وساطة أردنیة أخیرة قبیل «الحرب» بین مصر وترکیا
دخلت عمّان على خط الوساطة بین القاهرة وأنقرة لتجنب مواجهة بینهما فی لیبیا، فی وقت ینتظر فیه عبد الفتاح السیسی تفویضاً برلمانیاً لاستکمال الشکل الدستوری من أجل تنفیذ عملیة عسکریة فی العمق اللیبی
القاهرة | دخل الأردن على خط الوساطة بین مصر وترکیا على نحو مفاجئ، خاصة أنه یتمتع بعلاقات جیدة مع البلدین. زیارة استثنائیة لوزیر الخارجیة المصری، سامح شکری، إلى العاصمة الأردنیة عمان، التقى فیها ملک الأردن عبد الله الثانی، ووزیر خارجیته أیمن الصفدی، حاملاً معه رسالة من الرئیس عبد الفتاح السیسی الذی استبق الزیارة بترؤس اجتماع «مجلس الدفاع الوطنی»، وهذا المجلس یُشترط حصول الرئیس على موافقته، کما ینص الدستور، وکذلک موافقة البرلمان، قبل إرسال أی قوات خارج الحدود. فی المؤتمر الذی عقد بین شکری والصفدی، أکد الأول أن ما یجری فی لیبیا «تهدید جسیم للأمن القومی العربی والمصری»، ولذلک، ستتخذ بلاده «الإجراءات الحاسمة» التی تؤمنها، متّهماً ترکیا ضمناً بالسعی إلى «زعزعة الاستقرار العربی عبر جلب المسلحین الأجانب». مع ذلک، غطّت زاویة «مواجهة ضم الضفة المحتلة» إلى کیان العدو على أصل الزیارة، ولا سیما أن شکری یتوجه إلى رام الله فی زیارة سریعة کانت مجدولة قبل شهر بالتمام من الآن حین توجه الصفدی هناک، لکن الوزیر المصری اعتذر فی اللحظات الأخیرة. ووفق بیان رسمی، تباحث عبد الله وشکری فی خطة الضم، فیما قال الأول إن «أی إجراء إسرائیلی أحادی الجانب لضم أراضٍ.. أمر مرفوض». أما شکری، فحذر من خطورة «أی ضم للأراضی الفلسطینیة على مسار السلام وحل الدولتین».
إلى جانب وساطة الأردن لتجنب المواجهة المصریة ــ الترکیة فی لیبیا، جرت خلال الأیام القلیلة الماضیة تفاهمات هی الأولى من نوعها مع الجزائر بشأن الوضع فی لیبیا، بعد توتر فی العلاقات دام بضعة أشهر دعم خلالها النظام الجزائری بعض التحرکات الترکیة، قبل أن یتحول الموقف ویشکل ذلک نقطة التقاء مع وجهة النظر المصریة. هذا التحول أثار غضب جماعة «الإخوان المسلمون» فی الجزائر التی صعّدت تجاه الرئیس عبد المجید تبون، وأرسلت رسائل إعلامیة تطالب القاهرة بالتعامل مع «الإخوان» بتسامح، وأیضاً بتسویة أوضاع المسجونین من قیاداتهم، وهی الرسائل والتحرکات التی أرسل السفیر المصری لدى الجزائر، أیمن مشرفة، تقاریر عنها خلال الأیام الماضیة، وسط توجیهات بتجاهل الرد «کی لا تعطى مکانة أکبر مما تستحقها»، مع الترکیز على «التحسن الملحوظ فی التواصل بین البلدین».
من جهة أخرى، وفی ما ینذر بعقوبات أوروبیة على ترکیا، قال بیان مشترک عن رئیس الوزراء الایطالی جوزیبی کونتی، والمستشارة الألمانیة أنجیلا میرکل، والرئیس الفرنسی إیمانویل ماکرون، إنهم على استعداد لفرض عقوبات على من ینتهک حظر نقل الأسلحة إلى لیبیا براً أو جواً أو بحراً، مؤکدین أن الدعوة موجهة لجمیع الأطراف اللیبیین وداعمیهم من أجل «الوقف الفوری للقتال»، فیما یتوقع أن تعقد لجنة المتابعة الدولیة لتنفیذ مقررات «مؤتمر برلین» اجتماعاً الخمیس المقبل فی بروکسل. یأتی التحرک الثلاثی على هامش قمة الاتحاد الأوروبی المنعقدة حالیاً، لیشکل ضغطاً إضافیاً على أنقرة التی قالت وزارة الدفاع الأمیرکیة، البنتاغون، إنها نقلت ما بین 3500 إلى 3800 مقاتل من سوریا إلى لیبیا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاری، وهو ما أسهم فی تغییر الأوضاع المیدانیة، وتسبّب فی قدرة حکومة «الوفاق الوطنی» على السیطرة العسکریة، بعدما عمل المقاتلون الأجانب جنباً إلى جنب مع مقاتلیها، وفی النتیجة تراجع قوات المشیر خلیفة حفتر.
وسط هذا التصاعد الدبلوماسی للوساطات والتهدیدات، تتواصل الاستعدادات المصریة للمواجهة مع اجتماع «مجلس الدفاع الوطنی» أمس بکامل هیئته، وترکیز مناقشاته حول لیبیا یؤکد بما لا یدع مجالاً للشک أن القاهرة ستتدخل عسکریاً، وأن المواجهة، وإن کانت محدودة، آتیة. خلال الاجتماع، عرض وزیر الدفاع الفریق أول محمد أحمد زکی سیناریوات التدخل ودرجاته، لکنّه علق بعض التفاصیل على تطورات الأوضاع. اللافت أن زکی قال إن المهمة التی ستنفذها القوات ربما تطول وتستغرق سنوات حتى تتحقق أهدافها کلیاً، ولا سیما أن الجیش لا یمکنه الدخول لحمایة أبناء القبائل ثم التخلی عنهم وترکهم للأعداء کی ینتقموا منهم، محذّراً من تبعات الانسحاب المفاجئ تحت ضغوط الرأی العام المحلی والدولی. وتطرقت المناقشات أیضاً إلى ما جرى بعد استضافة القبائل فی مصر وردود الفعل الغاضبة من بعض أبنائها وطریقة التعامل مع بعضها واحتوائه مقابل تجاهل المدعومین من ترکیا، فیما لم تطرح مسألة تدریب القبائل لیشکلوا نواة حقیقیة لجیش لیبی، لأن هذا یحتاج إلى وجود هیکل للدولة أولاً. کما تضمن الاجتماع أحدث التقاریر العسکریة عن الوضع المیدانی، وفیها تحرّک رتل عسکری تابع لطرابلس باتجاه مدینة تاورغاء، بما یمثل نحو ثلث الطریق إلى سرت، وهو ما یعنی استمرار الاستعداد لهجوم على سرت والجفرة. کما أکد التقریر أن الأسلحة الثقیلة والمعدات المرسلة یمکن تدمیرها بغارات تنفذها طائرات «رافال» المصریة.
رمزی باشا/ الاخبار اللبنانیة