دعایة التطبیع الإماراتی الصهیونی تهوی عند أول منحدر

قامت العدید من وسائل الاعلام الغربیة والعربیة خلال الفترة الماضیة بنشر العدید من الاخبار حول توجه بعض الدول العربیة فی منطقة الخلیج الفارسی، ورغبة بعض الدول الغربیة الأخرى فی العالم بنقل سفاراتها إلى مدینة القدس المحتلة. وفی هذا الصدد، قامت العدید من الوسائل الاعلامیة خلال الایام الماضیة بتغطیة إخباریة مکثفة لقضیة السماح للطائرات الإسرائیلیة بالتحلیق فی داخل الأجواء السعودیة والبحرینیة، وذکرت تلک الوسائل الاعلامیة بأن الرئیس الأمریکی "دونالد ترامب" اتفق یوم أمس الاثنین مع صربیا على نقل سفارتها إلى مدینة القدس وأکدت تلک الوسائل الاعلامیة على أن دولة "مالاوی" الواقعة فی إفریقیا وافقه هی الأخرى على نقل سفارتها إلى مدینة القدس ولفتت تلک الوسائل إلى أن "کوسوفو" أعلنت مؤخراً التحرک والاتفاق على تطبیع العلاقات وإقامة علاقات دبلوماسیة مع تل أبیب.

إن کمیة المعلومات والتغطیة الواسعة لقضیة تطبیع العلاقات الصهیونیة مع دول لم یکن أحد یعلم بوجود علاقات بینها وبین الکیان الکیان الصهیونی، والجهود لإبقاء هذه الأخبار فی النشرات الرئیسیة لوسائل الإعلام والقیام بالعدید من السفریات الجویة والمکالمات الهاتفیة مع عدد من المسؤولین، تتم بطریقة لإقناع الجمهور والرأی العام فی الدول الإسلامیة بتشکیل موجة ضخمة من التضامن الدولی مع الصهاینة ولکن عند إلقاء نظرة فاحصة على الأحداث وراء هذه الجدل الإعلامی فإنه یتکشف لنا شیء آخر.

"ترامب" یقامر بکل أصول صفقة "القرن" المشؤومة

فی الأیام الأخیرة، أصبحت قضیة تطبیع العلاقات مع الکیان الصهیونی أهم مهمة تقریبًا لوزارة الخارجیة الأمریکیة وشخص "بومبیو" و"کوشنیر" وخلال الفترة الماضیة کثرة الرحلات والزیارات الرسمیة وغیر الرسمیة لعدد من المسؤولین الأمریکیین إلى المنطقة بعد الإعلان عن اتفاق بین الکیان الصهیونی والإمارات لتشجیع الآخرین على مواصلة عملیة التطبیع وإجراء مقابلات وعلاقات عدیدة على مختلف جوانب الحیاة.

وفی هذا الصدد ورغم المعانات التی یعیشها الرئیس "ترامب" مع المشاکل الداخلیة التی تعصف بعدد من الولایات الأمریکیة، لا سیما الاحتجاجات المستمرة ضد العنصریة والأزمة الاقتصادیة التی سببها تفشی فیروس "کورونا"، لکن هذه الاخیر قام خلال الفترة الماضیة بحملات ومقابلات صحفیة وحتى لقاءات رسمیة مع مسؤولین من دول أخرى لإقناعها بتطبیع العلاقات مع الکیان الصهیونی وذلک من أجل کسب ورقة رابحة قد تساعده على النجاح فی الانتخابات الرئاسیة القادمة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن تطبیع العلاقات بین الدول العربیة والصهاینة ومسألة الحصول على دعم دولی لتحویل مدینة القدس إلى عاصمة للکیان الصهیونی، کانت من الأجزاء الأساسیة فی صفقة "القرن" المشؤومة التی أثارت حفیظة العدید من المسؤولین الأمریکیین، قد فشلت فشلا ذریعا، وحتى أن أصدقاء واشنطن الغربیین رفضوا دعمها.

