خبیر سیاسی: العلاقات الأمریکیة الأوروبیة إذا فاز جو بایدن ستکون مختلفة
العلاقات الأمریکیة الأوروبیة إذا فاز جو بایدن ستکون مختلفة عما کانت علیه فی عهد باراک أوباما.
إذ یُحذَّر قادة أوروبا، الذین یتطلعون بفارغ الصبر لنهایة رئاسة ترامب، من أنَّ مجیء جو بادین خلفاً له قد ینطوی على تحدیات جدیدة ولن یمثل ببساطة استعادة الود فی العلاقات عبر الأطلسیة مثلما کانت قبل 2016، حسبما ورد فی تقریر لصحیفة The Guardian البریطانیة.
عقیدة بایدن
وأشار مختصون فی السیاسات الخارجیة أنَّ عقیدة بایدن الناشئة عن وضع حد "للحروب اللانهائیة" وحمایة العمال الأمریکیین من المنافسة الصینیة ستتطلب التزامات اقتصادیة وعسکریة جماعیة من دول الاتحاد الأوروبی التی لا تزال مؤهلة للوفاء بها.
لکن إجمالاً، ترحب أوروبا بسیاسات بایدن وتأکیده على التعددیة والتعاون مع الدیمقراطیات الحرة فی فترة ما بعد "کوفید-19".
واعتُبِرَت تعهدات بایدن بإنهاء الفوضى المؤسسیة والعداء ضد الحلفاء وتملُق الحکام الدیکتاتوریین مصدر ارتیاح. ولیس بالضرورة تحدید الکفاءة والمصداقیة والحوار معیاراً للرئاسة، لکن البساطة والوضع الطبیعی سیُترجمان إلى إحیاء فکرة الغرب، وهو نفس الوضع المضطرب الذی شهده الغرب خلال السنوات الأربع الماضیة.
العودة للمنظمات الدولیة
وسیُعاد الانضمام إلى المؤسسات متعددة الأطراف، مثل منظمة الصحة العالمیة؛ مما سیضع حداً للتغیب المفاجئ للولایات المتحدة، على حد تعبیر تونی بلینکن، کبیر مستشاری بایدن للسیاسات الخارجیة. وکان بلینکن قد صرّح لمنظمة Chatham House البریطانیة "الحضور یمثل 90% من الحیاة"، مقتبساً کلمات الممثل وودی آلن.
یبدو أنَّ بایدن یجسد مدرسة السیاسة الخارجیة التی تحن للتعاون الأطلسی القدیم. لکن مسودة البرنامج السیاسی للحزب الدیمقراطی التی أصدرها الشهر الماضی تعکس تأثیر الیسار التقدمی، وجهوداً لاستیعاب الدروس من الهزیمة الانتخابیة الصادمة فی عام 2016.
بایدن أصبح یمیل للیسار
وأکد مات دوس، مستشار السیاسة الخارجیة لبیرنی ساندرز، فی حدیثه إلى المجلس الأوروبی للعلاقات الخارجیة، أنَّ بایدن مال إلى تیار الیسار، قائلاً إنه واجه تعبئة من التقدمیین بخصوص السیاسة الخارجیة على نحو لم یشهده باراک أوباما. ونتیجة لذلک، لم تعد السیاسة الخارجیة فی حالة جمود لدى الدیمقراطیین، وتُصاغ حالیاً روابط جدیدة بین السیاسة الخارجیة والسیاسة الاقتصادیة.
ویحتشد العدید من مستشاری السیاسة الخارجیة فی عهد أوباما الآن حول بایدن، الأمر الذی رفضه بعض المنتمین للیسار ووصفوه بـ"العرض المرعب"، ویعربون عن رفضهم لعودة الوضع ببساطة لما کان علیه قبل ترامب، قائلین إنَّ کل شیء قد تغیر منذ عام 2016.
