کوالیس الزیارة الأخیرة لقاسم سلیمانی للعراق
وکالات - فلسطین الآن
لا یزال الغموض یلف تفاصیل العملیة التی استهدفت قائد "فیلق القدس" الإیرانی الجنرال قاسم سلیمانی، ونائب زعیم ملیشیات "الحشد الشعبی"، أبو مهدی المهندس، وعدد من مساعدی الرجلین فی بغداد، إلا أن ما رشح من مصادر عسکریة واستخباریة وسیاسیة عراقیة یؤکد أنها ستُحدث زلزالاً على مستوى الدوائر الضیقة التی خطّتها إیران حول متعاونین معها فی سوریة والعراق من مواطنی البلدین.
وتکشف المعطیات أن واشنطن نجحت فی اختراق هذه الدوائر والحصول على موعد وصول سلیمانی والطائرة التی کان یستقلها، وحتى السیارة التی جاءت إلى مدرج الهبوط فی مطار بغداد لتقلّه مع سیارة أخرى خصصت لمساعدیه، حتى استهدافهم بعد خروجهم من حرم المطار تحدیداً، الذی کان یغصّ بالرکاب القادمین إلى بغداد والمغادرین لها، فی منطقة کانت احتمالات تأثر المدنیین فیها بالضربة الوشیکة صفراً.
عبر شرکة "أجنحة الشام للطیران" السوریة، هبط سلیمانی فی الثانیة عشرة إلا ثلثاً لیلاً فی مطار بغداد قادماً من دمشق فی رحلة صحبه فیها زوج ابنته، وهو ضابط بالحرس الثوری، إضافة إلى شخصیة أخرى لم یتم التعرف علیها سریعاً بسبب تغییب الضربة الأمیرکیة ملامح وجهها.
أما أبو مهدی المهندس، صدیق سلیمانی المقرب منذ أیام الحرب العراقیة الإیرانیة (1980 ـ 1988)، ونائب قائد "الحشد الشعبی"، الذراع الإیرانیة الأکثر موثوقیة فی العراق، وبصحبته محمد رضا، الذی ظهر معه فی حصار السفارة الأمیرکیة قبل أیام فی بغداد ویشغل منصب رئیس تشریفات "الحشد الشعبی" وهو زوج ابنة المهندس أیضاً، إلى جانب محمد الشیبانی وحیدر علی وآخرین، فکانوا على مدرج طائرات الشحن القدیم، وهو مدرج صغیر ملغى ثم تم تطویره لیکون للطائرات الخاصة والصغیرة التی یستخدمها المسؤولون فی العراق عادة.
وبعد نزول سلیمانی ومن معه، کانت سیارتان من طراز مینی باص "ستار إکس" بانتظارهم، وتوزع الجمیع على السیارتین وغادروا المطار من بوابة الخدمات من دون المرور بالبوابات الأمنیة أو حتى ضباط الجوازات، قبیل اجتیاز السیارتین ساحة عباس بن فرناس، أول مفترقات الطرق المؤدیة إلى مطار بغداد، وعلى بعد نحو 300 متر من ساحة بن فرناس عند مدخل أمنی للتفتیش تم استهداف السیارتین فی وقت متزامن وفی لحظة خلو المکان سوى من السیارتین.
کان أول نداء من نقطة المراقبة الأمنیة المسماة "سیطرة 4" التابعة للشرطة الاتحادیة، تحدث عن سقوط صواریخ کاتیوشا أصاب أحدها سیارة، ولنحو خمسة دقائق استمر اعتماد هذا النداء لدى القیادات الأمنیة فی ما تعرف "المرکزیة"، وهی قیادة عملیات بغداد، وکان المتوقع رد الفصائل المسلحة على ضربة القائم وشیکاً. وبما أن القوات الأمیرکیة تقیم معسکرها ملاصقاً للمطار فبدا ما حصل هجوماً آخر کهجمات سابقة بالکاتیوشا تعرض لها المعسکر. غیر أن وصول قوات الأمن إلى المکان غیّر النداء بعد إخماد النیران فی السیارتین والجثث التی تفحم بعضها. وبعد نحو 20 دقیقة تم التعرف على هویات القتلى من خلال قیادی آخر فی "الحشد" هو أبو منتظر الحسینی، أحد القیادات المقربة من قاسم سلیمانی أیضاً وکان على علم بوصوله.
وقال مسؤول أمن عراقی رفیع فی بغداد إن غالبیة جثث القتلى غیر مکتملة بسبب الصواریخ التی استهدفت السیارتین وأحدثت حفراً فی إسفلت الشارع، مضیفاً "آخر ما کنا نتوقعه هو هجوم أمیرکی فی بغداد وأن یکون المستهدف هو أبو مهدی المهندس وضیفه قاسم سلیمانی".
وذکر أن هاتف رئیس الوزراء المستقیل عادل عبد المهدی، کان مغلقاً ولم یعلم بالموضوع إلا بعد ساعات، وتولى مدیر مکتبه العسکری الاتصالات والتنسیق، لفهم طبیعة الهجوم والتنسیق مع القوات الأمنیة والاستفسار من الأمیرکیین حول الهجوم. وکشف المسؤول أن هناک اتهامات عدیدة فی تسریب معلومات أو خیانة أدت إلى الضربة الأمیرکیة، وهناک تهم واعتقالات، بینها لسوری وآخر عراقی، فضلاً عن أنه یتم التحقیق مع طاقم الطائرة التی أقلت سلیمانی وموظف استخبارات عراقی فی المطار. وأضاف أن المرجح هو معرفة الأمیرکیین بمغادرة سلیمانی منذ إقلاعه من سوریة قادماً إلى العراق، مشیراً إلى أن الانطباع العام هو نجاح الأمیرکیین فی اختراق دوائر طهران الضیقة فی سوریة والعراق، ووصولهم إلى سلیمانی ومعرفة کل تحرکاته بالفترة الأخیرة.
من جهته، قال قیادی فی تحالف الفتح"، الجناح السیاسی لملیشیات "الحشد الشعبی"، إن وصول سلیمانی إلى بغداد لم یکن کما قیل لتنظیم هجوم على الأمیرکیین بل من أجل حسم ملف تشکیل الحکومة الجدید وإنهاء الخلافات بین قادة الکتل السیاسیة. وأضاف القیادی الذی طلب عدم ذکر اسمه: "کانت الزیارة هی الرابعة فی أقل من شهرین، یبقى عدة أیام ویغادر"، موضحاً أنه کان من المقرر عقد اجتماع، مساء أمس الجمعة، بین سلیمانی وقادة الکتل السیاسیة لحسم الخلاف والاتفاق على اسم من الأسماء المطروحة لرئاسة الحکومة، ومن أبرزها عبد الغنی الأسدی، توفیق الیاسری، محمد توفیق علاوی، وعماد الحسینی.
إلا أن مصادر سیاسیة فی بغداد قالت إن الزیارة کانت مفاجئة ولا یعلم بها أی من قادة الکتل السیاسیة الأقرب إلى إیران، فقط قیادات محدودة بـ"الحشد الشعبی"، وهذا یعنی أن زیارته ذات طابع عسکری وتتعلق بالهجوم على السفارة الأمیرکیة ومن قبلها الضربة الجویة الأمیرکیة فی القائم على الحدود مع سوریة. ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن زیارته إلى سوریة کانت تتعلق بملف الحدود ومحاولة دفع قوات من نظام الأسد إلى الشریط الحدودی العراقی السوری لتحل محل الفصائل التی تم استهدافها.
المصدر: وکالات