کارثة بیروت.. هل من أوجه شبه مع کوارث بغداد؟
سواء کانت الفاجعة الانسانیة المروعة التی تعرضت لها العاصمة اللبنانیة بیروت قبل بضعة أیام، قد وقعت بسبب سوء الادارة والاهمال والفساد، أو أنها نتاج مخطط تخریبی تقف وراءه أطراف داخلیة وخارجیة، فإن حجم التدمیر الهائل الذی أحدثته کان کافیًا لدق ناقوس الخطر لدى أکثر من بلد، ومن بینها العراق، لتجنب تکرار ما حصل، خصوصًا اذا کانت مجمل الظروف السیاسیة والأمنیة مهیأة ومتاحة لذلک.
"نترات الامونیوم"، تلک المفردة التی شغلت حیزًا کبیرًا من التناول والتداول والاهتمام والتحلیل والتدقیق بعید فاجعة مرفأ بیروت، من جانب لها تاریخ حافل وطویل بوقوع الکوارث المشابهة، ومن جانب آخر، کانت وما زالت، وربما ستبقى احدى أدوات الارهاب التدمیریة، بصرف النظر عما اذا کانت أنظمة سیاسیة وحکومات أو مجامیع ومنظمات تقف وراءه.
فخلال المائة عام الماضیة، أی منذ عام 1920 وحتى الآن، تسببت نترات الامونیوم بثمانی کوارث کبرى على النطاق العالمی، حیث وقعت الکارثة الاولى فی احد المصانع بمدینة اوباو الالمانیة فی عام 1921، اذ إن خلط أکثر من أربعة آلاف طن من نترات الأمونیوم مع کمیات من الدینامیت کان کافیًا لقتل خمسمائة وواحد وستین شخصًا.
وفی عام 1947، اهتزت مدینة بریست الفرنسیة إثر انفجار سفینة شحن نرویجیة "أوشن لیبرتی" کانت محملة بمئات الاطنان من مادة نترات الامونیوم، وقد ألحق ذلک الانفجار المروع خسائر وأضرارا بشریة ومادیة کبیرة. وفی ذات العام لقی اربعمائة وستة وثمانون مواطنًا أمیرکیًا مصرعهم، فیما أصیب أکثر من ثلاثة الاف اخرین، جراء تفجر شاحنتین محملتین بنترات الامونیوم فی میناء تکساس.
وفی التاسع عشر من شهر نیسان-ابریل من عام 1995، فجّر رجل عبوة وزنها طنان من السماد المکون أساسًا من نترات الامونیوم أمام مبنى فیدرالی اتحادی فی مدینة أوکلاهوما الامیرکیة، مما أدى الى مقتل مائة وثمانیة وستین شخصا.
فیما تسبب انفجار ثلاثمائة طن من تلک المادة داخل مستودع لأحد المصانع فی مدینة تولوز الفرنسیة عام 2001، بمصرع وجرح مئات الاشخاص، فضلًا عن الاضرار المادیة الهائلة التی لحقت بالممتلکات العامة والخاصة فی المدینة.
وفی عام 2004 سقط اکثر من مائة وخمسین قتیلًا وأصیب أکثر من ألف آخرین، الى جانب تدمیر أکثر من ثمانیة آلاف منزل بمدینة رینغشون الکوریة الشمالیة بعد انفجار عربة قطار کانت محملة بکمیات من نترات الامونیوم.
ومرة اخرى شهدت ولایة تکساس الامیرکیة فی عام 2013 تفجیرًا آخر لمخزونات نترات الامونیوم بمصنع "ویست فیرتلایزر" للأسمدة، وأسفر عن مصرع واصابة مئات الاشخاص.
وکان التفجیر الأخیر قبل تفجیر مرفأ بیروت، وقع فی عام 2015 بمدینة تیانجین الصینیة، بمستودع للبضائع الخطیرة فی میناء المدینة، لیودی بحیاة ما یقارب مائتی شخص والحاق تدمیر شبه کامل بمنطقة التفجیر.
والملاحظ أن أغلب التفجیرات المشار الیها حدثت فی دول متقدمة الى حد کبیر، یفترض أنها تمتاز بوجود انظمة وقوانین صارمة، فضلًا عن توفر معاییر الامن فیها بالمستوى المطلوب.
وفی دول مثل لبنان والعراق، فإن مجمل الظروف والاوضاع السیاسیة، من حیث مستوى الاستقرار وحجم التدخلات الخارجیة وتعدد الولاءات وتفشی الفساد وسوء الادارة والتخطیط، وانتشار الجماعات والتنظیمات الارهابیة فیها، تتیح بشکل او باخر وقوع الکوارث والفواجع الکبرى.
وضمن التصور العام، لم یشهد العراق طیلة الأعوام السبعة عشر المنصرمة کارثة مماثلة أو شبیهة بکارثة مرفأ بیروت، الا انه تعرض الى عملیات ارهابیة وتفجیرات مختلفة بسبب الارهاب أو نتیجة الفساد، مع أهمیة التأکید على أن هناک عوامل ومؤثرات مشترکة یتحرک من خلالها کل من الارهاب والفساد، مضافا الیهما سوء الادارة والتخطیط والاهمال.
