کیف خدعت الإمارات الدول الأسلامیة؟!

کریم قرط

بعد أن تم الإعلان عن اتفاق سلام إماراتی-إسرائیلی مرتقب بشکل مفاجئ، ثارت موجة من الانتقادات للتطبیع العربی، بینما أعلنت دول مثل مصر والبحرین تأییدهما ودعمهما لتلک الخطوة. ولکن دعونا نوضح بدایة أن الدول العربیة جمیعها لیست ضد التطبیع مع إسرائیل، وعقد سلام معها من حیث المبدأ، فقد توّج الطرح العربی للسلام مع إسرائیل، القائم على فکرة "الأرض مقابل السلام" بـ"مبادرة السلام العربیة" 2002، التی تنص صراحةً على أن الدول العربیة فی حال قیام دولة فلسطینیة على حدود 1967، وانسحاب إسرائیل من الجولان؛ ستعتبر الصراع منتهیاً، وستدخل فی علاقات سلام وتطبیع مع إسرائیل.

وقد کان الرئیس الفلسطینی محمود عباس یستغل هذه النقطة کثیراً فی المفاوضات مع إسرائیل أو فی خطابه لها، کورقة ضغط أو جزرة المفاوضات، حیث صرّح مراراً أن السلام مع الفلسطینیین سیجلب اعتراف الدول العربیة والإسلامیة بإسرائیل، معتبراً أن تلک الدول فی جیبه. ظلّ العرب، بشکل عام، ملتزمین بمبادرة السلام العربیة على المستوى الرسمی، وهذا ما کانت تتمخض عنه مخرجات القمم العربیة التی ربطت السلام مع إسرائیل بحل القضیة الفلسطینیة، لکن مباردة السلام العربیة لم تتوافق مع تصورات إسرائیل للسلام، التی اعتبرت أن المعادلة یجب أن تکون "السلام مقابل السلام"، ولیس الأرض مقابل السلام.

شاهدنا فی السنوات الأخیرة تحولات فی مواقف بعض الدول العربیة من عملیة السلام، فقد صرح ولی العهد السعودی محمد بن سلمان ذات مرة أن الفلسطینیین ضیعوا خلال 40 عاماً کل فرص السلام، وأن علیهم التوقف عن الشکوى والموافقة على الاقتراحات المقدمة إلیهم، وأضاف أن القضیة الفلسطینیة لیست ضمن أولویات السعودیة. ترافقت تلک التصریحات وأتبعت بحملة إعلامیة وفنیة فی السعودیة والإمارات وغیرهما، لتشویه الفلسطینی والتودد لإسرائیل. 

أصبحت القضیة الفلسطینیة، ضمن هذا المنطق، عقبة یجب إزالتها أمام السلام مع إسرائیل والتحالف معها. أی القبول بالمبدأ الإسرائیلی "السلام مقابل السلام". فالقضیة الفلسطینیة لیست ضمن أولویات بعض الدول العربیة التی تنظر إلى إسرائیل کحلیف مهم  فی مواجهة إیران وغیرها من الدول الإقلیمیة التی تختلف توجهاتها عن توجه تلک الدول.

أتت صفقة القرن وإرهاصاتها السابقة ملبیة للطموح السعودی-الإماراتی فی التخلص من القضیة الفلسطینیة بأی شکل، حتى یتمکنوا من مباشرة العلاقات العلنیة مع إسرائیل. ففضلاً عن "ورشة المنامة" والدعم الإماراتی السعودی لها، ومشارکة وزراء خارجیة الإمارات وعمان والبحرین فی مؤتمر الإعلان عن صفقة القرن؛ فإن الإمارات العربیة أعلنت صراحة على لسان وزیر خارجیتها أنها تدعم الخطة، وترى فیها نقطة انطلاق للتفاوض. وتبع ذلک تصریح لعبدالله بن زاید على حسابه فی تویتر "أن الفلسطینیین یخسرون فی کل مرة یقولون لا".

