دور ايران في الانتخابات الرئاسية الأميركية!
هل كان اغتيال إدارة ترامب للجنرال قاسم سليماني في 3 يناير/كانون الثاني، الخطوة الأولى في تحويل الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وإيران إلى حرب مستعرة في الأسابيع السابقة لانتخابات الرئاسة الأمريكية؟
يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي المتخصص بالدراسات الاستراتيجية: بالطبع لا يوجد سبيل لتأكيد ذلك، لكن ترامب، الذي تتراجع شعبيته بنسبة من رقمين في أغلب استطلاعات الرأي الوطنية، يتسم بأنه شخصية شديدة التهور والتقلب. فعلى سبيل المثال، لم يتردد ترامب، في الأسابيع الأخيرة، في إرسال قوات شبه عسكرية فيدرالية إلى المدن الأمريكية التي يديرها عُمَد ديمقراطيون، ويبدو أنَّ إدارته شرعت في سلسلة من التحركات المستترة ضد طهران، التي أصبحت أوضح؛ مما دفع المهتمون بالشأن الإيراني إلى القلق بشأن ما إذا كان ترامب يحضر لـ”مفاجأة أكتوبر“.
لماذا قد يكون التصعيد مع إيران هو “مفاجأة أكتوبر”؟
يرجع الكثير من هذا القلق لحقيقة أنَّ إيران شهدت مؤخراً الكثير من حوادث الانفجار والحريق على نحو غامض ويدق ناقوس الخطر. فعلى سبيل المثال، في وقت مبكر من الشهر الماضي، تصدَّر العناوين انفجار مريب وقع في منشأة أبحاث نووية إيرانية في مدينة نطنز، وهي أيضاً موقع لإنتاج مكونات أجهزة الطرد المركزي.
ولا يزال من غير المعلوم ما إذا كان الموقع قد تضرَّر بشدة بسبب قنبلة مُهرّبة إلى داخل المبنى أم بفعل ضربة جوية. ونقلت صحيفة The New York Times عن مسؤول استخباراتي من الشرق الأوسط قوله إنَّ “إسرائيل زرعت قنبلة داخل مبنى حيث تطور (إيران) أجهزة طرد مركزي متقدمة”. وعصفت بإيران أحداث عنيفة مماثلة طوال أسابيع؛ إذ اشتعلت حرائق وانفجارات غامضة أخرى في منشآت صناعية ومحطة توليد الكهرباء ومصنع إنتاج صواريخ ومجمع طبي ومصنع للبتروكيماويات، من بين مواقع أخرى.
وخلُص تقرير آخر نشرته صحيفة The New York Times: “يقول بعض المسؤولون إنَّ هناك استراتيجية أمريكية- إسرائيلية مشتركة بدأت تتطور -أو تنحدر بحسب آخرين- إلى سلسلة من الضربات السرية منخفضة الحدة”.
وحدث بعض من هذا التخريب على خلفية خطة عمل “شديدة العدوانية” وضعتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية منذ عامين لشن هجمات إلكترونية هجومية ضد ذلك البلد.
ومثلما أشار موقع Yahoo! News، في تقرير استقصائي إخباري: “وكالة الاستخبارات المركزية نفّذت سلسلة من العمليات السيبرانية السرية ضد إيران وأهداف أخرى منذ تحقيقها انتصاراً سرياً في عام 2018 عندما وقَّع الرئيس ترامب ما يرقى إلى تفويض شامل لمثل هذه الأنشطة، وفقاً لمسؤولين أمريكيين سابقين على دراية مباشرة بذلك الأمر.. إذ سهلت النتيجة على وكالة الاستخبارات المركزية تدمير البنية التحتية الحيوية للخصوم، مثل مصانع البتروكيماويات”.
