نظرة على کیفیة بیع الولایات المتحدة طائرات مقاتلة إلى الدول المجاورة لإیران

بعد إعلان ما یسمى معاهدة السلام بین الکیان الصهیونی والإمارات، کانت إحدى أکثر القضایا إثارةً للجدل فی الدوائر العسکریة والدبلوماسیة، هی إمکانیة شراء مقاتلات "إف 35" من قبل هذه المشیخة الصغیرة فی الخلیج الفارسی.

قضیة شراء الإمارات للطائرات "إف 35" لیست ولیدة الیوم أو الأمس، إذ کان المسؤولون الإماراتیون یرسلون إشارات إلى البیت الأبیض بهذا الصدد علنًا وسراً قبل عامین إلى ثلاثة أعوام.

بالطبع، اعتقد العدید من الخبراء أن أحد شروط الإمارات لإقامة علاقات علنیة بینها وبین الصهاینة، هو الضوء الأخضر لواشنطن لمناقشة بیع مقاتلات "إف 35" لهذا البلد.

منذ الأیام الأولى للعلاقات العلنیة بین الجانبین، أعلن الإسرائیلیون بطبیعة الحال أنهم ضد بیع طائرة "إف 35" للإمارات، وهذا الأمر أزعج الإماراتیین وألغى بعض اللقاءات بین الجانبین. وفی هذا التوقیت، سافر صهر ترامب "جارید کوشنر" الذی یتمتع بتاریخ طویل من حلب شیوخ المنطقة فی شکل صفقات الأسلحة، إلى الإمارات فی أول رحلة مباشرة من الأراضی المحتلة، لممارسة الضغط بهذا الخصوص.

تعتقد بعض وسائل الإعلام أن الرغبة فی الولایات المتحدة لبیع طائرة "إف 35" إلى الإمارات قد زادت، لکن یجب على الولایات المتحدة أیضًا الحفاظ على التزامها بالحفاظ على التفوق التکنولوجی للکیان الإسرائیلی فی المنطقة. لکن هل تشکل هذه المقاتلات تهدیدًا کبیرًا لمصالح الجمهوریة الإسلامیة وأمنها؟

الإجابة یجب تلخیصها فی مجالین: أولاً نوع بیع الطائرات العسکریة من قبل الولایات المتحدة، وثانیاً قدرات إیران الدفاعیة والراداریة. فی الجزء الأول من التقریر، سنلقی نظرةً على ظروف بیع الطائرات المقاتلة الأمریکیة لدول الجوار، أی العراق وباکستان، ثم سننتقل إلی خیارات الولایات المتحدة بشأن طائرات "إف 35" الإماراتیة.

من طائرات إف 16 الباکستانیة الخاضعة للسیطرة الأمریکیة، إلى تلک العراقیة المتوقفة عن العمل!

باعتبارها واحدة من حلفاء الولایات المتحدة فی المنطقة، فقد تم تجهیز باکستان بطائرات مقاتلة من طراز "إف 16" منذ الثمانینیات، وما زالت تعتبر أکثر الطائرات العملیاتیة تقدمًا فی سلاح الجو الباکستانی.

وبعد انتهاء الوجود العسکری السوفیاتی فی أفغانستان، وبالتزامن مع التجربة النوویة الباکستانیة، اتجهت العلاقات بین واشنطن وإسلام أباد إلی البرودة، وبعض طائرات "إف 16" التی طلبتها باکستان فی ذلک الوقت من الولایات المتحدة، لم یتم تسلیمها بنفس الذریعة.

مع أحداث 11 سبتمبر 2001، والغزو الأمریکی للمنطقة، عاد الجدل حول باکستان کحلیف إقلیمی إلى الظهور فی واشنطن، وتدفقت المساعدات المالیة والعسکریة الأمریکیة إلى هذا البلد. ومن أهم الأشیاء التی طالب بها الباکستانیون، مقاتلات "إف 16" الجدیدة، وبالطبع ترقیة المقاتلات الأقدم.

