العراق والکویت وتاریخ من التناحر.. ما الذی یسعى إلیه الکاظمی من مغازلة الکویت؟
شهدت الأشهر الأخیرة الماضیة نشاطًا فعالاً لرئیس الوزراء العراقی مصطفى الکاظمی على مستوى السیاسة الخارجیة والملف الدبلوماسی، وعلى وجه الخصوص، خلال الشهرین الماضیین ، حیث سافر الکاظمی إلى إیران والولایات المتحدة لإظهار أن له نوایا جادة لإعادة نشاط العراق فی مجال السیاسة الخارجیة. وفی هذا السیاق، صب الکاظمی، رئیس مجلس الوزراء الجدید، ترکیزه بشکل أکبر على ممارسة الدبلوماسیة مع الدول العربیة، وخاصة الکویت.
على مرّ السنین الماضیة، على الرغم من سقوط حزب البعث العراقی، کانت العلاقات مع الکویت تشوبها بعض الخلافات اضافة الى مطالب الکویت المالیة من العراق. یمکن إرجاع جذور هذه التوترات إلى غزو صدام العسکری للکویت فی 2 آب 1990 ، والذی عارضه المجتمع الدولی ومجلس الأمن ، وأثناء عملیة عاصفة الصحراء ، أجبرت قوات التحالف، العراق على الخروج من الکویت.
ومع ذلک ، فی ظل الوضع الحالی ، یبدو أن مصطفى الکاظمی یعمل على تحسین العلاقات بین العراق والکویت. وفی هذا الصدد ، وفی أولى خطواته الجادة ، سافر علی عبد الأمیر علاوی ، وزیر المالیة ومبعوث رئیس الوزراء العراقی مصطفى الکاظمی ، إلى الکویت فی 23 مایو 2020 ، والتقى بصباح خالد الحمد الصباح ، رئیس وزراء الکویت.
فی ظل الوضع الجدید ایضا، یبدو أن حکومة الکاظمی تعتزم فی المستقبل القریب اتخاذ خطوات لرفع مستوى العلاقات الدبلوماسیة ، وقد نشهد زیارته الرسمیة الى الکویت فی الأشهر المقبلة. والسؤال الآن، ما مدى أهمیة الکویت بالنسبة لبغداد والکاظمی ولماذا ینوی رئیس الوزراء العراقی تعزیز العلاقات مع هذا البلد؟
مسألة دفع التعویضات الاقتصادیة
کانت القضیة الأولى وربما الأکثر أهمیة بین العراق والکویت فی جمیع السنوات منذ نهایة حرب الخلیج الأولى هی الغزو العسکری للکویت من قبل الجیش العراقی بقیادة صدام حسین. وفی أعقاب إطاحة قوات التحالف بقیادة الولایات المتحدة بالجیش العراقی فی عام 1991 ، أصدر مجلس الأمن الدولی عددًا من القرارات فی ذلک العام تلزم العراق بدفع تعویضات للکویت.
وفی العام نفسه ، تم تشکیل لجنة تابعة للأمم المتحدة للمطالبة بتعویضات من العراق الى الکویت والأطراف الأخرى المتضررة من الحرب. وبعد مراجعة ودراسة أجرتها لجنة التعویضات آنذاک، تقرر أن یدفع العراق 52.4 ملیار دولار کتعویضات مالیة عن الأفراد والشرکات والهیئات الحکومیة فی الکویت والأطراف الأخرى المتضررة من الحرب.
على الرغم من تشکیل الحکومة العراقیة الجدیدة فی عام 2003 والانتقال السیاسی الکامل من نظام دیکتاتوری سابق الى نظام دیمقراطی جدید ، إلا أن الکویتیین لم یتنازلوا أبدًا عن مطالبهم المالیة من بغداد ، وحتى فی أوقات مختلفة ، تم رفض مطالب الجانب العراقی بتقدیم خصومات مالیة حول التعویضات.
وکانت مبالغ التعویضات تُدفع للکویت من خلال خصم نسبة معینة من عائدات النفط العراقی ، ولم یتم تعلیق دفع التعویضات مؤقتًا إلا خلال الأعوام 2014 إلى 2018. ومع ذلک ، من إجمالی 52 ملیار دولار کتعویضات الحرب ، تم دفع 48.7 ملیار دولار بحلول عام 2019 کتعویضات ولم یتبق سوى 3.7 ملیارات دولار من هذا الدین.
وفی ظل الوضع الحالی، تسعى حکومة الکاظمی أیضاً إلى تخفیف التوترات حول ملف التعویضات، وربما سیکون جهدها الأساسی یصب فی إقناع حکام الکویت بتأجیل دفع التعویضات، نظراً لانتشار أزمة کورونا، وبهذه الطریقة، سیتم توفیر المزید من الأموال للحکومة، من أجل أن یکون لها ید أکثر انفتاحاً فی تنفیذ الإصلاحات الاقتصادیة.
ترسیخ الموقع داخل العراق
یمکن رؤیة أحد أهداف الکاظمی الأخرى للتقارب وتعزیز العلاقات مع الکویت، هو فیما یتعلق بجهوده لتوطید موقفه وموقعه داخل الحکومة، وحقیقة الأمر أن الکاظمی لم تبقَ له سوى أشهر قلیلة على إجراء الانتخابات المبکرة، وینوی خلالها استخدام کل الوسائل المتاحة لترسیخ موقعه کخیار تتفق علیه جمیع الفصائل السیاسیة فی الانتخابات المقبلة.
إن تحسین مستوى العلاقات مع دول المنطقة، وخاصة الکویت التی تتمتع بمواقف مستقلة نسبیاً مقارنة ببعض الدول العربیة فی مواجهة الغرب، یمکن أن یکون ضمانة لتعزیز مکانة وموقع الکاظمی فی السیاسة الداخلیة للعراق، ویعتزم الکاظمی أن یبین لجمیع التیارات والأطراف السیاسیة من خلال إنجازاته فی مجال الدبلوماسیة أنه یمکن أن یکون مؤسس حقبة جدیدة لما بعد داعش وإعادة الاستقرار فی العراق على الصعیدین الداخلی والخارجی.