كل الدلائل تشير إلى أن واشنطن تجر طهران نحو الحرب
وعلى الجانب الآخر، يرى الكثير في إيران أنَّ الغارة الجوية التي قتلت سليماني، وحملة التخريب التي أعقبتها، ترقى إلى إعلان عملي لحرب. وأن كانت واشنطن تهدف من مقتل سليماني إلى جر إيران إلى تصعيد عسكري متبادل في عام الانتخابات، فقد فشلت في تحقيق هدفها.
وربما لهذا السبب، صاغت الولايات المتحدة وإسرائيل استراتيجية الهجوم على أهداف إيرانية مهمة هذا الصيف؛ لأنَّ الاستفزازات المتصاعدة تعني دفع إيران إلى الرد بطرق قد توفر ذريعة لرد أمريكي أكبر بكثير.
من غير المرجح أن يشهد هذا الصراع المرتقب نشر قوات برية أمريكية ضد دولة أكبر وأقوى بأضعاف من العراق. وبدلاً من ذلك، قد يشمل الصراع حملة مستمرة من الضربات الجوية ضد العشرات من منشآت الدفاع الجوي الإيرانية والأهداف العسكرية الأخرى، إلى جانب شبكة واسعة من المنشآت التي حدَّدتها الولايات المتحدة على أنها جزء من برنامج البحوث النووية في ذلك البلد.
“فن إتمام الصفقات” في 2020
إلى جانب الضغط العسكري والعقوبات المشدَّدة ضد الاقتصاد الإيراني، سعت واشنطن بخبث إلى استغلال حقيقة أنَّ إيران -التي كانت بالفعل في حالة ضعف- تضررت بشدة من جائحة “كوفيد-19”. فعلى سبيل المثال، جعلت هذه العقوبات الأمريكية من الصعب جداً على ذلك البلد الحصول على الدعم الاقتصادي والإمدادات الطبية والإنسانية التي كانت في أمس الحاجة إليها؛ نظراً لارتفاع عدد الوفيات.
ووفقاً لتقرير صادر عن شبكة القيادة الأوروبية: “بدلاً من تخفيف الضغط أثناء الأزمة، فرضت الولايات المتحدة أربع جولات إضافية من العقوبات منذ فبراير/شباط، وساهمت في عرقلة طلب إيران للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي. ومن ثم، الأدوات المالية الخاصة الثلاث المُصمَّمة لتسهيل نقل المساعدات الإنسانية إلى إيران في مواجهة العقوبات الإضافية المفروضة على المعاملات المصرفية الدولية.. أثبتت حتى الآن أنها كانت قنوات أحادية يستطيع الروتين التنظيمي الأمريكي عرقلتها”.
الحرب السرية ضد أهداف إيرانية قد تشتد الفترة المقبلة
لكن يمكن للقيادة الإيرانية قراءة التقويم أيضاً: ومثل الناخبين في الولايات المتحدة، فهي تعلم أنَّ إدارة ترامب ستخرج على الأرجح من السلطة خلال 3 أشهر. وتعلم طهران أيضاً أنه في حالة الحرب، فعلى الأغلب سيعمل العديد من الأمريكيين -بما في ذلك، للأسف، بعض الديمقراطيين في الكونغرس، والمحللين المؤثرين في المراكز البحثية في واشنطن- على حشد الدعم للبيت الأبيض. ومن ثم، ما لم تشتد الحرب السرية ضد أهداف إيرانية اشتداداً هائلاً، فمن غير المرجح أن تمنح القيادة الإيرانية ترامب وبومبيو وطاقم الطائرة العذر الذي يبحثون عنه.
ويمكن الاستدلال على أنَّ القيادة الإيرانية تراقب عن كثب الصعوبات الانتخابية للرئيس ترامب، من خلال رفض خامنئي مؤخراً، وبأوضح العبارات الممكنة، ما يعتقد معظم المراقبون أنه حيلة ساخرة أخرى من الرئيس الأمريكي، عندما طلب فجأة من إيران إعادة الانخراط في محادثات مباشرة بين رئيسي الدولتين.
