معطیات تقود لکشف أسرار "قنبلة" تفجیر بیروت
فرضیات کثیرة وعدیدة طرحت نفسها بشأن أسباب انفجار بیروت، لکنّ الثابتة الوحیدة التی لم تقدّم الدولة اللبنانیة غیرها هی أنّ السبب الأساس فی هذه الکارثة هو مادة نیترات الأمونیوم التی کانت مخزّنة فی مرفأ بیروت منذ 6 سنوات، فی ظروف لا تحظى بأدنى معاییر السلامة.
وبعیداً عن کیفیة وصول هذه المادة إلى المیناء والجهة التی أرسلتها ووجهة استعمالها، فإنّ الأنظار تتجه إلى السبب الحقیقی وراء انفجارها، خصوصاً أن العدید من الخبراء أکدوا مراراً أن "هذه المادة لا یمکن أن تنفجر من تلقاء نفسها، وهی تحتاج لصدمة وحرارة عالیة لیتحقق ذلک". ولذلک، فإن التحقیقات تترکز لمعرفة الأسباب الکامنة وراء اندلاع الحریق الذی سبق الإنفجار، کما أن تحدید مکان انطلاقه وکیفیة اتساعه هو أمرٌ فی غایة الأهمیة یکشف ما حصل بشکل قاطع.
وحتى الآن، فإنّ الدلائل تشیرُ إلى أمور عدیدة وهی أنّ الحریق بدأ فی مکان (مخزن مفرقعات) قریب من العنبر رقم 12 الذی کانت موجودة ضمنه هذه المواد، ثم انتقلت النیران إلى هناک لیحصل الإنفجار. وفی التوقیت الزمنی، فإنّ المدّة الفاصلة بین الحریق والإنفجار کانت 10 دقائق، وهذا توقیت کفیل لرفع حرارة المکان، ما یجعل تلک المواد تنفجر.
ومع ذلک، فإنّ التفاصیل فی اطار التحقیقات الأولیّة تشیر إلى أن "هذه الأکیاس کانت موضوعة بشکل عشوائی". وبحسب الخبراء، فإن مادة نیترات الأمونیوم تکون قابلة للإنفجار إذا کانت مخّزنة بشکل یجعلها قریبة من بعضها. وهنا، فإن هذه المادة تسخن، کما أنها تشتعل فی حال کانت الکمیة الموجودة منها کبیرة جداً. أما الأمرُ الأهم فی هذه النقطة والذی یکشف عن الإهمال الکبیر لإدارة المرفأ هو فی إمکانیة وجود مواد قابلة للاشتعال مع مادة نترات الأمونیوم. ومن الممکن، أن تکون هناک مفرقعات موجودة داخل العنبر 12 أیضاً، کما أن هناک فرضیة بإمکانیة وجود زیوت ضمن المکان نفسه. وفعلیاً، فإن هذا الأمر مُرجّح بشکل کبیر، خصوصاً أن مساحة العنبر 12 لیست صغیرة، وکمیة الـ2750 طناً من مادة نیترات الأمونیوم لا تغطی مساحة العنبر الإجمالیة، وهو الأمر الذی یسمح بوضع مواد أخرى معها. ولهذا، فإنّ الحریق یمکن أن یکون طال هذه المواد وانتقل إلى نیترات الأمونیوم وساهم فی التفجیر الذی کان للبحر دورٌ کبیر فی امتصاص نسبة کبیرة من عصفه، ولولا ذلک لکانت بیروت تدمرّت بشکل کامل.
عملٌ إرهابی مدبر؟
وما یدعم هذه الفرضیة القائمة بشکل کبیر هو العدید من اللقطات والصور التی جرى توثیقها للحریق قبل الإنفجار، وفیها یظهر عدد من العناصر الذین یستعدون لإخماد الحریق، وفتح باب العنبر الذی کان مقفلاً. وبحسب الروایات الأولیة، فإنّ أعمال "تلحیم" کانت تجری فی العنبر، وهی التی أدت إلى الحریق. وفعلیاً، فإن هذا الامر یطرح تساؤلات أساسیة: فی حال کانت تلک الأعمال فی العنبر رقم 12، فلماذا کان الباب مقفلاً؟ وهل جرت الأعمال من الخارج؟ کذلک، فإنّ الحدیث عن أعمال الصیانة فی العنبر بسبب سدّ "طاقة" لمنع السرقة یفتح الباب أمام أمرٍ یثیر الشکوک بشأن سبب وجود هذه الثغرة وعن سبب استحداثها وتاریخ اکتشافها. ولذلک، فإنّ هذا الأمر قد یحملنا لطرح فرضیة العمل المدبّر داخل المرفأ من قبل عناصر دخیلة تعلم بوجود هذه المواد هناک، وعلى درایة بإمکانیة اشتعالها من خلال محفّز موجود معها. ومن بین الفرضیات القائمة أن تکون هذه الثغرة قد انوجدت لوضع قنبلة داخل العنبر یتم التحکّم فیها عن بعد، وقد جرى تفجیرها من مساحة ضمن منطقة المرفأ والأحیاء المحاذیة له.
وبین وعود الدولة بتحقیقات شفافة تؤدی إلى محاسبة واضحة وبین الفاجعة التی مُنی بها اللبنانیون، تبقى کیفیة التحقیق رکناً أساسیاً فی جلاء الحقیقة، خصوصاً أن لبنان لیس لدیه قدرات متطورة فی التحقیق بمثل هذا الإنفجار. ولهذا، فإنّ ما حصل یستدعی لجنة تحقیق دولیة ستعمل بالدرجة الأولى على مسح محیط المرفأ وشبکات کامیرات المراقبة والاتصالات التی قد تقود إلى قطبة مخفیة فی القضیة. والأهم أیضاً هو أن تشکّل توقیفات المسؤولین دوراً مهماً فی اعطاء صورة واضحة لخفایا "صندوق المرفأ الأسود".