إعادة انتشار بطعم الهزیمة.. والمقاومة لن تترک أمریکا فی العراق
خمسة آلاف جندی أمریکی ینتشرون فی العراق بات الیوم وجودهم مهدداً فی کُلِّ لحظة بعد أن باتت صواریخ المُقاومة العراقیة تنهال علیهم من کلِّ جانب، خصوصاً بعد ارتکابهم لجریمة القرن باغتیال الشهیدین قاسم سلیمانی وأبو مهدی المُهندس، وتکون هذه الجریمة التی أشعلت الأرض من تحت الجنود الأمریکیین الذی اتخذوا مُحاربة تنظیم داعش الإرهابی شمّاعة لوجودهم هناک، على الرّغم من أنّ الحشد الشعبی وبعد فتوى المرجعیة هی من قامت بالوقوف بوجه ذلک التنظیم الإرهابی، والیوم وبعد أن أصبحت حیاة الجنود الأمریکیین هناک لا تُطاق قرروا الانسحاب من أبرز قواعدهم فی العراق (قاعدة التاجی) وترکها للعراقیین، لکن السؤال الذی یبرز هنا هو أین ذهبت القوّات الأمریکیّة، وهل فعلاً انسحبت من العراق بشکلٍ کامل، أمّ أنّ ما جرى لا یعدو کونه عملیة إعادة انتشار؟
إعادة انتشار بطعم الهزیمة
جُلُّ ما باتت تتمناه قیادة القوّات الأمریکیة فی العراق أن تتوقف صواریخ المُقاومة عن دک قواعدهم العسکریة، وعلى هذا الأساس یمکن قراءة المشهد بوضوحٍ أکبر، حیث أنّ ما قامت به القوّات الأمریکیة لیس أکثر من عملیة إعادة انتشار للجنود الأمریکیین فی العراق، والهدف من هذه العملیّة هو الابتعاد عن صواریخ المُقاومة التی باتت تفتک بالجنود الأمریکیین، ومع هذه الصواریخ بات وجود هذه القوّات شبه مُستحیل فی قواعدهم الحالیّة.
وبات من الواضح أنّ بقاء تلک القوّات تحت رحمة الصواریخ التی لا یستطیعون معها صبراً تُشکّل مصدر قلق بالغ بالنسبة للجنود الموجودین الذین باتوا یخشون على حیاتهم وأن یعودوا إلى ذویهم بتوابیت خشبیة، خصوصاً وأنّ البنتاغون ومن خلفه ترامب یُصرّون على بقاء القوّات الأمریکیة فی العراق، لیکون الخیار الأمثل بالنسبة لهم تغییر مواقعهم وإعادة نشر تلک القوّات علّها تُصبح فی مأمن من صواریخ المُقاومة العراقیّة.
أکثر من ذلک؛ تُحاول القوّات الأمریکیة أن تبدو غیر مرئیة بالنسبة للعراقیین، وعلى هذا الأساس باتت قیادة تلک القوّات تُغادر المُدن والقرى العراقیّة ابتعاداً عن استفزاز العراقیین بوجود هذه القوّات بین ظهرانیهم، وهنا کان القرار الأمریکی بضرورة ترک المُدن والقرى وکافة التجمعات السکانیة والابتعاد عن أعین النّاس.
أکثر من ذلک یبدو الغضب الأمریکی واضحاً من هذه الهزیمة من خلال رفضه دخول وسائل إعلام المُقاومة، ومنعه تلک الوسائل من تغطیة الانسحاب الأمریکی، الأمر الذی یشی بکمیّة الألم الذی سببته تلک الوسائل للأمریکیین نتیجة تغطیتها لکافة عملیات المُقاومة.
هُروب مُنظم
کاذبة تدعی قیادة القوّات الأمریکیة أنّ عملیة الانسحاب هذه کان مُخطط لها منذ ثلاث أعوام، ولو کان ذلک، فلماذا لا تزال موجودة إلى الآن؟ من الواضح أن تصریحات الأمریکیان الحالیّة بخصوص عملیة إعادة الانتشار هذه تأتی من باب حفظ ماء الوجه، حیث أتت هذه التصریحات وسط مؤشرات على أن الوجود العسکری الأمریکی یزداد صعوبة فی العراق، على الأقل فی شکله الحالی، فی تداعیات مقتل الجنرال سلیمانی وصدیقه أبو مهدی المهندس فی غارة جویة أمریکیة غادرة بطائرة مسیرة قبل حوالی ستّة أشهر.
بالإضافة لما سبق؛ یبدو أنّ عملیة إعادة الانتشار هذه تأتی بهدف تخفیف التوتر بین العراقیین والجنود الأمریکیین الموجودین فی العراق، بعد أن بات العراق ساحة موجهةٍ أمامیّة لأمریکا، وهو الأمر الذی لن یُرضی العراق، وحتى إعادة نشر تلک القوّات فی قواعد أخرى أتى بعد تقدیم ضمانات کما یقول مُراقبون بأن لا تستخدم القوّات الأمریکیة الساحة العراقیة لتنفیذ سیاساتها فی المنطقة، وأن لا یکون العراق قاعدة انطلاق لتلک القوّات لمهاجمة أیّ دولٍ أخرى من دول المنطقة، خصوصاً بعد أن تحوّلت أولویّة السیاسات الأمریکیّة من هزیمة تنظیم داعش الإرهابی إلى حملة للضغط على الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة والحکومة السوریّة.
وفی النهایة؛ وبعد الخسائر الأمریکیة المُتوالیة فی المنطقة ابتداءً من أفغانستان التی تذوقت القوّات الأمریکیة فیها طعم الخسارة، ووصولاً إلى سوریا التی وصف وجود قوّاته انتحار حیث یقول: "لا أرید البقاء فی سوریا للأبد، إنها رمل وموت"، وعلى هذا الأساس بات من الضروری للقیادة الأمریکیة أن تُبقى فی المنطقة، هنا ولم یجد ترامب وجنرالاته مکاناً أفضل من العراق، فی محاولته لإبقاء سیطرته على المنطقة فموقع العراق الاستراتیجی یُخوّل الأمریکیین فی حال بقائهم هناک السیطرة على کل المنطقة، بالطبع هذا ما یُریده الأمریکیون، لکن هل ستسمح المُقاومة العراقیة للقوات الأمریکیة بالبقاء فی العراق واستفزاز دول الجوار، أو استخدام العراق کقاعدة انطلاق لمهاجمة باقی دول المنطقة، بالطبع لا، ومن المُنتظر أن تستمر الحرب غیر المُعلنة بین الجانبین حتى خروج آخر جندی أمریکی من العراق، وبغیر الانسحاب الکامل لن ترضى قوّات المُقاومة.