تحليل : هل انتهت رئاسة الرئيس الأميركي؟
لديك عذرك إن لم تلاحظ. صحيح أنَّ تصريحات دونالد ترامب النارية باتت أقوى من أي وقت مضى، لكنه لم يعد رئيس الولايات المتحدة.
ونظراً لأنَّ ترامب لم يقدم أي رد بناء على الأزمات الفارقة التي تعصف بالولايات المتحدة حالياً، فهو بذلك تخلى عن رئاسته. وهو لا يحكم بلاده، بل يمضي وقته في لعب الغولف ومشاهدة القنوات الفضائية ونشر التغريدات.
كيف استجاب ترامب للاضطرابات واسعة النطاق التي أعقبت مقتل جورج فلويد في مينيابوليس، الرجل الأسود الذي توفي بعدما ركع ضابط شرطة أبيض على رقبته لمدة دقائق بينما كان مكبل اليدين على الأرض؟
وصف ترامب المحتجين بـ"العصابات" وهدد بإطلاق النيران عليهم. وغرَّد يقول: "حين يبدأ النهب.. يبدأ إطلاق النار"، في ترديد لتصريح رئيس سابق لقوات شرطة ميامي الذي أشعلت كلماته أعمال شغب ضد العنصرية في أواخر الستينيات.
ثم يوم السبت، 30 مايو/أيار، تفاخر ترامب بأنَّ المحتجين كانوا ليُقابَلوا بترحيب من "الكلاب الشرسة وأكثر الأسلحة الخطرة"، في حال خرقهم لسور البيت الأبيض.
ولا يمكن وصف استجابة ترامب للأشهر الثلاثة الأخيرة المروعة من تزايد الإصابات بفيروس كورونا المستجد والموت إلا بالإهمال. ومنذ أن ادعى أنَّ "كوفيد-19" كان "خدعة ديمقراطية" وأسكت مسؤولي الصحة العامة، تخلى ترامب عن جهود السيطرة على الفيروس وتركها في يد سلطات الولايات.
ووجد حكام الولايات أنفسهم مسؤولين عن العثور على أجهزة تنفس صناعي لإبقاء المرضى أحياء، وتوفير معدات وقاية للمستشفيات والعمال الأساسيين في هذه الجهود لسد العجز فيها، مما ترك الولايات في حالة تنافس ضد بعضها على هذه المعدات. وتوجب عليهم كذلك اتخاذ قرارات بشأن كيفية استئناف الاقتصاد ومتى وأين.
وادعى ترامب أنه "غير مسؤول بالمرة" عن فحوصات الكشف عن الفيروس وتتبع اتصال المرضى بآخرين – وهما مفتاحا احتواء الفيروس. وتلقي "خطته" الجديدة بالمسؤولية على عاتق الولايات لتقوم هي بهذين الإجراءين.
وتخلف ترامب أيضاً عن معركة التصدي لأسوأ كارثة اقتصادية منذ الكساد الكبير.
إذ فقد أكثر من 41 مليون أمريكي وظائفهم. وفي الأسابيع المقبلة، من المقرر أن تنتهي فترة سريان القرار المؤقت بوقف طرد السكان بسبب التخلف عن دفع الإيجارات في نصف الولايات الأمريكية. وقد تخلف نحو خمس الشعب الأمريكي عن دفع الإيجار هذا الشهر. إلى جانب ذلك، من المقرر أن تنتهي فترة استحقاق معونة البطالة الإضافية في نهاية يوليو/تموز.
ما هو رد ترامب؟ مثل هربرت هوفر، الذي قال في عام 1930 "إنَّ الأسوأ قد مر" في الوقت الذي عانى فيه الآلاف من الجوع، يقول ترامب إنَّ الاقتصاد سيتحسن، لكنه لا يفعل أي شيء للتعامل مع الصعوبات المتزايدة. ومرَّر مجلس النواب بقيادة الديمقراطيين حزمة إغاثة بقيمة 3 تريليونات دولار في 15 مايو/أيار. لكن على الجانب الآخر، أوقف السيناتور ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، عمل مجلس الشيوخ مؤقتاً من دون اتخاذ أي إجراء، ووصف ترامب مشروع القانون بأنه ميت بالفعل حتى قبل تمريره.
