محلل سياسي يشرح عن الأمور الذي تريدها اسرائيل في الإمارات
تلقَّى العالَم الإسلامي والعرب صفعة جديدة، يوم الخميس 13 أغسطس/آب 2020، ألا وهو اتفاق السلام المزعوم بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، كأن سنة 2020 تأبى أن ترحل دون أن تكيل لنا اللكمة تلو اللكمة والصفعة عقب الصفعة، وقبل أن نتمالك أنفسنا من الترنح الذي أصابنا من أثر اللكمة تنهال علينا لكمة أخرى تكاد تطيح بنا أرضاً!
وقد وصف وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية وإسرائيل باليوم التاريخي، مؤكداً أنه خطوة مهمة إلى الأمام من أجل السلام بالشرق الأوسط، إلا أن الحقيقة هي أن هذا اليوم "يوم أسود" في تاريخ الأمة، حيث وقَّع محمد بن زايد على هذا الاتفاق بحبر الخيانة والعار، فأي سلام تسعى الإمارات إلى تحقيقه مع دولة الاحتلال الإسرائيلي؟! فهل يا تُرى أُنهكت دولة الإمارات من حروبها المستمرة التي لم نسمع عنها وكان يشنُّها مقاتلوها وهم يرتدون "طاقية الإخفاء"؟! أم عزَّ عليها كثرة الجرحى والقتلى الذين تشيّعهم كل يومٍ نتيجة سقوطهم ضحايا العمليات الفدائية ضد إسرائيل فقررت توقيع اتفاق السلام لحقن دماء أبنائها؟
فكم ذا من المضحكات المبكيات في بلاد العرب! فجميعنا يعلم أن دولة الإمارات لم تخُض يوماً حرباً مع دولة إسرائيل، كما أنه لا يجمع الدولتين حدود مشتركة حتى يكون هناك اقتتال بينهما.
جاء الاتفاق وفقاً لما أعلنته وسائل الإعلام إثر مكالمة هاتفية ثلاثية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لكل من نتنياهو ومحمد بن زايد، حيث إن الإعلان جاء بمثابة خدمة للرئيس ترامب قبيل الانتخابات الأمريكية، حيث يعاني ترامب من مشاكل داخلية تهدد فوزه بولاية رئاسية ثانية وعلى رأسها أزمة كورونا، وكان الإعلان عن اتفاق السلام بمثابة دفعة لسياسته الخارجية وإنجاز يُحسب له، حتى إنه قال مازحاً عقب الإعلان عن اﻻتفاق إن الاتفاق الذي سُمي "اتفاق أبراهام"؛ تيمناً برمزية نبي الله "إبراهيم" في الديانات الثلاث: الإسلامية والمسيحية واليهودية، كان من الأولى أن يسمى "اتفاق دونالد ج ترامب"؛ بل إن روبرت سي، مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي، صرح في مؤتمر صحفي، بأن الرئيس الأمريكي يجب أن ينال "جائزة نوبل للسلام" لجهوده في إنجاز هذا الاتفاق.
ورغم صدمة الكثيرين في العالم العربي من هذا الاتفاق، فإنه في الواقع لم يكن مفاجأة لأي مراقب للشأن العربي؛ فإن دولة الإمارات مرتمية في أحضان العدو الإسرائيلي منذ سنوات، وكانت تمارس التطبيع ولكن في السر دونما كشف عن علاقتها الحميمية بدولة إسرائيل. بل إن إسرائيل تربطها علاقات حميمية مع كثير من دول الخليج ولكن ذلك يتم في الخفاء وليس في العلن، فمن المعلوم أن كثيراً من أعضاء جهاز المخابرات الإسرائيلي يقومون بزيارات سرية للإمارات والسعودية وغيرهما من الدول الخليجية؛ بل إنه في عام 2018 استقبل السلطان الراحل قابوس بن سعيد بسلطنة عمان، رئيسَ وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، في زيارة رسمية رتَّب لها يوسي كوهين رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، كما استضافات دولة البحرين اجتماعاً بقيادة البيت الأبيض لتدشين خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط والمعروفة اعلامياً بصفقة القرن.
