زیارة "ماکرون" إلى بغداد.. محاولات فرنسیة للخروج من تحت مظلة الهیمنة الأمریکیة فی غرب آسیا

وصل الرئیس الفرنسی "إیمانویل ماکرون" إلى بغداد یوم الـ 2 أیلول / سبتمبر 2020، للقاء مسؤولین عراقیین وسیلتقی "ماکرون" خلال زیارته هذه بالرئیس العراقی "برهم صالح" ورئیس الوزراء "مصطفى الکاظمی" و"محمد الحلبوسی" رئیس مجلس النواب ورئیس إقلیم کردستان "نیجیرفان بارزانی" والسید "عمار الحکیم" رئیس حرکة الحکمة الوطنیة العراقیة ومسؤولین عراقیین آخرین. الجدیر بالذکر أن الرئیس الفرنسی هو أکبر مسؤول سیاسی أجنبی یزور العراق منذ تنصیب رئیس الوزراء "مصطفى الکاظمی" فی الـ7 أیار/مایو 2020 الماضی. فی الواقع، لقد خطط "ماکرون" للسفر إلى بغداد فی أواخر عام 2019، ولکن الاحتجاجات الشعبیة التی انتشرت فی العدید من المدن والمحافظات العراقیة، أجبرته على تأخیر زیارته للعراق. وتأتی زیارة "ماکرون" إلى العراق فی الوقت الذی إنتهاء فیه من زیارة العاصمة اللبنانیة بیروت للمرة الثانیة عقب زیارته الأولى التی قام بها فی 16 یولیو 2020 الماضی. وحول هذا السیاق، کشفت العدید من المصادر الاخباریة بأن الرئیس "ماکرون" تحدث فی مدینة بیروت خلال زیارته حول حالة الطوارئ اللبنانیة بعد الانفجار المروع الذی وقع فی میناء بیروت وتحدث أیضا عن بعض الشروط لتقدیم مساعدات دولیة للحکومة اللبنانیة. وبعد هذه الزیارة، غادر "ماکرون" إلى العاصمة العراقیة بغداد، لإیصال رسالة للعالم بأن فرنسا تدعم استقلال ووحدة العراق. وإذا أخذنا هذة المواقف معًا، فسوف یظهر لنا أن فرنسا تسعى إلى استعادة دور باریس التاریخی فی منطقة غرب آسیا، وذلک من خلال النفوذ والتمرکز فی بغداد وبیروت.

الجدیر بالذکر أن الرئیس الفرنسی "ماکرون" أکد فی مؤتمر صحفی مشترک مع نظیره العراقی "برهم صالح"، أثناء زیارته إلى بغداد، على أن التدخلات الخارجیة تضعف الدولة العراقیة. کما أعرب "ماکرون" أن العراق یواجه تحدیات عدة بسبب الحرب والإرهاب، مؤکدا أن "المعرکة مع تنظیم داعش لم تنته". ومن جهته أکد الرئیس العراقی على ما قاله ضیفه، موضحا: "لا نرید أن تتحول بلادنا لساحة لصراعات الآخرین". ومن جانبه، قال رئیس الوزراء العراقی "مصطفى الکاظمی" یوم الأربعاء الماضی، إنه بحث مع الرئیس الفرنسی إیمانویل ماکرون التعاون فی مجال الطاقة والعمل معا على مشروع نووی یمکنه التغلب على النقص المزمن فی الکهرباء بالعراق، فی حین أکد ماکرون أن أی تعاون عسکری مع العراق یجب أن یحترم سیادته. وأضاف "الکاظمی" فی مؤتمر صحفی مع الرئیس الفرنسی ببغداد أنه تحدث مع ماکرون بخصوص مشروع مستقبلی لاستخدام الطاقة النوویة فی تولید الکهرباء ومشروعات سلمیة تحت إشراف الوکالة الدولیة للطاقة الذریة ستوفر وظائف وتعالج النقص فی الکهرباء. وأشار إلى أن الحکومة العراقیة ملتزمة بتوسیع الشراکة مع فرنسا، مؤکدا أن العراق یدعم الاستقرار فی المنطقة، وأعرب عن أمله بأن تساعد فرنسا وأوروبا ککل على تحقیق هذا الهدف.

العلاقات التاریخیة بین فرنسا والعراق

إن تاریخ العلاقات بین فرنسا والعراق ترجع إلى حقبة معاهدة "ساسبیکو" التی تم التوقیع علیها فی عام 2016. حیث لعبت فرنسا دوراً رئیسیاً فی انفصال العراق عن الدولة العثمانیة ونیل استقلالها فی النهایة عن الاستعمار البریطانی. کما کانت أیضا العلاقات بین  البلدین تقریبا جیدة خلال السبعینات والثمانینات من القرن الماضی حیث بنى الرئیس العراقی السابق صدام حسین علاقات جیدة مع فرنسا، وبدأت العلاقات منذ دعم الرئیس الفرنسی "تشارلز دیجول" للدول العربیة فی حرب 1967 ووقوفه ضد إسرائیل، وعندها أصبح العراق من أکثر الدول المصدرة للنفط إلى فرنسا، وفی عام 1974 إتفق رئیس الوزراء الفرنسی "جاک شیراک" مع نائب رئیس العراقی فی ذلک الوقت بقیام فرنسا ببناء مفاعل نووی للعراق وألذی فجرته إسرائیل فی سنة 1981، وفی الحرب العراقیة الإیرانیة وقفت فرنسا بالکامل مع العراق ودعمته بالأسلحة، إلا أن العلاقات إنقطعت فی سنة 1990 بعد غزو العراق للکویت ووقفت فرنسا ضد العراق وأرسلت قواتها لتحریر الکویت، لکن فرنسا عارضت مرة أخرى غزو العراق فی 2003 إلا أنها إتفقت مع الولایات المتحدة والمملکة المتحدة بعدم رفع حق النقض الفیتو للسماح لقوات التحالف بإنهاء سلطة صدام حسین، العلاقات حالیا مستقرة وقامت فرنسا بإلغاء 4 ملیار دولار من دیونها للعراق. وأما بالنسبة للعلاقات الثنائیة بین فرنسان وإقیلم کردستان العراق فلدى فرنسا قنصلیة عامة فی أربیل  ولإقلیم کردستان تمثیل فی باریس وتوطدت العلاقات بین فرنسا وإقلیم کردستان منذ رئاسة "فرانسوا میتران" ما بین الفترة (1981-1995)، عندما لعبت زوجته "دانیال میتران" دوراً أساسیاً فی الحملة من أجل فرض منطقة حظر الطیران فوق إقلیم کردستان فی عام 1991. کما أن فرنسا لها وجود عسکری فی إقلیم کردستان حتى الآن.