ماذا عن القضايا الملحة الأخرى التي كان أي رئيس حقيقي ليُعالجها؟ مرَّر مجلس النواب ما يقرب من 400 مشروع قانون خلال الفصل الحالي، بما في ذلك تدابير للحد من تغير المناخ، وتعزيز أمن الانتخابات، وشروط التدقيق في المعلومات الأساسية للأشخاص قبل بيع الأسلحة لهم، وإعادة تفعيل قانون مجابهة العنف ضد المرأة وإصلاح قوانين تمويل الحملات الانتخابية. لكن جميع مشاريع القوانين هذه قابعة داخل درج مكتب ماكونيل. ولا يبدو أنَّ ترامب على علم بأي منهم.
ولا يمكن القول إنَّ ممارسة الغولف ومشاهدة التلفزيون وتدوين التغريدات سيئة في حد ذاتها. لكن إذا كان هذا هو كل ما يفعله الرئيس عندما تكون الأمة غارقة في الأزمات، فهو ليس رئيساً.
فلا يمكن أن تكون تغريدات ترامب بديلاً عن الحكم، وهي تتعلق في أغلبها بتصفية حساباته.
فإلى جانب التحريض على العنف ضد المتظاهرين السود، تتعلق تغريدات ترامب باتهام شخصية إعلامية بارتكاب جريمة قتل، وإعادة نشر تغريدات تحمل إهانات ضد حجم سياسية أمريكية من أصول إفريقية ومظهر رئيسة مجلس النواب، والكتابة عن مؤامرات ضده يزعم أنها من تدبير هيلاري كلينتون وباراك أوباما، وتشجيع أتباعه على "تحرير" ولاياتهم من قيود الإغلاق.
وينشر ترامب تغريدات عن تهديدات زائفة لا يملك سلطة لتنفيذها -مثل حجب الأموال عن الولايات التي توسع قاعدة التصويت الغيابي، و"إلغاء" المحافظين الذين لا يسمحون بإعادة فتح أماكن العبادة "على الفور"، ومعاقبة تويتر بسبب وضعه تحذير بشأن مصداقية تغريدات ترامب.
إضافة إلى ذلك، يكذب ترامب باستمرار.
وفي الواقع، لا يدير دونالد ترامب حكومة الولايات المتحدة، بل لا يدير أي شيء على الإطلاق، ولا ينظم أحداً. ولا يدير أو يشرف أو يراقب، ولا يقرأ المذكرات المرفوعة إليه. ويكره الاجتماعات. ولا يطيق الإحاطات الإعلامية. والبيت الأبيض في حالة فوضى دائمة.
والأهم أنَّ مستشاريه غير صادقين. فهم متملقون وخاضعون له تماماً ومنافقون ومن أقربائه.
ومنذ وصل إلى المكتب البيضاوي في يناير/كانون الثاني 2017، لم يُظهِر ترامب أي اهتمام بإدارة البلاد. فهو مهووس بنفسه فقط.
لكن تطلب البلاد الوقوع في مجموعة الأزمات الحالية للكشف عن عمق التنصل من مهامه الرئاسية لصالح أنانيته، وازدرائه التام لوظيفته والتخلي عن منصبه.
ويتجاوز فشل ترامب في الاضطلاع بمسؤولياته ما هو أكثر من غياب القيادة أو إغفال الأعراف والأدوار التقليدية. ففي وقت تمر فيه الأمة بصدمة، تخلى عن الواجبات والمسؤوليات الأساسية للرئيس.
ترامب لم يعد رئيساً، وكلما أسرعنا في التوقف عن معاملته على أنه كذلك، كان أفضل.