ما یهمنا الآن هو أن الإمارات کانت داعمة وموافقة على صفقة القرن، وکما هو معلوم فإن توجه الحکومة الإسرائیلیة لضم مناطق شاسعة فی الضفة الغربیة هو أحد تجلیات صفقة القرن، فکیف أقدمت الإمارات على خطوة السلام مع إسرائیل لوقف الضم وهی أصلاً موافقة علیه؟

إننی أعتقد أن ربط الإمارات سلامها مع إسرائیل بتجمید الضم، وفی هذا التوقیت، جاء فی الأساس کخدمة لرئیس الوزراء الإسرائیلی نتنیاهو لا الفلسطینیین بأی حال من الأحوال. حیث إن نتنیاهو کان قد بنى حملته الانتخابیة فی الجولات الانتخابیة الثلاث السابقة على أنه سیضم الضفة الغربیة أو أجزاء منها، وقد حدد شهر یولیو/تموز الماضی موعداً لذلک الضم، إلا أنه لم یحدث. بغض النظر عن الأسباب التی حالت دون حدوثه فإن نتنیاهو بدا وکأنه أخلف وعده الانتخابی لجمهوره، وهنا کان لا بد من إنجاز جدید یغطی به على إخلاف وعده. وقد جاء السلام مع الإمارات، الذی ضرب به نتنیاهو عصفورین بحجر واحد، کنصر خاطف سیزید من أسهمه السیاسیة. فالحکومة الإسرائیلیة الآن تعیش أزمة سیاسیة، أسهم نتنیاهو فی افتعالها، تهدد بعقد انتخابات برلمانیة رابعة، کما أن نتنیاهو یواجه احتجاجات عارمة ضد حکومته وفساده وتردی الأوضاع الاقتصادیة الناتجة عن تفشی وباء کورونا.

کان نتنیاهو یصرح کثیراً بأنه توصّل لاختراقات فی العلاقات مع عدد من الدول العربیة والإسلامیة، ویصور ذلک الأمر على أنه إنجاز مهم له. وفی ضوء الأزمات التی یعانی منها فی الوقت الحالی، أتى الإعلان الفجائی عن اتفاق سلام مع الإمارات، لینقذ نتنیاهو من الأزمات المتعددة التی تحیق به. فالأسلوب الدرامی الذی تم الإعلان به عن الاتفاق یبین بوضوح أنه جاء لخدمة نتنیاهو شخصیاً. فحسب الإعلام الإسرائیلی قام نتنیاهو بالخروج الفجائی من جلسة الحکومة قائلاً "ستعلمون بعد ساعة لماذا خرجت". غطى الاتفاق على إخلاف نتنیاهو لوعده بضم أجزاء من الضفة الغربیة؛ کونه جمّد الضم کرامة للإمارات، وهو ما أصبح نصراً جدیداً یضاف إلى رصیده السیاسی، هذا فی ضوء أن إسرائیل لم تتراجع عن الضم وإنما فقط جمّدته. المضحک فی الأمر أنه إذا أعلنت إسرائیل نیتها الضم مجدداً فإننا قد نشهد اتفاق سلام مع دولة عربیة جدیدة لإعادة تجمید الضم، وهکذا دوالیک.

 ربما نشهد فی الأیام المقبلة انتخابات إسرائیلیة رابعة اعتماداً من نتنیاهو على زخم الاتفاق مع الإمارات، لأن نتنیاهو یفتعل الأزمات حالیاً مع شریکه فی الحکومة بینی غانتس، لدفعه لفکّ الائتلاف الحکومی والتوجه نحو انتخابات رابعة. ومن المؤکد أن نتنیاهو سیستغل الاتفاق مع الإمارات لتعدیل وضعه فی الکنیست والحصول على أغلبیة یمینیة تمکنه من تشکیل حکومة بزعامته.

إلى ذلک، فإن الإمارات العربیة المتحدة والمملکة العربیة السعودیة یبدو أنهما تسارعان للتطبیع مع إسرائیل، للإعلان عن تحالف جدید فی مواجهة الخطر الإیرانی، کما تتصورانه. وتتمتع إسرائیل فی هذا السیاق بمیزة نسبیة إزاء إیران، تجعلها حلیفاً مناسباً للإمارات والسعودیة، وهی امتلاک إسرائیل للسلاح النووی، الذی تخشى دول الخلیج من امتلاک إیران له وتهدیدها به. کما أن إسرائیل/الحلیف تُقاسم دول الخلیج خوفها من امتلاک إیران للسلاح النووی، وهی أیضاً تشارکها العداء للثورات العربیة والحرکات الإسلامیة، التی ترى فیها دول الخلیج تهدیداً وبدیلاً محتملاً لأنظمتها الاستبدادیة. ولذلک فإننی أعتقد أن المحاور المائعة غیر واضحة المعالم ستتحدد أکثر وتتخذ أشکالاً أکثر تنظیماً بعد هذا الاتفاق وما سیتبعه من اتفاقات.