قوبل هذا الطلب برد إیجابی من الولایات المتحدة، وتمت ترقیة طائرات "إف 16" الباکستانیة القدیمة من قبل صناعة الطیران الترکیة، وتم بیع عدد من مقاتلات "إف 16" الجدیدة من بلوک 52 القیاسی إلى هذا البلد.

لکن فی الآونة الأخیرة، تم نشر معلومات مثیرة للاهتمام حول شروط الولایات المتحدة لبیع هذه المقاتلات المتقدمة وترقیات للنموذج القدیم.

تتمرکز طائرات "إف 16" الباکستانیة فی قاعدتی "شهباز" و"موشاف". أولاً، فی کثیر من الحالات، یُجبر الباکستانیون على إرسال صور إلى الأمریکیین حول عملیاتهم وإسقاط الذخائر ضد الجماعات الإرهابیة وأهدافهم، حتى یعرف الأمریکیون بالضبط کیفیة تحلیق مقاتلات "إف 16" واستخدامها للذخیرة.

والمسألة الثانیة هی أن القاعدتین المذکورتین أعلاه مخصصتان لطائرات "إف 16" فقط، ولا توجد مقاتلات أخرى تابعة للقوات الجویة الباکستانیة فیهما. کما أن الأمریکیین قلقون بشکل خاص من وجود الصین فی باکستان، وخاصةً أن الصینیین لدیهم العدید من المشاریع المشترکة فی باکستان فی القطاعین العسکری والجوی.

والمسألة الثالثة هی وجود الفرق الأمریکیة متعددة الأعضاء التی تراقب الطائرات المقاتلة الباکستانیة من طراز "إف 16" على مدار 24 ساعة فی الیوم، حتی لا تتم أمور مثل ترکیب الأنظمة أو الأسلحة الأخرى على هذه المقاتلات من قبل فنیین باکستانیین، أو بحضور أجانب فی مکان قریب من المقاتلات، وهذا ما یذکِّرنا بکیفیة تعامل المستشارین الأمریکیین مع الکوادر الفنیة للقوات الجویة للجیش الإیرانی قبل الثورة الإسلامیة.

بالطبع، فی بعض الحالات، لم یتبع الباکستانیون البروتوکولات المتفق علیها، ومثل نزاع 2019 الحدودی مع الهند، استخدموا طائراتهم المقاتلة من طراز "إف 16" فی القتال الجوی.

ومن المثیر للاهتمام، أن الباکستانیین کانوا یعملون بجد لیعلنوا أن المقاتلات الهندیة من طراز "میغ 21" أُسقطت من قبل طائرات "جی إف 17" الباکستانیة، ولیس طائرات "إف 16"، وذلک بسبب الاتفاقات الخاصة التی تم التوصل إلیها بین واشنطن وإسلام أباد بشأن هذه المقاتلات. وقد تسبب هذا فی قدر کبیر من الانزعاج والاحتجاج من قبل الولایات المتحدة إلى باکستان، وبالطبع مع برودة العلاقات بین الجانبین، فإن مستقبل طائرات "إف 16" الباکستانیة یکتنفه الغموض.

لکن الجار الآخر لإیران المستخدم لهذه المقاتلات هو العراق، لکن العراقیین منذ سنوات قلیلة وبعد نقض الجانب الأمریکی لعهوده أکثر من مرة، والتأخیر المستمر فی تسلیم مقاتلات "إف 16" فی ذروة القتال ضد داعش، باتوا یشککون فی تأثیر هذه المقاتلات على قدراتهم القتالیة.

یبدو أن الطائرات المقاتلة العراقیة من طراز "إف 16" هی من نوع "بلوک 52"، ولکن من حیث الأسلحة فهی من بین الأنواع الأشد ضعفاً، ومجهزة بأسلحة مثل صواریخ "إسبارو" جو - جو، وتفتقر إلی صواریخ "دوراستا" أو قنابل موجهة بالأقمار الصناعیة أو الصواریخ المضادة للرادار. وإن ما باعته الولایات المتحدة للعراق، هو مجرد مقاتلة للدعم الجوی القریب والهجمات على الجماعات الإرهابیة مثل داعش.