وفی السنوات التی أعقبت عام 2003، أصبحت فرنسا أول بلد یمنح العراق إعفاءات عن 80 فی المائة من الدیون التی علیها والبالغة نحو 4.8 ملیار یورو. ومع ذلک، وبسبب المعارضة الخاصة وتأثیر الولایات المتحدة، لم تتمکن فرنسا من الحصول على مکانة خاصة فی العراق وعلى مدى السنوات الـ 17 الماضیة، عارض الأمریکیون بشدة تمدد نفوذ الدول الغربیة الأخرى وزیادة تجارتها مع بغداد. وعلى صعید متصل، کشفت العدید من التقاریر الرسمیة مؤخراً، أن الحجم الإجمالی للتجارة بین البلدین وصل إلى أکثر من ملیار یورو، معظمها صادرات نفطیة عراقیة إلى فرنسا. ووفقا لتلک التقاریر الرسمیة، بلغ مستوى التبادلات التجاریة بین فرنسا والعراق عام 2015 ملیار و 260 ملیون یورو، ولکن بسبب انخفاض أسعار النفط العالمیة عام 2016 وما تلاه من أزمة اقتصادیة، وصل هذا الرقم إلى 476 ملیون یورو (ما یعادل إنخفاض 61٪ من قیمة تلک التبادلات التجاریة فی عام واحد). ) وهذا التراجع فی حجم التبادل التجاری بین البلدین مستمر حتى یومنا هذا ومن أهم صادرات فرنسا إلى العراق هی السیارات والأدویة والمعدات الکهربائیة والمیکانیکیة، فی حین أن 99٪ من صادرات العراق إلى فرنسا هی النفط الخام.

"ماکرون" یسعى إلى إثبات أن أوروبا تعیش مستقلة عن الولایات المتحدة

على مدى العقود الماضیة، لطالما رأت الدول الأوروبیة نفسها فی مجال السیاسة الخارجیة تعیش تحت مظلة الولایات المتحدة الأمریکیة ولم تتمکن تلک الدول من اتخاذ مواقف مستقلة. وفی غضون ذلک، وخلال السنوات التی تلت عام 2003، ومع الاحتلال الأمریکی للعراق، فرضت الولایات المتحدة مزیدًا من القیود على دخول الأوروبیین إلى منطقة غرب آسیا. ومع ذلک، فی السنوات الأخیرة، عندما دق جرس طرد القوات الأمریکیة من المنطقة، یبدو أن الأوروبیین، بقیادة فرنسا، یعتزمون إعادة النظر فی سیاستهم تجاه غرب آسیا. وعلى نفس هذا المنوال، یبدو أن الرئیس الفرنسی "ماکرون" یبدأ الآن حقبة جدیدة فی علاقات باریس مع بغداد وأربیل من خلال الخروج من تحت مظلة الولایات المتحدة. فی الواقع، تعکس الإجراءات الفرنسیة الأخیرة فی منطقة غرب آسیا جهود "ماکرون" لإعادة الاستقلال التشغیلی لأوروبا ومما لا شک فیه أن "ماکرون"، باعتباره المؤید الرئیسی لنهایة حقبة الناتو والأطلسیة، جعل بغداد وبیروت محورًا رئیسیًا لدخول باریس إلى منطقة غرب آسیا. فی الواقع، تتجه فرنسا، بصفتها الزعیمة السیاسیة للاتحاد الأوروبی، نحو الاستقلال عن واشنطن فی وقت أقرب من أی جهة فاعلة أخرى، ویبدو أن هذا الاتجاه سیتسارع فی السنوات المقبلة.




محتوى ذات صلة

سلامی: أمیرکا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

سلامی: أمیرکا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

القائد العام لحرس الثورة فی إیران اللواء حسین سلامی یقول إن "الانفجار الکبیر فی مصنع محرکات المضادات الدفاعیة والصواریخ حاملة الأقمار الصناعیة مؤخرا فی "إسرائیل"، أثبت هشاشة النظام الأمنی الإسرائیلی".

|

المرجع السیستانی یدعو الدول الإسلامیة والمجتمع الدولی إلى عدم ترک الشعب الأفغانی وحیدا

المرجع السیستانی یدعو الدول الإسلامیة والمجتمع الدولی إلى عدم ترک الشعب الأفغانی "وحیدا"

دعا المرجع الدینی الأعلى بالعراق، السید علی السیستانی، الیوم الاثنین، الدول الإسلامیة والمجتمع الدولی إلى عدم ترک الشعب الأفغانی "وحیدا"، فیما ندد بالاعتداء على مدرسة "سید الشهداء" فی کابل.

|

ارسال التعلیق