آفاق تشکیل الحکومة اللبنانیة الجدیدة برئاسة مصطفى أدیب

بعد استقالة حکومة سعد الحریری إثر احتجاجات شعبیة رداً على تدهور الوضع الاقتصادی والمالی، تم تشکیل حکومة لبنانیة جدیدة برئاسة "حسان دیاب" فی 21 کانون الثانی 2020.

تشکلت حکومة دیاب بینما کان لبنان یعانی من أزمة اقتصادیة ومالیة غیر مسبوقة، مثل الرکود الاقتصادی وتزاید الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وإغلاق بعض المؤسسات وزیادة الدین العام واحتمال عدم القدرة على سداده، کما زادت أزمة تفشی کورونا الأوضاع سوءاً.

شرعت هذه الحکومة فی برنامج إصلاحی شامل لمکافحة الفساد فی لبنان، قوبل منذ البدایة بالتخریب والعرقلة من قبل الأحزاب الموالیة للغرب والتدخل الأمریکی المباشر وغیر المباشر، وتم اتخاذ خطوات مختلفة لحلها.

وبینما کانت حکومة حسان دیاب تواجه التحدیات الاقتصادیة وأزمة کورونا فی لبنان، وقع الانفجار المدمر فی مرفأ بیروت فی 4 آب 2020، والذی نجم عن انفجار أکثر من 2700 طن من نترات الأمونیوم فی مستودع بالمرفأ، وهو ما فاقم الأوضاع المتأزمة فی لبنان أکثر فأکثر.

تداعیات هذه الحادثة الکارثیة، التی راح ضحیتها أکثر من 170 شخصًا، بینهم بعض الشخصیات اللبنانیة البارزة، وخلَّفت أکثر من 6000 جریح ومئات الآلاف من النازحین، لم تقتصر على القطاعین الاقتصادی والإنسانی، بل هزت العملیة السیاسیة اللبنانیة بشدة.

لیلة الحادثة، هاجم مواطنون لبنانیون وزارات ومبانٍ حکومیة فی بیروت وأتلفوا وثائق وملفات، وقد أفادت بعض المصادر بأن هذه الأعمال کانت مخططةً مسبقاً وکانت تهدف إلى إزالة ملفات الفساد.

وبینما حاولت الحکومة اللبنانیة تهدئة الوضع والترکیز على محاولة تقلیل الخسائر والأضرار التی نجمت عن انفجار بیروت والطریقة المناسبة لمساعدة الجرحى، أعلن أعضاء مجلس الوزراء أنهم لیسوا قادرین علی التعامل مع الاتهامات والمشاکل المتراکمة، وخاصةً بعد هذا الانفجار، وقد استقالوا واحداً تلو الآخر.

وأخیرًا، اضطر حسان دیاب إلى الاستقالة فی 10 آب 2020، بعد أقل من أسبوع على انفجار مرفأ بیروت، وعادت العملیة السیاسیة فی لبنان إلى مربع الصفر.

تدخلات المحور الغربی-العربی فی عملیة تشکیل حکومة جدیدة مناهضة للمقاومة

طبعاً فی هذه الأثناء یجب ألا نتجاهل الفتن الأمریکیة السعودیة الصهیونیة لاستغلال انفجار بیروت، لأهداف مناهضة للمقاومة.

حیث استخدمت السعودیة، حتى قبل أمریکا والکیان الصهیونی، أدواتها الإعلامیة والدعائیة لرکوب موجة المأساة اللبنانیة لخدمة مصالح واشنطن وتل أبیب، ثم بدأ المسؤولون الصهاینة والبیت الأبیض تصریحاتهم الاستفزازیة فی هذا الصدد.

وبعد بدء الآلیة لتشکیل الحکومة الجدیدة فی لبنان بعد استقالة حسان دیاب، کان الخیار الأول البارز هو سعد الحریری، کما أعلن رئیس مجلس النواب اللبنانی "نبیه بری" دعمه لعودته إلى منصب رئیس الوزراء. فی غضون ذلک، کان "نواف سلام" المحامی والدبلوماسی والقاضی فی محکمة "لاهای"، من بین المرشحین لهذا المنصب فی لبنان.

وکما جرت العادة فی الفترات السابقة، کان التدخل الواضح للأجانب، بقیادة فرنسا وأمریکا فی انتخاب رئیس الوزراء وتشکیل الحکومة اللبنانیة، واضحًا تمامًا.

فی هذه الأثناء، لا تزال القوات المدعومة من أمریکا والسعودیة، إلى جانب الکیان الصهیونی والإمارات، والتی فشلت فی سیناریو محکمة "رفیق الحریری" لضرب المقاومة اللبنانیة، تسعى إلى تشکیل حکومة محایدة أو تکنوقراطیة لإخراج حزب الله من الساحة السیاسة اللبنانیة.

