استغلال کارثة المرفأ.. استمرار لحرب تموز 2006
فی العقدین الماضیین حققت المقاومة الوطنیة اللبنانیة (ولأول مرة فی تاریخ الصراع العربی ـ الاسرائیلی) انتصارین کبیرین على العدو الاسرائیلی:
الأول ـ هو تحریر الأراضی اللبنانیة المحتلة (ما عدا مزارع شبعا وتلال کفرشوبا).
والثانی ـ هو الانتصار الکبیر فی المواجهة بین المقاومة والجیش الاسرائیلی (الذی لا یقهر!) فی حرب تموز 2006.
فی الانتصار الاول کان العدو یحتل الارض بشکل مکشوف والمقاومة موجودة فی الخفاء. وقد استفادت المقاومة الوطنیة اللبنانیة من الأخطاء السابقة للمقاومة الفلسطینیة على الأرض اللبنانیة، خصوصًا لجهة تجنب الاستعراضیة الفارغة والفاضحة والتموضع فی مراکز وقواعد مکشوفة للقاصی والدانی. وقد طبقت المقاومة الوطنیة اللبنانیة التکتیکات المجربة والناجحة لحرب العصابات الشعبیة الکلاسیکیة ضد جیوش الاحتلال النظامیة، وهی التکتیکات القائمة على قواعد المباغتة و"اضرب واهرب". وبنتیجة العملیات المتواصلة للمقاومة "اقتنع" العدو انه فقد زمام المبادرة، وانه یخضع لحرب استنزاف لا قدرة لمجتمعه المصطنع أن یتحملها، وأنه یدفع ثمنًا باهظًا لاحتلال الارض اللبنانیة، وهو ما لم یعتد علیه فی احتلال أی أرض عربیة أخرى، ففضّل الانسحاب الفراری بدون شروط من الارض اللبنانیة.
وفی الانتصار الثانی کانت الظروف معکوسة: فالعدو کان خارج الأرض اللبنانیة المحررة، ویرید التقدم لاحتلال الارض و"تنظیفها" من جیوب المقاومة حیثما توجد. ولکن العدو ووجه بمفاجأتین جدیدتین تماما:
ـ1ـ کما یحدث فی أی حرب نظامیة، حشد العدو قواته وأسلحته المتفوقة (التی کان ینتصر بها على جمیع الجیوش العربیة) وقام بالقصف المیدانی والجوی الکثیف تمهیدًا لتقدم نخبة قواته من المدرعات والمشاة للامساک بالارض و"تنظیفها". وفی المعارک الشرسة التی نشبت، کان على المقاومة الوطنیة اللبنانیة أن تدافع عن الارض، وتمنع العدو من الامساک بها. ولهذه الغایة طبقت المقاومة نصیحة القائد هملقار برقة لابنه القائد القرطاجی الفینیقی العظیم هانیبعل برقة "دع الارض تقاتل عنک". وبعد أن "مشّط" القصف المعادی الارض شبرًا شبرًا وتقدمت ارتال العدو للامساک بالارض، خرج المجاهدون الاشاوس، أحفاد المدافعین الاسطوریین عن صور بوجه الاسکندر المقدونی والمدافعین الاسطوریین عن قرطاجة بوجه سیبیون الرومانی، ـ خرجوا من رحم الارض وباطنها لیقدموا للعالم درسا جدیدا فی الابجدیة الفینیقیة، غیر ابجدیة الحروف، وهی ابجدیة البطولة والعزة الوطنیة والکرامة الانسانیة. وقد فشل العدو فی التقدم للامساک بالارض، وفرّ مهزوما من ارض المعرکة.
ـ2ـ المفاجأة الثانیة، الکبیرة، التی تعرض لها العدو فی حرب تموز 2006، هی أن المقاومة قامت بالرد على القصف المعادی للاراضی اللبنانیة، بالقصف الصاروخی غیر المتوقع للمواقع الاسرائیلیة. وکانت المقاومة تقوم بالتحریک السریع لقواعد اطلاق الصواریخ. فحینما کان طیران العدو یأتی لقصف مواقع الاطلاق کان یقصف مواقع خالیة، وکانت صواریخ المقاومة تتابع قصف المواقع الاسرائیلیة المحددة من قواعد اخرى.