وبشکل عام، فإن هذا الاتفاق غیر تاریخی وغیر جدید فقد سبقته عدة اتفاقیات سلام مع إسرائیل، مصر والأردن ومنظمة التحریر، ولن یکون الأخیر. والذی سینتج عنه هو ازدیاد کفر الشعوب العربیة بأنظمتها وتعلقها بالقوى الخارجیة التی ترفع القضیة الفلسطینیة ولو کشعار، مثل إیران وترکیا. فالمتأمل یجد أن الدول المحیطة بنا تتطور داخلیاً واقتصادیاً، وتزداد قوتها السیاسیة وتأثیرها الخارجی، وضمن ذلک یزداد اهتمامها بالقضیة الفلسطینیة وحقوق الشعب الفلسطینی، بینما الدول العربیة ما زالت تنحدر على کافة الأصعدة، وتجری وراء التحالف مع إسرائیل بدلاً من أن تعمل على بناء أوطانها وخدمة شعوبها والوقوف صفاً واحداً مع القضایا العربیة المشترکة.

إن بعض الدول العربیة التی تسعى للسلام مع إسرائیل طمعاً فی قوة دفاعیة مشترکة، أو تقدم مزعوم، تتناسى عن عمد أن إسرائیل منذ وُجدت کانت کیاناً معادیاً للعرب وقضایاهم، وحتى یومنا هذا. فقد انتشرت مؤخراً تقاریر عن وجود دفاعات جویة إسرائیلیة حول سد النهضة الإثیوبی، الذی یهدد أمن مصر المائی. نفى مصدر أمنی إسرائیلی ذلک الخبر لاحقاً، ولکن التجارب والحقائق علمتنا أن إسرائیل کیان معادٍ للعرب وقضایاهم، أعلنت ذلک أم أخفت. ولو أن الإمارات والسعودیة وغیرهما یعتقدون أن الازدهار سیحل علیهم نتیجة السلام مع إسرائیل؛ فمصر والأردن لم تزدهرا ولم تصبحا دولاً متقدمة بعد السلام مع إسرائیل. ولو أن أحداً سیستفید من الاحتلال الإسرائیلی لکان الشعب الفلسطینی هو أول مستفید، ولکنه لم یستفد سوى أن أصبح عاملاً أجیراً لدى المستعمر، من خلال علاقة تشبه علاقة السید والعبد.

لذلک، فکل الحجج والمبررات التی تُساق لتسویغ السلام مع إسرائیل تتهاوى قبل أن یبدأ النقاش حولها. وإن المستفید الأول والأخیر من السلام مع إسرائیل هی الأنظمة العربیة الفاسدة، التی تسعى لتوطید حکمها ومواجهة خصومها الفعلیین والمحتملین.




محتوى ذات صلة

نتنیاهو عبث بالصاعق وخسر المعرکة

نتنیاهو عبث بالصاعق وخسر المعرکة

الحدیث عن مشهد الصورایخ التی تدک تل ابیب وتحول لیلها نهارا مهم، لاسیما وان هذا المشهد غیّر فی معادلة الصراع وغیّر قواعد الاشتباک بین المقاومة الفلسطینیة والمحتل الاسرائیلی

|

السید خامنئی: الفلسطینیون أینما کانوا هم جسد واحد

السید خامنئی: الفلسطینیون أینما کانوا هم جسد واحد

المرشد الإیرانی یؤکد على أهمیة تضامن القطاعات الفلسطینیة وتلاحمها بوجه الاعتداءات الإسرائیلیة، ورئیس مجلس الشورى یدین الجرائم الإسرائیلیة، وعشرات الإیرانیین فی العاصمة طهران یتظاهرون تضامناً مع فلسطین ونصرةً للقدس وغزة.

|

ارسال التعلیق