أمَّةٌ فاسِدة ؛ و حکامٌ سافلونْ !.
من یقول إنَّ هذا الخراب الذی حلَّ بنا -بفکرنا- کُلُّه بسبب الاستعمار و مخططاته الخبیثة، کذّابٌ أو جاهل لامُحال، و إن آمنّا بذلک جدلاً، فأمَّتنا هی من مهدت لذلک حین جسَّدت انها فعلاً -أمَّة- لاتعرف من الاسلام الّا اسمه، وفی أفضل الأحوال شیءٌ من طقوسه، فانطلت علیها لعبة الغرب باغراءاتها، وقبلت بالتغییر و الجدید الآتی من وراء البحار.
من یقول إنَّ هذا الخراب الذی حلَّ بنا -بفکرنا- کُلُّه بسبب الاستعمار و مخططاته الخبیثة، کذّابٌ أو جاهل لامُحال، و إن آمنّا بذلک جدلاً، فأمَّتنا هی من مهدت لذلک حین جسَّدت انها فعلاً -أمَّة- لاتعرف من الاسلام الّا اسمه، وفی أفضل الأحوال شیءٌ من طقوسه، فانطلت علیها لعبة الغرب باغراءاتها، وقبلت بالتغییر و الجدید الآتی من وراء البحار.
احمد البحرانی
ما تمرُّ به أمَّتنا من واقع مریر نتیجة عدم الوعی والبصیرة، شَخَّصَّهُ، بل حذَّر منه المصلحُ و العالِمُ و القائدُ و الفیلسوفُ الفْذ جمال الدین الأسد آبادی الأفغانی قبل مائة و خمسین عاماً أو یزید، حین ربَطَ بین مآسی المسلمین و فکرهم الرجعیِّ المتخلِّف، فحملَ رایة التجدید و الإصلاح؛ بکلِّ ما اوتیَ من قوة، لذا نال مانال من تهم و تنکیل و تخوین وتسقیط وتکفیر حتی قیل بحقه زوراً وجزافا "تمنطق فتزندق" و مَن اتّهمهُ بالإنتماء للحرکة الماسونیة العالمیة، و هی تهمة کفیلة لهدم جبل، لکنه قاوم فانتصر، بل ترک أثراً خالدا.
تماماً کیومنا هذا، کان الجهل و الظلام و انعدام الهویة، قد وصل حدّاً مهولاً بین شرائح المجتمع، فاختار الأفغانی خیارالمواجهة مع مسبِّبَینِ رئیسَین -رجال الدین المنافقین و الساسة العملاء- و الانفتاح مع النبلاء و الشرفاء من کافة الأدیان و المذاهب و القومیات، لتحقیق حلم ایقاض المجتمع من نومه.
واذا کان سیِّد زمانه -جمال الدین- قد تمیز بقدرته الخارقة علی التکیُّف بمحیطه السیاسی والإجتماعی، مهما اختلف مع نهجه و عقیدته، فتراه یغیِّر القابه تارة، و زیّه الذی یتبدّل حسب تقالید مضیِّفیه تارة أخری، من العمائم البیضاء والسوداء و الخضراء الی طربوش ترکی أو أزهری الی عقال و کوفیة، فساستنا العرب فی عصرنا هذا ایضاً تمیّزوا وبجدارة -لکن- بعجزهم عن التکیُّف مع الشریک و الحلیف والصدیق فی نفس الحزب، فما بالک مع الخصوم ؟!.
انهم، ابعدُ خلق الله عن القادة العظام، بصرخاتهم المدوِّیةِ الموقِضةِ للشعوبِ النائمة؛ أمثال سید جمال وروح الله الخمینی ومحمد باقر الصدر وعمر المختار، اصحاب رسالات عالمیةٍ تجاوزت حدود الحزب والطائفة و الوطن. هؤلاء استهدفوا اصلاح الفکر قبل کل شیء، لإصلاح الأمة من جذورها. أمّا حکّامنا الجدد إلّا ماندر، فإمّا اطفالٌ هواة أو عجزة رجعیینَ منَ العصر العتیق، لاهمَّ لهم ولاغمَّ الّا ملئ بطونهم والهاء فروجهم، و فی افضل الأحوال -عساکرَ- لم یشُمّوا رائحة الفکر، لامن قریب، ولا من بعید !.