وکان إجراء انتخابات نیابیة مبکرة بهدف إنهاء رئاسة "میشال عون" وحل مجلس النواب من أهم مطالب هذا المحور، والذی عبر عنه "سمیر جعجع" زعیم حزب القوات اللبنانیة وأحد العناصر الرئیسة فی تیار 14 آذار.

کما تراجعت فرنسا، التی سعت فی البدایة إلى إملاء مطالب أمریکا بتشکیل حکومة لبنانیة على السلطات اللبنانیة، وعرضت تشکیل حکومة ائتلافیة.

وفی هذا الصدد، أکد "السید حسن نصر الله" الأمین العام لحزب الله فی لبنان، فی خطاباته الأخیرة، علی تشکیل حکومة فاعلة فی لبنان، وعبَّر فی کلمة له بمناسبة عاشوراء ذکرى استشهاد الإمام الحسین علیه السلام، عن أمله فی نجاح الاستشارات البرلمانیة لتشکیل الحکومة. کما شدد على ضرورة تجنب أعمال الشغب والإجراءات الاستفزازیة فی الشوارع، مرحِّباً باقتراح تشکیل حکومة توافقیة ترضی جمیع الأطراف.

ولکن بینما کان سعد الحریری، حتى قبل أیام قلیلة، هو المرشح الأکثر ترجیحًا لمنصب رئیس الوزراء اللبنانی، کما دعمته باریس أیضًا بعد صخب طویل، أعلن صراحةً أنه لن یترشح لهذا المنصب.

وفی السیاق نفسه، قدَّم سعد الحریری، ومعه رؤساء وزراء لبنان السابقون فؤاد السنیورة وتمام سلام ونجیب میقاتی، فی بیان مشترک، سفیر لبنان فی ألمانیا "مصطفى أدیب" کخیار لتشکیل الحکومة، والذی تم بحثه فی الاستشارات البرلمانیة الملزمة.

کما لم یعارض التیار الوطنی الحر وحرکة أمل وحزب الله هذا الخیار، وأعلن رئیس کتلة "الوفاء للمقاومة" فی مجلس النواب اللبنانی "محمد رعد"، أن کتلته وافقت على اختیار مصطفى أدیب لتشکیل الحکومة.

تم تعیین رئیس مجلس الوزراء أخیراً

"مصطفى أدیب" حاصل على درجة الدکتوراة فی القانون والعلوم السیاسیة. وکان محاضرًا فی القانون الدولی والدستور والجغرافیا السیاسیة والعلاقات الدولیة فی جامعات مختلفة فی لبنان وفرنسا.

بدأ التدریس فی کلیة بیروت العسکریة عام 2000، وعمل أستاذاً مساعداً فی الجامعات اللبنانیة. کما یشغل أدیب منصب رئیس جمعیة القانون الدولی والجمعیة اللبنانیة للعلوم السیاسیة، وعضو فی جمعیة خریجی الجامعات الفرنسیة، والجمعیة العربیة للعلوم السیاسیة، والجمعیة الدولیة للقانون الدستوری، ومرکز "المرصد" من أجل السلم الأهلی الدائم.

کما عمل مستشاراً لرئیس الوزراء اللبنانی الأسبق "نجیب میقاتی" عام 2000، حتى تعیینه سفیراً للبنان فی ألمانیا فی 18 تموز 2013.

وکتب موقع "النشرة" الإخباری فی تقریر، أن بعض الأحزاب قد اتفقت أیضاً بشأن بعض الحقائب الرئیسیة، وتشیر المعلومات إلى أن هذه الأحزاب تسعى لإرضاء صندوق النقد الدولی والغرب. وتظهر المعلومات أن سعد الحریری ونجیب میقاتی اتفقا على من یتولی منصب وزیر الداخلیة.

وأخیرًا، فی نهایة الاستشارات النیابیة، استطاع أدیب الحصول علی الأصوات اللازمة لتشکیل الحکومة بـ 90 صوتًا. کما حصل "نواف سلام" على 16 صوتاً، وحصل کل من "ریا الحسن" و"الفضل شلق" علی صوت واحد.

یبدو أن نجاح استشارات الأحزاب اللبنانیة بشأن تشکیل حکومة جدیدة، یمکن أن یکون نقطة تحول فی العملیة السیاسیة اللبنانیة للخروج من الأزمات المختلفة، طبعاً شریطة عدم تکرار سیناریوهات حکومة حسان دیاب