عام من عدم الاستقرار بـ "إسرائیل"

هذا الحال من الفوضى فی کل نواحی الحیاة فی "إسرائیل"، لم یکن کذلک فیما یتعلق بالعلاقة مع الفلسطینیین، أرضا وشعبا وقیادة، فکانت رؤیة الحکومة الإسرائیلیة أکثر ثباتا فی تکریس السیطرة الإسرائیلیة على الأرض، وأکثر من ذلک کان هذا الملف عامل مهم فی جلب مزیدا من الأصوات فی الانتخابات وباتت کل الأحزاب تتسابق لتسجیل نقاط إضافیة لصالحها.

 

الإدارة المدنیة من جدید

 

وأکثر من ذلک، کانت خطوات تصعیدیة على الأرض فکان قرار ضم منطقة الأغوار ومناطق "ج" والتی تشکل أکثر من 60% من مناطق الضفة الغربیة، إلى جانب حسم السیادة الإسرائیلیة على القدس، والإعلان الصریح بنیتها ضم منطقة الحرم الإبراهیمی فی الخلیل.

هذه الإجراءات کانت صارخة فی العام 2019، ولکن هناک الکثیر من الإجراءات التی تجری على الأرض أیضا دون الإعلان الرسمی عنها کعودة "الإدارة المدنیة" الإسرائیلیة للعمل على تسییر حیاة الفلسطینیین کما السابق، ومظاهر هذه العودة بدأت تظهر على السطح فی السنوات الثلاثة الأخیرة، ولکنها تجلت فی العام 2019.

 

فکل یوم یخاطب منسق العام فی الضفة الغربیة الفلسطینیین من خلال صفحته على الفیس بووک ووسائل التواصل الاجتماعی للإعلان عن مواعید استصدار التصاریح، أو الإغلاقات على الضفة، أو إیه تسهیلات ممنوحة لهم، التفافا على دور السلطة.

 

وشهد العام 2019 توسیع لمکاتب الإدارة المدنیة واستقدام موظفین جدد فیها، بعد إغلاق بعضها وتقلیص مئات الموظفین وأصبحت صلاحیاتها متواریة خلف موظفی أجهزة السلطة (الارتباط المدنی والعسکری الفلسطینی) التی کان تعامل الفلسطینیین مباشرة معهم دون العودة للإدارة المدنیة.

حول ذلک یقول الکاتب والمتابع للشؤون الإسرائیلیة عادل شدید، إن الإدارة المدنیة خلال السنوات الفائتة أعادت نشاطها على حساب دور السلطة، ولکن لیست کما کانت قبل أوسلو، فالأدوار التی تشکل عبئا على "إسرائیل" بقیت بید السلطة.

 

وأشار شدید إلى أن مؤشرات تدلل على ذلک، فمنذ فترة بدء العمل على نقل جزء من الصلاحیات للبلدیات کدفع الضرائب التی أصبحت تدفع للبلدیة مباشرة ولیس إلى وزارة المالیة برام الله کما کانت.

 

وأشار شدید إلى خطوات "إسرائیلیة" لتعزیز دور هذه الإدارة فی العام 2019، کتحسین الحواجز التی استحدثت بعد الانتفاضة الثانیة وتحویلها لمعابر، وتخصیص العمل علیها وکأنها معابر دولیة تفصل مناطق سیادیة عن بعضها، وهو ما بدى واضحا خلال الإعلانات المتکررة للمنسق الإسرائیلی فی الضفة على صفحته، عن عمل هذه الحواجز وفتحها وإغلاقها سواء للعمال أو حاملی التصاریح.

الإدارة المدینة وعودتها إلى الواجهة بکل الدلالات التی تحملها، کان إلى جانب خطوات کبیرة قامت بها "إسرائیل" على الأرض فی العام 2019، بالرغم من حالة عدم الاستقرار التی تعیشها داخلیا.

 

إجماع إسرائیلی على الضم والتهوید

 

فکما الواضح إن هناک قرار سیاسی من الیمین الإسرائیلی باتجاه محاولة تحویل الوضع القائم للحل النهائی، وحسم هذه القضیة بإبقاء الفلسطینیین على مناطق السلطة A من خلال الممارسة الفعلیة على الأرض، ولیس من خلال المفاوضات ولا من خلال القانون الدولی.

هذا ما أکدته المدیرة العامة لمرکز "مدار"، هنیدة غانم، والتی قالت:" إن کل هذه الخطوات تجری بحذر وتفکیر عمیق لاستغلال الظروف الدولیة والإقلیمیة الملائمة، وذلک وصولا للهدف الاستراتیجی لإسرائیل وهو إلغاء وصف الأراضی المحتلة وتحویلها لمناطق متنازع علیها وتکریس هذا الوصف".

 

وقالت غانم إن العام 2019 کان تتویجا للسیاسیة الإسرائیلیة التی بدأت فی العام 2009 مع صعود بنیامین نتانیاهو والیمین الجدید للحکم فی "إسرائیل"، وهی السعی المتواصل لتغیر الواقع على الأرض من خلال فرض مزیدا من الاستیطان والسیطرة على الأرض.