لن یکرر خطأ أوباما فیما یتعلق بالسیاسة الخارجیة وخاصة العلاقات الأمریکیة الأوروبیة
فبعد صدمتهم بهزیمة هیلاری کلینتون، اعترفوا بصحة مزاعم الشعبویین الیمنیین (المؤیدین لترامب) بأنهم صاغوا سیاسة خارجیة أفضل تساعد حیاة الأمریکیین الیومیة داخل الوطن.
وکتب ویلیام بیرنز، وهو مسؤول سابق فی وزارة الخارجیة فی عهد أوباما وأحد مستشاری بایدن العدیدین، مؤخراً: "یجب أن تکون رفاهیة الطبقة الوسطى الأمریکیة هی المحرک الذی یقود سیاستنا الخارجیة. لقد تأخرنا کثیراً فی إجراء تصحیح تاریخی للمسار داخل الدولة".
من جانبه، یقول جیریمی شابیرو، باحث أول فی المجلس الأوروبی للعلاقات الخارجیة، "کان هناک ضغط على الدیمقراطیین لجعل سیاستهم الخارجیة أکثر صلة بالحیاة الیومیة الأمریکیة. وشعروا بأنَّ السیاسة الخارجیة فی إدارة أوباما کانت مثل اللعبة فی ید النخب المنفصلة عن الحیاة الیومیة للشعب الأمریکی. سیشهد التغییر من أوباما إلى بایدن المزید من الترکیز على أمریکا".
أنه یشکک فی التجارة الحرة، وسیطالب الحلفاء بمزید من الأموال، وهذا هو موقفه من ترکیا
ومن دون التهدید بحرب تعریفات جمرکیة، یلمح برنامج بایدن الانتخابی إلى شکوک فی التجارة الحرة والعولمة.
بعبارات سیاسیة أعم، سترحب أوروبا بالتزام بایدن بمعاهدة باریس بشأن تغیر المناخ، وبالناتو، الذی وصفه بایدن فی مؤتمر میونیخ الأمنی فی عام 2019 بـ"التحالف العسکری الأهم فی تاریخ العالم". ومما سیبعث الارتیاح فی نفس برلین، سیتوقف سحب القوات الأمریکیة من ألمانیا. وستسعى واشنطن إلى اتباع نهج أکثر اتساقاً تجاه ترکیا.
وبالمثل، فیما یتعلق بالإنفاق الدفاعی، ینبئ برنامج بایدن بخفض الإنفاق فی الداخل والمطالبة بـ: "حشد شرکاؤنا للقیام باستثمارات مستدامة یمکن أن تمنع الصراع وتطفئ النیران التی یتغذى علیها المتطرفون". ولن یهدد بایدن بالانسحاب من الناتو، لکن مثل معظم رؤساء الولایات المتحدة سیطالب أوروبا بإنفاق المزید من أجل تحمل مسؤولیة أمنها.
ولکن الفرنسیین قد یتخوفون من تخلیه عن الحکام المستبدین فی الخلیج
وقد یتخوف بعض الأوروبیین، وخاصة الفرنسیین، من النهج المعلن تجاه حکام الخلیج الاستبدادیین. إذ تقول مسودة البرنامج السیاسی: "لیس لدینا مصلحة فی استمرار حقبة حریة التصرف التامة التی تتبناها إدارة ترامب، أو الانغماس فی الدوافع الاستبدادیة، أو الخصومات الداخلیة، أو الحروب بالوکالة الکارثیة، أو الجهود المبذولة لدحر الانفتاحات السیاسیة فی جمیع أنحاء المنطقة".
وفی هذا السیاق، سیُوضَع حد لدعم الحرب السعودیة فی الیمن. وستکون موافقات الکونغرس على خوض الحروب أوضح لتجنب توسیع نطاق البعثات العسکریة.