وفي خطاب ألقاه المرشد الأعلى الإيراني في 31 يوليو/تموز، رد خامنئي بأنَّ إيران تدرك جيداً أنَّ ترامب يسعى فقط إلى محادثات صورية لمساعدته في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني. وكان ترامب قد خاطب إيران في تغريدة في يونيو/حزيران، قائلاً: “لا تنتظر حتى بعد الانتخابات الأمريكية لعقد الصفقة الكبرى! سأفوز!”). وهذا يثبت في الواقع أنَّ واشنطن لا تضمر نية للتفاوض مع إيران بحسن نية، وتحديداً بعد تدمير خطة العمل الشاملة المشتركة وتشديد العقوبات، ووضع 12 شرطاً مسبقاً للانخراط في مفاوضات. خلاصة القول، ترقى الاستراتيجية الأمريكية إلى مستوى دفع طهران إلى استسلام مذِل. يا له من فن في إتمام الصفقات في عام 2020!
مفاجآت أكتوبر.. قديماً والآن
في هذه الأثناء، لا تحصل الولايات المتحدة على الكثير من الدعم من بقية العالم لمساعيها شبه المكشوفة لخلق فوضى وانتفاضة محتملة ضد النظام الإيراني والظروف المناسبة لفرض تغيير النظام في طهران قبل الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني. وفي الأمم المتحدة، عندما دعا وزير الخارجية بومبيو مجلس الأمن إلى تمديد الحظر على أسلحة المُرهِق على إيران، لم يُقابَل فحسب بوعد من روسيا والصين باستخدام حق النقض ضد أي قرار من هذا القبيل، بل عارضه أيضاً حلفاء أمريكا في أوروبا. وقد شعروا بالإهانة على وجه التحديد من تهديد بومبيو بفرض عقوبات اقتصادية “سريعة” على إيران كما هو منصوص عليه في خطة العمل الشاملة المشتركة إذا لم يوافق المجلس على حظر الأسلحة.
وفي 20 يونيو/حزيران، أيَّدت صحيفة The Washington Post، في افتتاحية لاذعة، هذا الرأي، وسخرت من استراتيجية “الضغط الأقصى” التي تتبناها إدارة ترامب ضد إيران. وأشارت إلى أنَّ الرئيس لم يفشل فحسب في إسقاط الحكومة الإيرانية أو إجبارها على تغيير سلوكها في النزاعات في أماكن مثل سوريا واليمن، لكنه أفسح المجال الآن لـ”شراكة إيرانية مع الصين.. يمكن أن تنقذ الاقتصاد الإيراني وتعطي في الوقت نفسه بكين مكانة جديدة قوية في المنطقة”، بما يمثل ضربة قوية لمصالح الولايات المتحدة.
وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، تطورت “مفاجأة أكتوبر” إلى مصطلح عام يعني أي إجراء غير متوقع من أية حملة رئاسية قبل الانتخابات مباشرة بهدف منح أحد المرشحين ميزة مفاجئة. ومن المفارقات أنَّ نشأة هذا المصطلح ترتبط بإيران. ففي عام 1980، خلال المنافسة بين الرئيس جيمي كارتر وحاكم كاليفورنيا السابق رونالد ريغان على الرئاسة، ظهرت شائعات مفادها أنَّ كارتر قد يشن غارة لإنقاذ عشرات الدبلوماسيين الأمريكيين الذين كانوا محتجزين في طهران. (لكنه لم يفعل!).
وستكون أكثر من مجرد مفارقة إذا كانت مفاجأة الانتخابات في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ستعيدنا إلى أصول المصطلح في شكل نزاع مسلح لن ينتهي إلا نهاية مروعة لجميع الأطراف المعنية. هذه هي التركيبة المثالية لكارثة محققة، وعلى غرار أشياء أخرى كثيرة، عندما يتعلق الأمر بدونالد ترامب، لا يمكن استبعاد حدوثها.