رؤیة الإمام الخامنئی للوحدة الإسلامیة
رأی قائد الثورة الإسلامیة
ن موقع مکتب قائد الثورة الإسلامیة: إن اختلاف العقائد الفقهیة والکلامیة بإمکانه أن لا یؤثر على ساحة الحیاة الواقعیة وساحة العمل السیاسی على الإطلاق. ما نبغیه من وحدة العالم الإسلامی هو عدم التنازع: "ولا تنازعوا فتفشلوا". هذا ما یقوله الإمام الخامنئی لدى لقائه المشارکین فی مؤتمر الوحدة الإسلامیة بتاریخ ٢٤/٧/٢٠١٦. نقوم فی هذا التقریر بتسلیط الضوء على أبرز معانی الوحدة الإسلامیة من وجهة نظر الإمام السید علی الخامنئی.
یقول الله عزّوجل فی محکم کتابه المبین: "وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَب رِیحکُمْ" (١)، من صلب تعالیم القرآن نبعت ثقافة أهل البیت القائلة بأهمیة التمسّک بحبل الوحدة حیث نجد العدید من الروایات والأحادیث التی تحثّ أتباع أهل البیت على انتهاج سبیل الوحدة مع إخوانهم من أتباع سائر الفرق والمذاهب الإسلامیة. یُنقل عن مرازم أحد أتباع الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال: "حمّلنی أبوعبدالله -علیه السلام- رسالةً، فلمّا خرجتُ دعانی فقال: یا مرازم لِمَ لا یکون بینکَ وبین النّاس إلّا خیرٌ وإن شَتَمونا؟!" (٢) کما یُنقل أن أمیر المؤمنین علی علیه السلام حین علم فی حرب صفّین أن عمرو بن عدی وعمرو بن حمق یسبّون ویلعنون أهل الشام نهاهما عن ذلک وتوجّه إلى القوم بالقول: "کرهت لکم أن تکونوا لعانین شتامین تشتمون وتبرأون ولکن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم من سیرتهم کذا وکذا ومن أعمالهم کذا وکذا کان أصوب فی القول وأبلغ فی العذر وقلتم مکان لعنکم إیاهم وبراءتکم منهم اللهم احقن دماءهم ودماءنا، وأصلح ذات بیننا وبینهم واهدهم ، من ضلالهم حتى یعرف الحق من جهله منهم ، ویرعوی عن الغی والعدوان منهم من لهج به لکان أحب إلی وخیرا لکم." (٣)
من سیرة أهل البیت هذه انبثق خطاب قائد الثورة الإسلامیة الإمام السید علی الخامنئی الذی وعلى مدى الأعوام المنصرمة استمرّ فی الدعوة إلى الوحدة والألفة بین المسلمین والتحذیر من مغبّات الانسیاق وراء الفتنة والتفرقة التی ما هی إلا وسیلة ماکرة یستغلّها أعداء الأمة الإسلامیة من أجل بلوغ مآربهم وجنی مطامعهم ونهب خیرات البلدان الإسلامیة.
نسعى فی هذا التقریر إلى تسلیط الضوء على أهم المحاور التی تحدّث حول الإمام الخامنئی فی مختلف المناسبات.
یُرکّز قائد الثورة الإسلامیة على ضرورة امتلاک جمیع المسلمین الوعی والبصیرة والانتباه دائما إلى مخططات الأعداء حیث یقول سماحته فی نداء إلى حجاج بیت الله الحرام: "إنّنی أعلن وکما هو رأی الکثیر من علماء المسلمین والحریصین على الأمّة المسلمة، أنّ کلّ قول أو عمل یؤدّی إلى إشعال نار الاختلاف بین المسلمین، وکلّ إساءة لمقدسات أیّ من الجماعات الإسلامیّة أو تکفیر أحد المذاهب الإسلامیّة، هو خدمة لمعسکر الکفر والشرک وخیانة للإسلام، وهو حرام شرعًا." (٤) فجبهة الاستکبار تسعى دوما إلى تشتیت الأمة وزعزعة استقرارها لتتمکن من الجثوم على صدرها وغرز خنجرها وتوجیه ضربتها القاضیة.