ومع ذلک، تنص المطبوعة الصغیرة عن نزع السلاح الأمریکی على بعض القدرات. إذ تقترح "وجود عسکری صغیر ومحدود ومُرکّز فی العراق لهزیمة تنظیم الدولة الإسلامیة (داعش)". وسیُحتفَظ بوحدة لمکافحة الإرهاب فی سوریا. وستنسحب الولایات المتحدة "بمسؤولیة" من أفغانستان، لکن لم یُحدَّد جدول زمنی لتنفیذ ذلک.
وتنفیذ رؤیته بشأن إیران لیس بالأمر السهل
وفی ما یتعلق بإیران، ستتنفس الدول الأوروبیة الثلاث -فرنسا وألمانیا والمملکة المتحدة- الصعداء لأنَّ البرنامج السیاسی الدیمقراطی یفضل العودة إلى "الالتزام المتبادل" بالاتفاق النووی بین طهران وواشنطن. لکن سیکون من الصعب تنسیق الخطوات المتبادلة -رفع الولایات المتحدة للعقوبات وامتثال إیران للاتفاق- خاصة إذا عُقِدت أیة مفاوضات من هذا القبیل فی ظل الانتخابات الرئاسیة الإیرانیة المحتمل إجراؤها فی مایو/أیار.
وبخصوص العلاقات مع الصین، قد یستمر التقارب البطیء الجاری بالفعل بین أوروبا والولایات المتحدة، لکن بشکل أقل اضطراباً. وبالنسبة للأوروبیین المتخوفین من حرب باردة جدیدة، فإن اهتمام بایدن بالتصدی لتغیر المناخ یمثل مصدر ارتیاح لأنه سیجعل الصین شریکاً ضروریاً وکذلک خصماً.
وقد یتخذ نهجاً بارداً تجاه بریطانیا
وهناک دولة أوروبیة تحدیداً لدیها أسباب للخوف من رئاسة بایدن أکثر من بقیة الدول، وهی بریطانیا. ووفقاً لبن رودس، نائب مستشار الأمن القومی لأوباما، اعتبر فریق أوباما-بایدن خروج بریطانیا من الاتحاد الأوروبی "کارثیاً، وجزءاً حاسماً من انهیار النظام العالمی الذی تأسس عقب الحرب العالمیة الثانیة".
ویهاجم البرنامج السیاسی الدیمقراطی ترامب لأنه رأى "القومیین الیمینیین المتطرفین المناهضین للاتحاد الأوروبی على أنهم حلفاء سیاسیون ولیسوا خصوماً مدمرین". لن یفوز رئیس الوزراء البریطانی بوریس جونسون بأیة أفضلیة لدى إدارة بایدن بسبب عرقلة تقدم الاتحاد الأوروبی.
وفی الواقع، وحسبما یقول مدیر المجلس الأوروبی للعلاقات الخارجیة مارک لیونارد، فإنَّ فریق بایدن "لا یعتبر لندن قناة مفیدة للتأثیر على بقیة الاتحاد الأوروبی؛ مما یعنی أنها ستفقد بعض فائدتها لدى واشنطن. إنهم براغماتیون وسیعملون مع المملکة المتحدة، لکنهم لن یبذلوا أی جهود خاصة للتوصل إلى صفقة تجاریة مع المملکة المتحدة، وسیمنحون العلاقات مع الاتحاد الأوروبی أولویة على العلاقات مع لندن".
لکن بوریس جونسون، الذی کان دائماً سید التجدید، یمتلک فی جعبته سبلاً للرد. فقد أخذ زمام المبادرة فی الوقوف فی وجه الصین، ویشارک بایدن عدم ثقته فی فلادیمیر بوتین، حتى لو لم یلبِ تقریباً دعوة بایدن لیفضح الغرب "التدخل الروسی فی الانتخابات فی الوقت الفعلی".
إلى جانب ذلک، تمنح الرئاسة البریطانیة لمجموعة السبع ومؤتمر الأمم المتحدة للمناخ جونسون فرصاً کبیرة العام المقبل لإثبات أنه لیس الزعیم العالمی الذی یحافظ على شعلة ترامب حیة.