فلسطین وتکریس للاحتلال

د.علی مطر

 

یتجه کیان الاحتلال الإسرائیلی إلى ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربیة فی أول تموز المقبل، وتشمل غور الأردن وجمیع المستوطنات الإسرائیلیة بالضفة الغربیة، کتطبیق لبند من بنود صفقة القرن على طریق تصفیة القضیة الفلسطینیة بقوة الاحتلال. ویقطع هذا الضم أکثر من 30 % من مساحة الضفة المحتلة. یسارع الاحتلال بتطبیق سیاسة ضم الأراضی الفلسطینیة، لاعتقاد ساسة الاحتلال بأن الظروف القائمة الیوم دولیاً وعربیاً وفلسطینیاً أصبحت مؤاتیة وفرصة سانحة، خاصة قبل الانتخابات الأمیرکیة القادمة، وتخوفاً من عدم فوز دونالد ترامب بولایة ثانیة.

 

أولاً: إسقاط الحقوق الفلسطینیة 

 

تمثل الأراضی المزمع ضمها ما یقارب 40% من مساحة الضفة الغربیة، وهذا یعنی أن هذه المساحة لم تعد متاحة للشعب الفلسطینی فی استثمارها واستغلالها من کل النواحی، ما سیسقط بالتالی حل الدولتین الذی راهنت علیه السلطة الفلسطینیة، حیث یعنی هذا الضم إطباق الطوق على ما تبقى من الأراضی الفلسطینیة المحتلة وعزلها عن التواصل الحدودی مع الأردن، مما یعنی عدم وجود أی فرصة قیام دولة فلسطینیة حسب رؤیة حل الدولتین، فضلاً عن أنه سیمهد لطرح الوطن البدیل.

 

ویؤدی هذا الضم إلى تقطیع أوصال مکونات الضفة الغربیة، ویزید من خنق التواصل مع بقیة البلدات الفلسطینیة فی الضفة وعزلها وتشدید الحصار علیها، مما سیتسبب بصعوبات جمة على کافة الأصعدة المعیشیة والحیاتیة للفلسطینیین، کما یمنع التواصل الحدودی مع العالم بعد الضم، إضافة لمصادرة السیادة الفلسطینیة على میاه البحر المیت، والاستفادة من ثرواته الطبیعیة. کما أن الهدف من الضم تکریس الاحتلال ومواصلة کیان الاحتلال تحقیق مخططاته ومشروعه فی بسط سیطرته الکاملة على کامل التراب الفلسطینی، وسعی "اسرائیل" لتکریس احتلالها وشرعنته واعتراف المجتمع الدولی بذلک. وفی حال الحصول على هذا الاعتراف ستعتبر الأراضی الفلسطینیة بعد ذلک أراضیَ غیر محتلة، بل أراضی تمت استعادتها مما یعنی أن لا عودة للاجئین الفلسطینیین، ویعنی توطین الفلسطینیین فی دول المنفى التی یعیشون فیها. وبذلک ستکون "اسرائیل" قد کرّست ذاتها کدولة "أبارثاید"، حتى لو اقتصر الأمر على ضمها مناطق فلسطینیة قلیلة السکان، وهو ما کانت أکدته سابقاً بسنّ الکنیست قانون أساس (یولیو/تموز 2018) ینص على أن إسرائیل هی دولة قومیة للیهود، کما ستقوم بالتنصل من الاتفاقات التی عقدتها مع الجانب الفلسطینی المتمثلة بأوسلو والأردنی المتمثلة بوادی عربة.

 

ثانیاً: مخالفة القانون الدولی

 

تعد الخطوة الإسرائیلیة بالضم مخالفة للقانون الدولی، وقد أعلن الأمین العام للأمم المتحدة أنطونیو غوتیریش أمام جلسة لمجلس الأمن أن الضم مخالف للقانون الدولی وسیؤدی إلى تباعات على عملیة السلام، فیما حذر نیکولای ملادینوف، مبعوث الأمم المتحدة لعملیة السلام بالشرق الأوسط، من أن الضم محظور بموجب القانون الدولی. وقال ملادینوف "یُشکّل الضم تهدیدا کبیرا، وهو محظور بموجب القانون الدولی، وسیقوّض النظام الدولی". ووفق أحکام القانون الدولی، فإن صفقة القرن التی یأتی الضم کجزء منها تعد غیر قانونیة، کونها ترتکز على مبدأ القوة، وسیاسة الأمر الواقع، وعدم الالتزام بقرارات الشرعیة الدولیة، وتحتوی على مخالفات جسیمة لأحکام القانون الدولی بفروعه المختلفة، فهی تخالف قرارات الجمعیة العامة للأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن، ومحکمة العدل الدولیة.