لکن ماهی أسباب ظهور هکذا قیادات علی رأس أمَّةٍ حکمت العالم لقرون بدینها و لغتها و علمها و علماءها ؟!.
هنا اذ لا اُقلل من دور النهوض الغربی خلال القرون الأخیرة، الفکری منه و العسکری، ثمَّ الإقتصادی، وهو ما ساهم کثیراً بتضعیف الامبراطوریتین العثمانیة والصفویة بشتی الوسائل، بدءاً من الحروب التقلیدیة و الاحتلال المباشر، مرورا بحملات المستشرقین الثقافیة و غزواتهم العقائدیة، الی تسخیر و نهب الثروات، لکنَّنی لا اتجاهل ما حلَّ بالعقل العربی من فسادٍ، لادخل للأجنبی فیه، أحلَّ التخاذل، و بسَّط الإستسلام، و اجاز الخیانة، و جمَّل الخضوع والخنوع و کلّ ممنوع !.
من یقول إنَّ هذا الخراب الذی حلَّ بنا -بفکرنا- کُلُّه بسبب الاستعمار و مخططاته الخبیثة، کذّابٌ أو جاهل لامُحال، و إن آمنّا بذلک جدلاً، فأمَّتنا هی من مهدت لذلک حین جسَّدت انها فعلاً -أمَّة- لاتعرف من الاسلام الّا اسمه، وفی أفضل الأحوال شیءٌ من طقوسه، فانطلت علیها لعبة الغرب باغراءاتها، وقبلت بالتغییر و الجدید الآتی من وراء البحار. و من الجدید، حکامٌ جدد و بحلةٍ جدیدة، وبأعراف و تقالید، من نوعٍ غربی مثیرٍ و جدیدْ !.
عدوُّنا تلقَّف الرسالة قبل غیره وفهما دون عناء، و تیقَّن أننا اصحاب بَصرٍ من دون بصیرة، فمَلأَ عیوننا بمانُحب، وافرغ عقولنا مِمّا لایُحب.
حینها أخذت دیکتاتوریة التخلُّف و الرجعیة و السذاجة، تفرض رأیها و بقوة على الفکر والتعقُّل و المعرفة عند العرب، وبات العرب أمَّة، تستحق قادتها بکل جدارة، فالإمة التی تتقبَّل الذلَّ بترحاب، مقابل الحصول علی رغبات دنیویة رخیصة، لیست کتلک التی ناضَلت وقاومت و تحمَّلت ماتحمَّلت، حفاظاً علی تاریخها و شرفها، واکراماً لعظماءها و رُسلها، و وفاءاً لدینها، و مرضاةً لربِّها. لا، لاتستوی الأمَّتان أبدا !.
أمَّتنا العربیة جاهلة و غارقة حتی الرأس بجهلها، لم تعد تستوعب حقوقها، ولا طعم الحیاة الکریمة بعَدْلها و حرِّیَتها، و اِن وَعَت علی حالها بعد سُکرها، ستستبدل الداء. بداء، السلطان المستبد المتخلف المتعجرف بسلطان آخر، اسفلَ منهُ و أدهی. هکذا یسرد التاریخ، قصص أممه الغابرة دون مجاملة.
و کما عبَّر جمیلاً، احد روّاد النهضة العربیة، عبدالرحمن الکواکبی، فی کتابه الشهیر "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، إنَّ الله جلَّ و عَلا، قد فوَّض الأمم تقییم اداء حکامها، فإن استغنت عن حقِّها، أذلَّها الله لأمَّةٍ أخرى.
انها سنة الله ولن تجد لسنة الله تبدیلا..