الجمهوریة الإسلامیة مذ قامت أعلنت سیاستها المرتکزة على الوحدة ونبذ العنف ما بین المسلمین، حیث یعلن مؤسسها الإمام الخمینی الراحل أن الفرقة من الشیطان، والاتحاد ووحدة الکلمة من الرحمن، کما أن قائد الثورة الإسلامیة یصرّح فی إحدى خطبه أن شعار الوحدة الإسلامیة شعار استراتیجی: "أنا منذ مدة طویلة على اعتقاد بأن الوحدة قضیة استراتیجیة ولیست تاکتیکا یرتکز على مصلحة معینة." (٥) یعلن الإمام الخامنئی أیضا سیاسة بلاده فی خطبتی صلاة الجمعة التی تقام فی مدینة طهران بالقول: "إیران لا تستهدف نشر التوجّه الإیرانی أو الشیعی بین المسلمین. إیران تنهج طریق الدفاع عن القرآن والسنة النبویة الشریفة وإحیاء الأمة الإسلامیة. الثورة الإسلامیة تعتقد أن مساعدة المجاهدین من أهل السنّة فی منظمات حماس والجهاد، والمجاهدین الشیعة فی حزب الله وأمل واجبًا شرعیًا وتکلیفًا إلهیًا دونما تمییز بین هذا وذاک. وحکومة إیران تعلن بصوت مرتفع قاطع أنها تؤمن بنهضة الشعوب (لا بالإرهاب)، وبوحدة المسلمین (لا بالغلبة والتناحر المذهبی)، وبالاخوّة الإسلامیة (لا بالتعالی القومی والعنصری)، وبالجهاد الإسلامی (لا بالعنف تجاه الآخر، وهی ملتزمة بذلک إن شاء الله)." ثم یبیّن سماحته مفهوم الوحدة الإسلامیة نافیا کلّ ما یطرح من شبهات تدّعی أن الوحدة الإسلامیة تعنی تخلّی المسلمین عن عقائدهم فیقول لدى لقائه ضیوف مؤتمر الوحدة الإسلامیة: "الوحدة تعنی التأکید على المشترکات؛ لدینا الکثیر من المشترکات؛ فالمشترکات بین المسلمین أکثر من موارد الاختلاف، یجب التأکید على المشترکات." (٦)
نُرفق هنا مقطعا من کلام الإمام الخامنئی یوضح ما سبق من توصیة سماحته فیما یخص التأکید على المشترکات ما بین الفرق الإسلامیة واحتراز الترکیز على نقاط الخلاف، یقول قائد الثورة الإسلامیة فی لقاء مع أهالی مدینة سقز: "یقوم السنة والشیعة کلّا على حِدة بإحیاء احتفالاتهم الدینیة، آدابهم وعاداتهم وتأدیة مسؤولیاتهم الدینیة وعلیهم القیام بذلک؛ لکن الخط الأحمر هو أنه لا یُسمح وبشکل حاسم بأن یصدر إهانة للمقدسات - إن کانت صادرة عن بعض أفراد الشیعة نتیجة الغفلة أو عن بعض أفراد السنة کالسلفیین وأمثالهم نتیجة الغفلة أیضا، کلا الطرفین ینبذ الآخر-. هذا تماما ما یبتغیه العدو." (٧)
نجد فی خطابات الإمام الخامنئی حرصا کبیرا على تبیین أن الوحدة باتت فی یومنا هذا حاجة ملحّة ترتقی لأن تکون الأولویة الأولى بالنسبة للعالم الإسلامی، یقول سماحته لدى لقائه ضیوف مؤتمر الوحدة الثامن والعشرین: "الأهم وما هو بالدرجة الأولى من الأولویة للعالم الإسلامی یتمثل فی الوحدة. نحن المسلمین ابتعدنا عن بعضنا کثیراً. لقد کان للسیاسات فی هذا المضمار للأسف مساع موفقة فی الفصل بین المسلمین وتفریق قلوب الجماعات المسلمة بعضها عن بعض. نحتاج الیوم إلى الوحدة."
إذا فإننا کمسلمین موظّفون جمیعا بطمس جمیع معالم التفرقة والنزاع التی لا تؤدّی بنا إلا إلى المزید من الابتعاد عن سیرة الرسول الأکرم الذی یعبّر الإمام الخامنئی أنه محور الوحدة الإسلامیة ویقول فی خطاب له لدى لقائه ضیوف مؤتمر الوحدة الإسلامیة: "الأمّة تطلب من الرسول الأکرم عیدیّة؛ لکنّها موظّفة فی قبال النبی أن تؤدّی مسؤولیة هذه العیدیّة. عیدیّة الأمة هی أن تحفظ الوحدة وتحافظ على ماء وجه الرسول الأکرم." (٨)
المصادر:
١- سورة الأنفال، الآیة ٤٦
٢- علی بن الحسن بن فضل الطبرسی، مشکاة الأنوار فی غرر الأخبار، الصفحة ١٢٨
٣- ابن مزاحم المنقری، وقعة صفّین، ص١٠٣؛ بحار الأنوار، ج٣٢، ص٣٩٩ وأبوحنیفة الدینوری، الأخبار الطوال، ص١٦٥؛ ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، ج٣، ص١٨١
٤- نداء الإمام الخامنئی إلى حجاج بیت الله الحرام بتاریخ ١٤/١٠/٢٠١٣
٥- خطاب الإمام الخامنئی لدى لقائه القائمین على مؤتمر أهل البیت العالمی بتاریخ ١٥/٤/١٩٩٠
٦- کلام الإمام الخامنئی فی خطبتی صلاة الجمعة بتاریخ ٣/٢/٢٠١٢
٧- خطاب الإمام الخامنئی لدى لقائه بأهالی سقز بتاریخ ١٩/٥/٢٠٠٩
٨- خطاب الإمام الخامنئی لدى لقائه مسؤولی النظام بتاریخ ٢/٣/١٩٩٥