 

وتنتهک "صفقة القرن" أحد أهم المبادئ الأساسیة للقانون الدولی وهو حق تقریر المصیر، الذی أکد علیه میثاق الأمم المتحدة، والعهد الدولی الخاص بالحقوق المدنیة والسیاسیة، واعترفت به الجمعیة العامة للأمم المتحدة التی أکدت حق الشعب الفلسطینی فی تقریر مصیره فی عشرات القرارات، منها قرار 3089 الصادر بتاریخ 7/12/1973، وقرار 3236 الصادر بتاریخ 22/11/1974 وغیرهما.

 

وتعمل "صفقة القرن" على جعل الدولة الفلسطینیة بدون سیادة وخاضعة للسیطرة الإسرائیلیة، وهذا ما یعد تشریعا وضمانا لحالة الاحتلال الحربی الدائم وهذا یخالف القانون الدولی، حیث نصت المادة (42) من لائحة الحرب البریة الملحقة باتفاقیة لاهای الرابعة لعام 1907 على أنه "تعد أرض الدولة محتلة حین تکون تحت السلطة الفعلیة لجیش العدو، ولا یشمل الاحتلال سوى الأراضی التی یمکن أن تمارس فیها هذه السلطة بعد قیامها"، وهی تسعى إلى تشریع الاحتلال الإسرائیلی بالقوة، فی حین أنه بحسب قانون الاحتلال الحربی فإن حالة الاحتلال لا تعطی المحتل حق الملکیة فی الأراضی المحتلة، ولا یجوز ضم الإقلیم المحتل لدولة الاحتلال. 

 

وقد حظرت أحکام القانون الدولی الضم، حیث حظر میثاق الأمم المتحدة "التهدید باستخدام القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقلیمیة أو الاستقلال السیاسی لأیة دولة".وقد أدان المجتمع الدولی سابقا عملیات الضم التی قام بها الاحتلال بالقوة خاصة القرار رقم 242 لعام 1967 الصادر عن مجلس الأمن والذی أکد على "عدم جواز الاستیلاء على الأراضی بالحرب" ودعا اسرائیل إلى سحب قواتها المسلحة من أراضی عام 1967.

 

أضف إلى ذلک فإن سیاسة الضم تنطوی على مخالفة صریحة لأحکام اتفاقیة جنیف الرابعة لعام 1949، التی حظرت تغییر الطابع الدیموغرافی والمرکز القانونی للأراضی المحتلة. حیث تنص المادة 49 من اتفاقیة جنیف الرابعة على أن سلطة الاحتلال لا یجوز لها ترحیل أو نقل جزء من سکانها المدنیین إلى الأراضى التى تحتلها، فضلاً عن أن محکمة العدل الدولیة أکدت فی قرارها عام 2004 عدم مشروعیة بناء المستوطنات الإسرائیلیة على الأرض المحتلة. فضلاً عن أن مجلس الأمن الدولی تبنى سنة 2016، القرار 2334، واعتبر فیه أن المستوطنات لیس لها أی شرعیة قانونیة، وأشار إلى أن المستوطنات تشکل انتهاکا صارخا للقانون الدولى وعقبة رئیسیة أمام تحقیق حل الدولتین وتحقیق سلام عادل ودائم وشامل. ونص القرار على مطالبة إسرائیل بوقف الاستیطان فی الضفة الغربیة بما فیها القدس الشرقیة، وعدم شرعیة إنشاء إسرائیل للمستوطنات فی الأرض المحتلة منذ عام 1967.




محتوى ذات صلة

نتنیاهو عبث بالصاعق وخسر المعرکة

نتنیاهو عبث بالصاعق وخسر المعرکة

الحدیث عن مشهد الصورایخ التی تدک تل ابیب وتحول لیلها نهارا مهم، لاسیما وان هذا المشهد غیّر فی معادلة الصراع وغیّر قواعد الاشتباک بین المقاومة الفلسطینیة والمحتل الاسرائیلی

|

سلامی: أمیرکا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

سلامی: أمیرکا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

القائد العام لحرس الثورة فی إیران اللواء حسین سلامی یقول إن "الانفجار الکبیر فی مصنع محرکات المضادات الدفاعیة والصواریخ حاملة الأقمار الصناعیة مؤخرا فی "إسرائیل"، أثبت هشاشة النظام الأمنی الإسرائیلی".

|

السید خامنئی: الفلسطینیون أینما کانوا هم جسد واحد

السید خامنئی: الفلسطینیون أینما کانوا هم جسد واحد

المرشد الإیرانی یؤکد على أهمیة تضامن القطاعات الفلسطینیة وتلاحمها بوجه الاعتداءات الإسرائیلیة، ورئیس مجلس الشورى یدین الجرائم الإسرائیلیة، وعشرات الإیرانیین فی العاصمة طهران یتظاهرون تضامناً مع فلسطین ونصرةً للقدس وغزة.

|

ارسال التعلیق