلة هاشمیة فی الأردن أو سعودیة فی الجزیرة العربیة، وقبائل تحکم فی دول الخلیج والمغرب. الاهتمام على قدر المصلحة، وکلما کبرت المصلحة ازداد الاهتمام.
أمثال الکاتب یتعرضون کل یوم للمضایقات والإجراءات القمعیة، ولا نجد من یقف معهم مدافعا ومحدثا ضجة کبیرة تضع القامعین فی مأزق. الدول الغربیة ووسائل إعلامها ترى القمع والقهر یُمارس ضد المفکرین والمثقفین والإعلامیین ولا تصنع شیئا. ومن المحتمل أن الغرب بمختلف مکوناته یحرض ضد هؤلاء بخاصة إذا کان موقفهم من کیان الصهاینة سلبیا ویطالبون باستعادة الحقوق الفلسطینیة.
خبرت خاشقجی على شاشة التلفاز، وکنت أتحاشى الظهور معه لأنه کان المدافع الأول عن نظام سعودی متخلف وقهری واستبدادی واستعبادی ومبذر للثروات العربیة ومناصر لأعداء الأمة من أمریکیین وصهاینة. کنت أراه من کبار المنافقین الضلالیین.لقد انقلب بعض الشیء مؤخرا، لکنه اختار أمریکا مکانا لمنفاه الاختیاری. أی أن انقلابه حول العائلة المالکة السعودیة لم یخرجه من دائرة أعداء الأمة. وبالرغم من ذلک، لا یجوز اعتراضه وتعذیبه وملاحقته، وقتله یشکل جریمة کبیرة ویتوجب ملاحقة من اقترفوا بحقه الأعمال البشعة.
هل ستتم ملاحقة المجرمین؟ هناک مصالح للدول، ولا أرى أن دولة ستغامر بمصالحها مع السعودیة من أجل الخاشوقجی. أمریکا لا تفرط بأموال السعودیة، وهی مهتمة دائما بإبقاء خزائنها مفتوحة أمام الأموال السعودیة التی یتم الاستیلاء علیها بطریقة أو بأخرى. وترکیا لها حجم تجارة مع السعودیة یتصاعد کل سنة.
نأمل من ترکیا الصمود على موقفها وأن تبقى وفق المقتضیات الأخلاقیة. أما أمریکا فمشغولة بالتعاون مع العائلة المالکة فی البحث عن تخریجة مقنعة لقتل الخاشقجی دون أن تضر بالعائلة المالکة. وهنا یأتی دور میکافیللی الذی نصح الأمیر بعدم الاعتراف بسوء سلوک، والبحث عن کبش فداء لیحمل المسؤولیة وینال العقاب بدل المجرم الحقیقی. هم یبحثون عن شخص مسؤول وله وزن أمنی کبیر لیعترف بالجریمة لقاء وعود بتلقی ملایین الدولارات. وبدل أن یتلقى الملایین سیقومون باعتقاله واتخاذ إجراءات ضده ومن ضمنها قطع الرأس. وعدم قطع رأسه سیثبت أنهم کاذبون. ولهذا یجب ألا یورط أحد نفسه فی إنقاذ العائلة الحاکمة من المسؤولیة.
* عبد الستار قاسم / رأی الیوم