بید أن خبراء امنیین یتحدثون عن أوجه شبه بین ما حصل فی بیروت مؤخرا، وانفجار ارهابی وقع فی قاطع عملیات سامراء جنوب محافظة صلاح الدین فی عام 2015، خلال عملیات تحریر المدینة من عصابات "داعش" الاجرامیة، علمًا أن تقاریر عدیدة، تؤکد أن التنظیمات الارهابیة ومنها "داعش"، کانت تستخدم نترات الأمونیوم بکثرة بسبب توفرها بالأسواق باعتبارها مادة تجاریة غیر ممنوعة، حیث کانت تلک التنظیمات تقوم بخلطها مع مواد مُحرضة على الانفجار تعمل بمثابة الصاعق، ومن اهم هذه المواد "أسید الرصاص" و"اسید الفضة" و"بروکسید الهکسامین".
وبعیدا عن الاستغراق فی الخصائص والصفات العلمیة لنترات الامونیوم، وعوامل احتراقها وتفجرها، فمما لاشک فیه هو ان هناک امکانیة لاستخدامها فی العملیات الارهابیة، ناهیک عن ان سوء تخزینها ونقلها واستخدامها یمکن ان یحدث نتائج لا تقل کارثیتها ودمویتها عن العملیات الارهابیة، وما حصل فی مرفأ بیروت، قد یأتی فی سیاق الافتراضین معا.
ولعل هذا ما دفع دولًا مختلفة، فی مقدمتها العراق، الى جرد وتدقیق مخزونات المنافذ الحدودیة البریة والبحریة والجویة، واتخاذ الاجراءات العاجلة لنقل المواد شدیدة الخطورة الى مواقع أخرى أکثر أمانًا وأقل خطرًا.
وطبیعی أن مثل هذه الاجراءات تعد ضروریة جدًا لدرأ المخاطر المترتبة على تخزین المواد الکیمیاویة بکمیات کبیرة فی مناطق مزدحمة وآهلة بالسکان، لکن قد یکون الأمر الأکثر أهمیة، هو ذلک المتمثل بکیفیة احباط المخططات التخریبیة التی تقف وراءها أطراف معادیة، کجزء من الحرب المتواصلة بشتى الوسائل والادوات والاسالیب ضد دول ومجتمعات معینة من اجل الحؤول دون بلوغها مرحلة الاستقرار الحقیقی، وما کان یحصل من تصعید واحتقان سیاسی فی العراق بعد کل عملیة ارهابیة او حدث مروع، وما یجری من تفاعلات وتداعیات فی المشهد اللبنانی حالیا، تعد مؤشرات ودلائل کافیة على وجود ایاد خفیة تحرک الامور وتوجهها بطریقة معینة، ناهیک عن ان تعاطی بعض وسائل الاعلام والمنابر السیاسیة العربیة والغربیة مع مثل تلک الوقائع والاحداث، عبر خطابات تحریضیة فتنویة یعزز ویکرس هذه الرؤیة.
وکما هو دأبها دائما، راحت وسائل الاعلام السعودیة والاسرائیلیة والامیرکیة وغیرها، تطلق الاتهامات جزافا بشأن الکارثة الکبیرة التی تعرضت لها العاصمة اللبنانیة بیروت، فبینما ما زالت نیران التفجیرات المروعة مشتعلة، وسحب الدخان تغطی سماء بیروت، والدمار والخراب یعم کل الاماکن، واشلاء الضحایا ودماؤهم متناثرة هنا وهناک، ولم تتبین بعد ایة مؤشرات ودلائل على کل خلفیات واسباب الانفجارات، سارعت ماکنة الاعلام السعودی ومعها ماکنة الاعلام الاسرائیلی الى اتهام حزب الله اللبنانی بالوقوف وراء وقوع تلک الکارثة، مرة من خلال الادعاء بأن اطنان نترات الامونیوم التی تفجرت تعود الى الحزب، ومرة بالادعاء ان الحزب هو من قام بتفجیرها لتحقیق اهداف سیاسیة معینة.
ولا تختلف هذه "البروباغندا" عن تلک التی تشن من ذات الجهات ضد الحشد الشعبی وبعض القوى والشخصیات السیاسیة والدینیة فی العراق عند وقوع الکوارث والازمات، بحیث لم تعد تنطلی حقیقة الأهداف والأجندات المراد تحقیقها من وراء حملات التشهیر والتسقیط وتزییف الحقائق واثارة الفتن.
ومن دون شک، أن کثیرًا من التفاصیل والجزئیات المتعلقة بتفجیر مرفأ بیروت تختلف الى حد کبیر عن تفاصیل وخلفیات تفجیرات نترات الامونیوم العالمیة الثمانی المشار الیها انفا، وذلک أمر طبیعی لأن مساحة المصادفات انحسرت کثیرا لصالح مساحة الاجندات، وما بعد الکارثة-الفاجعة لا یمکن ان یؤشر الى خلاف او عکس ذلک.
