نصر الله الرجل الفهیم
کتبت صحیفة رأی الیوم: لم یحظَ أیّ زعیمٍ عربیٍّ باهتمامٍ واسعٍ من قبل کیان الاحتلال، قیادةً وشعبًا، کما حدث ویحدث مع الأمین العّام لحزب الله، سیّد المُقاومة السید حسن نصر الله، الذی کان وما زال وسیبقى، وفق کلّ المؤشرات والدلائل والقرائن، یقُضّ مضاجِع الإسرائیلیین ویؤرقهم.
وبحسب إعلامهم المُتطوِّع لصالح الإجماع القومیّ الصهیونیّ أرادت إسرائیل خلال حرب یولیو (تموز) 2006، أیْ حرب لبنان الثانیّة، استهداف السیّد نصر الله ظنًّا منها أنّ ذلک یؤدی إلى إضعاف حزب الله، فصوبت علیه بمستوى غیر مسبوق فی سجلات الحروب النفسیّة الإسرائیلیّة.
ولکن السید، وباعترافٍ من قادة الکیان، من سیاسیین وعسکریین، عبر ظهوره المتکرر، مارس حربًا نفسیّةً صادقةً، ففرض الردع من خلال تهدیداته التی استخدم فیها مراحل تصاعدیة، ونفذّ هجومًا ضخمًا على مستوى الوعی لدى الجبهة الداخلیّة الإسرائیلیّة.
بالإضافة إلى ذلک، فی محصّلة بحثٍ مُعمَّقٍ قام به الباحث المحاضر فی علم النفس السیاسیّ فی جامعة بن غوریون ببئر الشبع، د. اودی لیفل حول علاقة الجمهور الإسرائیلیّ بالسید نصر الله خلص إلى أنّه بدلاً من أنْ یعتمد الجمهور الإسرائیلیّ على مرجعیّةٍ قومیّةٍ تطلعه وتبیّن له مجریات الأحداث یومیًا خلال حرب تموز، أولى الجمهور ثقته لزعیم حزب الله (العدو).
وکتب لیفل حرفیًا أنّه: کان هناک زعیم واحد للجبهة الداخلیّة الإسرائیلیّة فی الحرب: حسن نصر الله، لأنّ مواطنی إسرائیل یرون فی الرجل صاحب العمامة السوداء شخصًا صادقًا وکفؤًا أکثر من زعمائهم، على حدّ تعبیره.
وبحسب استطلاع الرأی الذی قام به لیفل بین تموز وآب 2006، سأل فیه المُستطْلعین عن المرجعیة التی تُوفِّر لهم الخبر الیقین بشأن مجریات القتال والأعمال العسکریّة ومَنْ هو الشخص الذی حظی بثقتهم المُطلقة، وکان على صدقیةٍ عالیّةٍ، جاءت النتائج قاطعةً ومُثیرةً، فقد اعتُبِر السیّد نصر الله أکثر مصداقیّةً وأکثر موثوقیّةً من سائر القادة الإسرائیلیین.
وفی تحقیق بعنوان “الخبراء داخل رأس نصر الله”، کشفت “یدیعوت احرونوت” عن تشکیل السلطات الإسرائیلیّة لطاقمٍ مؤّلًفِ من 15 خمسة عشر فردًا بین محلل استخباراتی ومستشرق وعالم نفس لتحلیل شخصیة نصر الله، و”إعداد بروفیل متجدد له”، حیث استند فریق الخبراء هذا إلى جملة معطیاتٍ، من بینها لغة الجسد وحرکة الیدین وتعابیر الوجه.
ووفقًا للصحیفة، فقد کانت أولى ملاحظات أحد الخبراء فی الفریق الإسرائیلیّ أنّ نصر الله هو شخص یستعد جیّدًا لظهوره، الملاحظة الثانیة تُعزِّز ما أعلنه السید بخصوص أنّ حزب الله لم یکُن لیأسر الجندیین لو علم أنّ حربًا ستحصل بسبب هذا الأمر،.
من جملة الخلاصات التی خرج بها الخبراء النفسیون الإسرائیلیون أیضًا أنّ: نصر الله هو رجل فهیم على نحو مُدهشٍ. لیس لدى نصر الله مؤشرات خوف من الموت. نصر الله مقتنع بأنّ لدیه مستقبل، ولکنْ علیه أنْ یتصدى للتحدّی الذی وقع علیه بالمفاجأة. نصر الله لا یستعّد لبقاءٍ طویلٍ فی مقرّه تحت الأرض.
یُشار إلى أنّ مراکز الدراسات الأمریکیّة والغربیّة خصصت بدورها مساحاتٍ واسعةٍ للإضاءة على شخصیة السید، إذْ اختصرت صحیفة “واشنطن بوست” ما نشر فی هذه المراکز بأنّه بعمامته وطلعته، نصر الله هو أکبر أسرار حزب الله على الإطلاق، على حدّ تعبیرها.
وفی السیاق عینه، أشارت صحیفة “هآرتس” العبریّة، إلى أنّ نصر الله أرغم دائمًا کلّ مَنْ یُتابِع المعرکة، ولا سیّما من یُغطی أخبارها ویحلّلها، على الالتصاق بشاشة التلفزیون، وإسکات أیّ ضجةٍ حوله، وإعداد قلم وورقة وآلة تسجیل، وقطع خطّ الهاتف، وتکریس جسده وروحه للإصغاء إلى الأمین العام، على حدّ تعبیرها.
وتابعت الصحیفة العبریّة قائلةً إنّ الظهور الإعلامیّ لنصر الله بالغ الأهمیة إلى درجةٍ أنّه عندما یغیب عن السمع أکثر من یومین، تبدأ مباشرة الشائعات والتکهنات عن مصیره، ولیس أقل من ذلک عن مصیر الحرب. وعندما کان یظهر، کان یجری تحلیل کلّ نقطة عرق على جبینه، وتسریحة شعره ولونه، والأثاث الذی یجلس علیه، والصورة التی تظهر من خلفه، کما أکّدت الصحیفة العبریّة.
وفی تقریر للصحیفة نفسها، کتب خبیر الشؤون العربیة فی الصحیفة، المُستشرِق د. تسفی برئیل، تحلیلاً عن نظرة الإسرائیلیین إلى نصر الله، مؤکّدًا أنّه مثّل فی نظر وسائل الإعلام الإسرائیلیّة، وفی نظر الجمهور الإسرائیلی أیضًا، ثلاث شخصیات مختلفة: عدوّ مرّ وقائد جبهة الکاتیوشا، ومُحلّل للخطوات العسکریّة، ومُحلّل مراقب للمجتمع وللجیش الإسرائیلیین، کما أکّد د. بارئیل.