لقد شکلت حرب تموز 2006 اول هزیمة للعسکریة الاسرائیلیة فی "حرب مواجهة" مع قوة محاربة عربیة. وهذا یمثل نقطة تحول مفصلیة فی تاریخ الصراع العربی ـ الاسرائیلی وتاریخ وجود "اسرائیل". وقد سارعت "اسرائیل" لتشکیل ما سمی "لجنة فینوغراد"، للبحث فی اسباب هذه الهزیمة ولایجاد السبل لتلافیها فی المستقبل.
ویدخل فی باب تبسیط الامور الاعتقاد ان "لجنة فینوغراد" قد اقتصرت على البحث فی "تقصیرات" القوات الاسرائیلیة والعمل لتلافی هذه "التقصیرات" فی المستقبل. فالبحث فی "التقصیرات" ونقدها کان هو الجانب الاصغر فی عمل "لجنة فینوغراد". وفی رأینا المتواضع ان "لجنة فینوغراد" ومعها کل القیادات الاسرائیلیة قد انکبت على البحث فی ایجاد أشکال جدیدة، غیر متوقعة، للحرب ضد لبنان، شعبًا ومقاومة وجیشًا. وان استغلال تفجیر بیروت فی 4 اب 2020 هو استمرار لحرب تموز 2006، وبتعبیر أدق هو رد اسرائیلی ـ امیرکی ـ طابور خامسی لبنانی على هزیمة "اسرائیل" فی حرب تموز 2006، وهو "الحرب الاسرائیلیة الثالثة" ضد لبنان.
ویجری الآن نشر فکرة وتسویقها، خاصة من خلال التحقیقات الامنیة والقضائیة الجاریة، مفادها أن کارثة 4 آب 2020 هی "انفجار" ولیست "تفجیرا"، وهی انفجار ناتج عن الاهمال والفساد لا غیر.
لا شک ان الاهمال وعدم الکفاءة وعدم الشعور بالمسؤولیة والاستهتار والفساد هی من العوامل المساعدة على تنفیذ هذه الجریمة الکبرى ضد الشعب اللبنانی ومقاومته التی هزمت العدو الاسرائیلی لاول مرة فی تاریخه. ولکن الحقیقة الجوهریة هی انه بموجب هذه العملیة تم اختراع شرکة دولیة وهمیة قامت بشراء کمیة ضخمة من نترات الامونیا المتفجرة من النظام العمیل لامیرکا فی جورجیا، وشراء او استئجار باخرة مشبوهة لنقل هذه المواد الى موزامبیق، ثم تحویل هذه الباخرة الى المرفأ اللبنانی بطریقة مشبوهة تماما، ثم حجز الباخرة فی لبنان ثم تفریغها فی مرفأ بیروت بطریقة مشبوهة جدا جدا، ومن ثم زرع هذه القنبلة النوویة الصغیرة فی قلب لبنان والاحتفاظ بها طوال هذه السنوات لتفجیرها "بالوقت المناسب" وتدمیر بیروت. وقد أسرع الرئیس الفرنسی ایمانویل ماکرون، أسرع الى بیروت لرسم الخطوط العریضة لوضع لبنان تحت الوصایة الاجنبیة.
لقد سبق للأمین العام لحزب الله السید حسن نصر الله ان قال "ان اسرائیل هی اوهن من بیت العنکبوت". و"اسرائیل" لیست دولة "عربیة"، وتعرف ان السید حسن نصر الله لیس زعیمًا "عربیا"، وبالتالی تعرف أنه لا یقول الا ویفعل. و"اسرائیل" لم تعد تنام والسید حسن نصر الله والمقاومة "موجودان" على خاصرتها.