جدال عراقی على تحدید یوم العید الوطنی
مع تدهور الوضع الاقتصادی فی العراق واستمرار الاحتجاجات التی أخذت تشغل الساحة السیاسیة والاجتماعیة فی البلاد ، قوبل قرار الحکومة العراقیة هذا الشهر باقتراح یوم وطنی جدید للبلاد بردود فعل عدیدة بین مؤید ومعترض.
أصبح العید الوطنی قضیة مثیرة للجدل فی عراق ما بعد سقوط الطاغیة صدام حسین. حیث کان العید الوطنی لعقود من الزمان ، یُقام فی یوم 17 یولیو ، وهو الیوم الذی تولى فیه حزب البعث السلطة فی عام 1968 ، ولکن بعد الإطاحة بنظام حزب البعث عام 2003 من خلال الهجوم العسکری الذی قادته الولایات المتحدة وحلفائها على العراق، تم حظر حزب البعث العربی الإشتراکی بالکامل من العراق ومن الساحة السیاسیة وبقی یوم العید الوطنی شاغرًا عند العراقیین.
ویرغب رئیس الوزراء المؤقت مصطفى الکاظمی فی الوقت الراهن، تحدید موعد جدید لإعادة الیوم الوطنی العراقی إلى التقویم ، واستعادة جزء من الکرامة الوطنیة العراقیة التی سحقها الإحتلال بعد عقود من التدخل العسکری والإنتهاک الأجنبی.
وفی نهایة المطاف ، وبعد مناقشات ومشاورات مختلفة، اختار مجلس الوزراء العراقی یوم الثلاثاء الماضی ، یوم 3 أکتوبر ، وهو الیوم الذی نال فیه العراق استقلاله عن بریطانیا عام 1932 وأصبح العضو السابع والخمسین فی عصبة الأمم ، یومًا وطنیًا جدیدًا للبلاد. من الواضح أن الکاظمی یرید تقویة الهویة الوطنیة للعراق التی ضعفت على مدى العقدین الماضیین بسبب الانقسام والطائفیة وظهور الجماعات الإرهابیة مثل تنظیم داعش ومساعی الانفصالیین وما إلى ذلک.
وفی هذا الصدد، قال الرئیس مصطفى الکاظمی ، الذی یخطط لتغیر العطل العامة فی البلاد وتحدید أیام أخرى، فی مقابلة حدیثة مع مجلة "ذا ناشیونال" إنه "یحارب الطائفیة والإنقسام وفی نفس الوقت یروج لمفاهیم الوطنیة والقومیة کجزء من مشروع الإصلاح".
لکن الکاظمی الذی یحاول أن ینال مقبولیة المجتمع العراقی المتعب والمُنهک جراء التحدیات السیاسیة والاقتصادیة التی تواجهها البلاد على نطاق واسع، من خلال إظهار وجه قوی ومستقل ووطنی ، لم یحقق الکثیر فی هذا الصدد ویبدو أن المجتمع العراقی یفکر فی إیلاء الإهتمام بالتحدیات التی تواجه البلاد أکثر من حاجته لتمجید النجاحات الماضیة.
فی احتجاجات العام الماضی فی مدن الوسط والجنوب ، کانت المطالب الرئیسیة للمتظاهرین هی الحصول على الوظائف وتحسین الخدمات ووضع حد للفساد والعصابات المتواجدة داخل الحکومة. وأجبرت الاحتجاجات حکومة الرئیس السابق، عادل عبد المهدی على تقدیم الاستقالة ، وبعد شهور من الصراع والنقاش السیاسی ، تولت الحکومة المؤقتة زمام الأمور فی البلاد. وتتمثل المهمة الرئیسیة للحکومة الحالیة، فی تمهید الطریق لإجراء انتخابات مبکرة ، والتی تم اقتراحها مؤخرًا فی یونیو 2021 کموعد محتمل.
بالإضافة إلى الوضع السیاسی المتقلب فی البلاد ، فإن الأزمة الاقتصادیة بسبب انخفاض أسعار النفط قد أثرت على اقتصاد البلاد المعتمد على النفط ، ومن ناحیة أخرى ، مع تصاعد الاصابات بفیروس کورونا المستجد، حذرت وزارة الصحة العراقیة من احتمال مواجهة المؤسسات الطبیة فی الأیام المقبلة لموجة کبیرة من المتابعین والمرضى.
من ناحیة أخرى ، تعد الخلافات حول التاریخ المقرر لإجراء الإنتخابات جزءًا آخر من الجدل السیاسی على الساحة العراقیة، حیث تقدم الأحزاب السیاسیة کل یوم، موعد مقترح یختلف عن الآخر. ولم تتم صیاغة مشروع القانون المتعلق بموعد الإنتخابات بعد ولم تتم الموافقة علیه بعد من قبل مجلس النواب العراقی ، بعد أن وافق علیه مجلس الوزراء فقط ، وهی عملیة ربما قد تستغرق أسابیع أو شهورًا عدیدة، وقد یبقى مشروع القانون بدون نتیجة فی ظل الخلافات الحالیة.
وقالت سمیعة محمد خلیفة الغلاب ، رئیسة لجنة الثقافة والإعلام والسیاحة والآثار فی مجلس النواب العراقی ، إن اللجنة ستطلب من وزیر الثقافة شرح سبب اختیار الثالث من أکتوبر لیکون موعدا جدیدا للعید الوطنی العراقی، واضافت "فی الایام المقبلة ستجرى مباحثات للتوصل الى نتیجة مقبولة للجمیع".
لکن بالإضافة إلى السیاسیین ، تطرقت النخب الثقافیة والإجتماعیة الى هذا الأمر فی الأیام الأخیرة. فعلى سبیل المثال، وصف علی النشمی ، أستاذ التاریخ فی الجامعة المستنصریة ببغداد ، یوم 3 أکتوبر بأنه "یوم مخزی ومظلم فی التاریخ الوطنی فی العراق". واقترح النشمی الأخذ بعین الإعتبار ثورة العشرین "عام 1920" ضد المحتلین البریطانیین التی رسخت السیادة الوطنیة فی البلاد.
فی 3 أکتوبر / تشرین الأول ، اتفق رئیس الوزراء العراقی آنذاک نوری السعید مع بریطانیا على استقلال العراق ودخوله عضوًا فی عصبة الأمم ، لکن هذه المعاهدة منحت بریطانیا أیضًا حقوقًا غیر محدودة لنشر قواتها فی العراق والسیطرة الکاملة على موارده النفطیة. فی حین یرى النشمی أن "ثورة العشرین کانت ثورة وطنیة شارک فیها کل العراقیین" وقول متسائلًا: أیهما أکثر وطنیة .. ثورة شعبیة أم تنفیذ معاهدة جائرة؟"
کما یرى هادی الماری ، رئیس مرکز دراسات البحوث السیاسیة فی بغداد ، أن یوم 3 أکتوبر موعدًا للمصالحة. وقال "یبدو أن الحکومة تعتقد أن مثل هذا التاریخ لن یغضب السنة والشیعة لأنه مرتبط بعهد کانت القیادة الحکومیة هی للسنة وکان الملک، هاشمی مقبول لدى الشیعة".