بل لقد بدأت إرهاصات التطبيع مع الإمارات بشكل علني، وتجلَّت أكثر وضوحاً عندما نشر يوسف العتيبي، سفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة الأمريكية، مقالة بصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية واسعة الانتشار في إسرائيل وجاء العنوان "إما الضم وإما التطبيع "، معبراً عن وجهة النظر الرسمية الإماراتية، فالعتيبي كان في منصب رسمي كسفير لبلاده، وبالتالي فإن مقالته لا تعبر عن وجهة نظره الشخصية؛ بل عن موقف بلاده الرسمي.
وجاءت جائحة كورونا لتعزز التطبيع الإسرائيلي الإماراتي بدرجة أكبر، حيث أقامت الإمارات جسراً جوياً لنقل المواد الطبية إلى دولة إسرائيل برحلات جوية مباشرة، وهو ما سارعت الإمارات إلى نفيه عندما أعلنت عنه إسرائيل.
بات من غير المستبعد الآن أن نرى هرولة من سلطنة عمان ودولة البحرين إلى التطبيع الرسمي على غرار دولة الإمارات، ضاربين عرض الحائط بالإجماع العربي منذ عام 1950 على عدم التطبيع مع إسرائيل، واتفاق كامب ديفيد مع مصر عام 1979؛ بل اتفاق أوسلو مع السلطة الفلسطينية عام 1993، واتفاق سلام وادي عربة مع الأردن عام 1994، ومبادرة اتفاق السلام العربية التي تقدمت بها السعودية عام 2002، وقد نصت كل هذه الاتفاقيات على معادلة "الأرض مقابل السلام"، بمعنى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة وإيقاف الاستيطان وتسوية قضية اللاجئين.
لكن اتفاق السلام الذي أبرمته الإمارات دشَّن مرحلة المعادلة الجديدة وهي "السلام مقابل السلام"، كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في حين أن المعنى الحقيقي لما يقوله هو "السلام مقابل لا شيء"! إنه سلام الخنوع والاستسلام للأمر الواقع، وقد أشاد هارون ديفيد ميللر، المفاوض الذي سبق أن شارك في محادثات السلام فترة طويلة والذي يعمل بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي الآن، بهذا الاتفاق وقال إن هذا الاتفاق "a win –win-win-lose" بمعنى أنه اتفاق رابح لثلاثة أطراف بالمعادلة وخاسر للطرف الرابع، أما الأطراف الثلاثة الرابحة فهم: ترامب ونتنياهو وبن زايد. أما الطرف الرابع الخاسر فهم الفلسطينيون الذين يقفون الآن موقف المتفرج بينما الدول العربية تتقارب أكثر مع إسرائيل، حيث يكافأ نتنياهو على تجاهله للفلسطينيين وتقويضه لهم، وذلك حسبما جاء في جريدة نيويورك تايمز الأمريكية.
ولكن واقع الأمر يقول إن الرابح من هذا الاتفاق هو ترامب ونتنياهو فقط، أما بن زايد فهو ما انفكَّ يستغل ما حباه الله به في خيانة قوميته وبني جِلدته ودينه؛ ليشتري عَرَض الدنيا الزائل ويكسب رضى أسياده الذين لا يتوانى عن لعق أحذيتهم؛ ليحافظ على عرشه، ويستغل أمواله وثروات بلاده في إحداث الفوضى والدمار والخراب في الدول المحيطة، فحتى قرار وقف الضم الذي تذرع به لحفظ ماء وجهه مقابل هذا الاتفاق أنكره رئيس الوزراء الإسرائيلي وغاريد كوشنر اليهودي زوج ابنة ترامب وأحد كبار مستشاريه للشرق الأوسط، حيث قالا إن ما تم الاتفاق عليه هو مجرد إرجاء مؤقت لقرار الضم.
لقد ابتُليت الأمة بثلَّة من الحكام الخونة الذين لن يلبث أن يأتي يوم وتحاسبهم شعوبهم حساباً عسيراً. فمهما طال الزمن أو قصر ومهما تمرغوا في أوحال الخيانة والعار، فلا بد أن تأتي لحظة الحساب؛ لأن الله آلى على نفسه إلا أن ينصر المظلوم ولو بعد حين.