 

وتابعت:" نجح الیمین لتحویل هذه السیاسیة لإجماع، ففی السابق کنا نرى بعض مکونات السیاسیة الإسرائیلیة یختلف على بعض القضایا المتعلقة بالجانب الفلسطینی، لکن العام 2019 أکد على أن کل مظاهر الرفض اختفت لصالح الإجماع".

 

ففی 2019، کان الإعلان الصریح الذی لم یخالفه أحد سیاسیا بنیة إسرائیل ضم المستوطنات فی الضفة الغربیة، وعدم التخلی عن أی منها، وحتى ما یوصف ب "الغیر قانونی"، ولیس فقط المستوطنات فکان القرار بضم مناطق الأغوار بالکامل وکل المناطق المصنفة C، وحسم السیادة على مدینة القدس، وهو ما جعل سیاسیة إسرائیل فی تنفیذ هذه المخططات لا تتأثر بالتخبط والصراعات السیاسیة الداخلیة وما نتج عنها من ثلاث جولات من الانتخابات خلال عام.

 

تقول غانم:" عام کامل وإسرائیل موجودة فی فترة الانتخابات، وکثیر من القضایا (میزانیات وقوانین داخلیة، ومناصب قضائیة ...الخ) جمدت حتى بعد الانتخابات، ولکن القضایا التی تحسم الوضع الفلسطینی ومصیر الفلسطینیین مستمرة وبسیاسیة ومیزانیات ثابته".

 

وفی کثیر من الأوقات، عزز هذا الوضع من هذه السیاسیة التی تمتلک بنیة جاهزة وتمتلک کل المقومات، وجمدت کل العلاقات الجانب السیاسی مع الفلسطینیین الذی یمکن أن یخلق أی نوع من الضغط أو النقاش فی أدنى تصور.

وهذا الوضع أیضا، کما تقول غانم، جعل الیمین المتطرف هو الوحید القادر على تقدیم فکر سیاسی، والتی تتلخص بحسم الأمر على أرض الواقع.

 

شکل جدید للعلاقة مع الفلسطینیین

 

الباحث فی المرکز الفلسطینی لأبحاث السیاسات والدراسات الاستراتیجیة، مسارات، رازی نابلسی، یوافق ما ذهبت له غانم، بتجمید العلاقات السیاسیة بالکامل مع الفلسطینیین فی العام 2019، ویقول بأنه شکل جدید للعلاقة مع الفلسطینیین تبلور لدى الإسرائیلیین.

فخلال العام الفائت کانت السیاسیة الإسرائیلیة واضحة باتجاه "الحسم" مع الجانب الفلسطینی، وهذا الحسم کان بتحدید العلاقة مع القیادة الفلسطینیة بصورة جدیدة، یتم خلالها تحویل القیادة الفلسطینیة الرسمیة من قیادة حرکة وطنیة إلى قیادة سلطة حکم ذاتی.

 

وبحسب نابلسی فإن هذا یعنی قطع العلاقات بین الجانبین بکل ما یتعلق بالقضایا السیاسیة کالاستیطان والسیادة والاستیطان والدولة والحدود...الخ، ولکن استمرارها فی مجال تسییر الحیاة الیومیة للفلسطینیین من النواحی الأمنیة "التنسیق الأمنی" والعلاقات المتعلقة بترتیب الحکم الذاتی للسلطة، کمدیرة للضفة الغربیة، وسحب شرعیتها فی تمثیل الشعب الفلسطینی.

 

وأکد نابلسی إن هذه الإدارة تعنی إدارة الضفة الغربیة یما بضمن أمن الاحتلال، إلى جانب حملها مسؤولیة الفلسطینیین الواقعین تحت الاحتلال الإسرائیلی اقتصادیا وإداریا.

وتابع نابلسی:" خلال السنوات الأخیرة إسرائیل أیقنت أن القیادة على استعداد لتقبل هذا الوضع مقابل بقائها فی مکانها بقیادة الفلسطینیین والحفاظ على مصالحها الخاصة، ولن تستطیع أن تقوم بأی خطوة یمکن أن تهدد هذه المکانة".

 

وهذا یعنی أیضا، أن ما تسوق له السلطة بنیتها فک الارتباط مع "إسرائیل" ردا على أی خطوة إسرائیلیة على الأرض، غیر ممکن، لأن ذلک یعنی فک ارتباطها مع کل الحالة القائمة علیها فی الضفة الغربیة.

 

وتوقع نابلسی مزیدا من خطوات الحسم خلال العام الجدید قائلاً: "فی 2020 سنلاحظ تعمیق لشکل العلاقة الجدیدة من خلال خطوات إٍسرائیلیة لحسم أکبر على الأرض، إلى جانب حسم سیاسی، وتکریس لدور السلطة على أنها مجرد هیئة حکم ذاتی إداری ثقافی اقتصادی، ولیست ممثلة لشعب یسعى لتحرر وطنی".

 




ارسال التعلیق