فی الواقع، لقد مُنی "ترامب" فی الأیام والأسابیع الأخیرة بالعدید من الإخفاقات الواسعة فی السیاسة الخارجیة والداخلیة، ولهذا فإنه یمکن القول أن مکاسب هذا الرئیس المتهور من صفقة "القرن" تتمثل فی من تأیید حفنة من شیوخ وأمراء المنطقة وبعض الدول الأقل ثقلًا فی التطورات الدولیة (مثل کوسوفو وصربیا) التی وافقت على تطبیع علاقاتها مع الکیان الصهیونی من أجل جذب المساعدات الاقتصادیة الأمریکیة. ولهذا فلق قامت واشنطن بعمل کمیة کبیرة من الدعایة الإعلامیة، کمحاولة لتضخیم حجم الفأر الذی اصطادته من أجل استهداف وصید الأسود.

وتعمد واشنطن عبر سیاساتها القویة فی العالم العربی إلى ممارسة ضغوط کبیرة على بلدان بعینها لجرها نحو التطبیع وبناء علاقات سلام مع "إسرائیل"؛ ولا سیما مؤخراً المغرب والسودان. فقد کشفت العدید من التقاریر الاخباریة، أن إسرائیل والولایات المتحدة تناقشان اتفاقاً من شأنه قیام واشنطن بالاعتراف بالسیادة المغربیة على الصحراء الغربیة مقابل أن یتخذ المغرب خطوات لتطبیع العلاقات مع إسرائیل. ولفتت تلک التقاریر إلى أن أهمیة الاتفاق السری تکمن فی محاولة تحقیق إنجاز دبلوماسی کبیر للملک المغربی محمد السادس، وتعزیز مکانة بنیامین نتنیاهو. وأکدت تلک التقاریر على أن نتنیاهو سیحظى بزیارة عامة رفیعة المستوى للمغرب، على الرغم من الأوقات السیاسیة المحفوفة بالمخاطر"، مضیفاً أن "الاتفاق سیحقق هدف إدارة ترامب فی تقریب الکیان الإسرائیلی مع الدول العربیة، ولکنها أکدت أن هذه الخطوة المثیرة للجدل تتعارض مع الإجماع الدولی. ولفتت إلى أن "الاتصالات بین نتنیاهو والمغاربة قد بدأت بالتسارع بعد لقاء سری مع وزیر الخارجیة المغربی ناصر بوریتا، على هامش اجتماع الجمعیة العامة للأمم المتحدة فی سبتمبر 2018.

العلاقات بین الإمارات والکیان الصهیونی تعیش أجواء غیر مستقرة

هناک قضیة أخرى یمکن رؤیتها فی الخداع الدعائی لوسائل الإعلام وهی سحابة الاضطراب السوداء التی طغت على العلاقة بین تل أبیب وأبو ظبی منذ البدایة، حیث تسببت التوترات بشأن بیع طائرات مقاتلة متطورة من طراز F-35 إلى الإمارات فی قلب المعادلة الصهیونیة من خلال الانتقاد العلنی لبیع السلاح لدولة الإمارات العربیة المتحدة ومعارضته، متجاهلتاً التغطیة الإعلامیة للقضیة. فی الواقع، یجب ألا یغیب عن البال أنه على الرغم من تواجد الإمارات والکیان الصهیونی فی جبهة مشترکة لمواجهة ترکیا، وکذلک محور المقاومة، إلا أن الصهاینة یریدون أن یحافظوا على تفوقهم العسکری الاستراتیجی فی المنطقة. وفی هذا الصدد، فإن حساسیات الصهاینة ستزداد بالتأکید مع تکثیف الإمارات لجهودها فی الحصول على التکنولوجیا النوویة من أجل الحفاظ على التوازن الأقلیمی مع الریاض وطهران وترکیا.