لکن هذه لیست نهایة القصة، وفی وقت سابق من هذا العام، سحبت شرکة "لوکهید مارتن" طاقم دعم أسطول طائرات "إف 16" من العراق، بذریعة ما یسمى بالاعتبارات الأمنیة، ومؤخرًا قال طیار عراقی لوسائل الإعلام الأمریکیة إن معظم أسطول "إف 16" العراقی متوقف عن العمل، بسبب نقص القطع الضروریة والدعم الفنی لفریق الشرکة المصنعة؛ وهذا نفس المعاملة التی تعامل بها الأمریکیون مع القوات الجویة الإیرانیة عام 1979.

ما هی الخیارات الأمریکیة لطائرة "إف 35" الإماراتیة؟

الطائرة "إف 35" طائرة مقاتلة ذات أنظمة إلکترونیة وحاسوبیة شدیدة الحساسیة ومتطورة، وتعد شبکتها واتصالها المستمر بفریق البناء إحدى میزاتها. فی غضون ذلک، کان نظام "ALIS" واحدة من أکثر القضایا غرابةً وإثارةً للتساؤل بخصوص مقاتلة "إف 35" لسنوات عدیدة.

هذا المصطلح اختصار لـ Autonomic Logistics Information System، أو النظام المستقل للمعلومات اللوجستیة. هذا النظام، وبعبارة بسیطة، هو العمود الفقری لهذه المقاتلة من حیث المعلومات. بدءاً من المعلومات المتعلقة بالعملیات، إلى الصیانة وتورید قطع الغیار ودعم العملاء لهذه المقاتلة حول العالم، یعتمد على نظام "ALIS". وکل هذه المعلومات تذهب إلى الشرکة المصنعة أی "لاکهید مارتین"، وبناءً على ذلک، یقومون بإجراء التغییرات اللازمة فی الأنظمة أو لتلبیة الاحتیاجات التشغیلیة لمستخدم "إف 35".

ویشکل هذا الأمر مصدر قلق لبعض مالکی "إف 35"، حیث تعمل النرویج وإیطالیا معًا على نظام أمان یراقب المعلومات المرسلة عبر "ALIS" فی شکل فلتر، ویمنع إرسال المعلومات السریة إلى شرکة لوکهید، وحتى أن أسترالیا قد أعربت عن اهتمامها بمثل هذا النظام.

والشیء المثیر للاهتمام هو أنه إذا أرادت الولایات المتحدة، أولاً، عن طریق قطع هذا النظام، فیمکنها منع وصول الدولة المعنیة إلى العدید من البرامج والمعلومات المطلوبة، وحتى إذا لزم الأمر، تستطیع شن هجوم إلکترونی وتعطیل أسطول "إف 35" للبلد المعنی أیضًا.

بالطبع، الأمر المثیر للاهتمام هو أن طائرات "إف 35" الإسرائیلیة ستعمل من دون الحاجة إلى هذا النظام، وقد حلَّ النظام المحلی الذی طورته الشرکات الموجودة فی الأراضی المحتلة محل هذا النظام. فی الوقت نفسه، من المثیر للاهتمام ملاحظة أنه بسبب هذه القدرة، تمکن الإسرائیلیون بسهولة من دمج أسلحتهم الجویة مع طائرات "إف 35" التی حصلوا علیها وتشغیلها.

تخطط الولایات المتحدة الآن للتحول من نظام "ALIS" إلى Operational Data Integrated Network، أی الشبکة المتکاملة لبیانات التشغیل. هذا النظام المسمى ODIN اختصاراً، مملوک بالکامل من قبل حکومة الولایات المتحدة، وبالتالی یمکنها أن تمنح أو تحرم بعض المعاییر والوصول، بالنظر إلی الدولة التی تستلم مقاتلة "إف 35".

بافتراض أن الإمارات ستشتری طائرة "إف 35" بواحد من هذین النظامین فقط، فسیکون من الواضح ما هی حالة المقاتلات الإماراتیة فی أی وقت من الیوم وعلی مدار 24 ساعة، وکذلک کیف ستکون حالة قطع الغیار والذخیرة والتخطیط والعملیات.

وبکلمة واحدة، فإن السیطرة الکاملة على هذه المقاتلات ستکون فی أیدی الولایات المتحدة. وفی أی عملیة تحتاج فیها دولة الإمارات إلى هذه الأنظمة، فإنها بالطبع تحتاج إلی تصاریح وأذونات خاصة لتثبیت أی نظام أو سلاح جدید على طائراتها، والتی لن یتم الحصول علیها إلا من قبل الشرکة المصنعة وبإذن من الحکومة الأمریکیة.

إن الصیانة السهلة والبسیطة لهذة الطائرة، حتى فی حدود الصیانة والضوابط التقلیدیة بعد کل تحلیق على أسطح جسم هذه الطائرة، والضروریة للحفاظ على خصائصها فی الاختفاء، جزء آخر یمکن بدون طاقم خبراء أن یدمر بسهولة المیزة الرئیسیة لهذه المقاتلة، وهی الاختفاء.

حالیًا، یتم تقدیم مقاتلات "إف 35" التی تُصنع فی العالم فی مجموعات مختلفة، وترتبط بعض القدرات ببلوکات الترقیة المحددة لهذه المقاتلة. وهناک طریقة أخرى للتحکم فی طائرات "إف 35" الإماراتیة، وهی ببساطة عدم الوصول إلى برنامج ترقیة البلوکات المعنیة، والذی سیحافظ بوضوح على قدرات طائرات "إف 35" الإماراتیة إلى حد معین.

والنقطة الأخرى المهمة حول هذه الطائرة، هی أن أجزائها الحساسة والخاصة یتم توریدها من خطوط الإنتاج فی الولایات المتحدة فقط، وفی حال فرض عقوبات، فإن کل الأسطول المعنی أو جزءاً کبیراً منه سیکون خارج الخدمة عملیاً.

فی الوقت نفسه، من القضایا المهمة التی لا ینبغی نسیانها هی، أن المعارضة الحالیة للکیان الصهیونی لبیع طائرة "إف 35" للإمارات، هی مجرد رفض مصطنع واستعداد لتلقی مساعدات عسکریة أکثر من الولایات المتحدة.

حالیًا، من بین برامج الصهاینة وخططهم، یُذکر نوع خاص من مقاتلات "إف 15" وبرنامج استبدال طائرات الهلیکوبتر CH-۵۳ وشراء ناقلات وقود جدیدة، وعلى الأرجح سیتَّجه الأمریکیون نحو تلبیة احتیاجات الإسرائیلیین وإرضائهم، مقابل مسألة بیع "إف 35" للإمارات.




محتوى ذات صلة

نتنیاهو عبث بالصاعق وخسر المعرکة

نتنیاهو عبث بالصاعق وخسر المعرکة

الحدیث عن مشهد الصورایخ التی تدک تل ابیب وتحول لیلها نهارا مهم، لاسیما وان هذا المشهد غیّر فی معادلة الصراع وغیّر قواعد الاشتباک بین المقاومة الفلسطینیة والمحتل الاسرائیلی

|

سلامی: أمیرکا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

سلامی: أمیرکا أصبحت الآن على هامش تطورات المنطقة

القائد العام لحرس الثورة فی إیران اللواء حسین سلامی یقول إن "الانفجار الکبیر فی مصنع محرکات المضادات الدفاعیة والصواریخ حاملة الأقمار الصناعیة مؤخرا فی "إسرائیل"، أثبت هشاشة النظام الأمنی الإسرائیلی".

|

السید خامنئی: الفلسطینیون أینما کانوا هم جسد واحد

السید خامنئی: الفلسطینیون أینما کانوا هم جسد واحد

المرشد الإیرانی یؤکد على أهمیة تضامن القطاعات الفلسطینیة وتلاحمها بوجه الاعتداءات الإسرائیلیة، ورئیس مجلس الشورى یدین الجرائم الإسرائیلیة، وعشرات الإیرانیین فی العاصمة طهران یتظاهرون تضامناً مع فلسطین ونصرةً للقدس وغزة.

|

ارسال التعلیق