المطبعون یشعلون شرارة الانتفاضة الثالثة.. القادة غائبون والمقاومة تحوّل أعراسهم لمآتم!
لم تکن القضیّة الفلسطینیّة یوماً قضیة تطبیع، بل کانت على الدّوام قضیّة شعب انتزعت أرضه منه عنّوة، وتحت حدّ السّیف، وعلى هذا الأساس فإنّ اتفاقیات التطبیع المُذلّة التی یقوم سفهاء أبو ظبی والمنامة بتوقیعها لن تحمل فی طیّاتها أیّ حلٍ للقضیّة الفلسطینیّة، کون جوهر هذا الصراع وکما قلنا لم یکن التطبیع، وبالتالی لا یمکن أن یکون التطبیع حلاً، بل على العکس کشف تلک الاتفاقیات التی لم یستطع مُوقِّعوها کتمان سرِّها، مدى التآمر على القضیّة الفلسطینیّة فی الوقت الذی کانوا فیه یُنادون بحل عادل، وکشف أیضاً أنّ أیّ قراراتٍ للجامعة العربیّة کالمبادرة العربیة، لم تکن سوى حبرٍ على ورق.
لماذا غاب قادة المُطبعین؟
یُخبرنا التاریخ أن کل اتفاقیات التطبیع السابقة شهدت وجود قادة الدول التی طبّعت لیُقرّوا تلک الاتفاقیات، حیث حضر الرئیس المصری السابق أنور السادات، مع ورئیس وزراء الکیان الإسرائیلی مناحم بیغن، والرئیس الأمریکی جیمی کارتر فی واشنطن عام 1979، للتوقیع على اتفاق کامب دیفید، وفی اتفاق أوسلو حضر رئیس وزراء الکیان السابق إسحاق رابین، ورئیس السلطة الفلسطینیة الراحل یاسر عرفات، بالإضافة للرئیس الأمریکی حینها بیل کیلنتون عام 1993، وفی اتفاق وادی عربة مع الأردن عام 1994 حضور الملک الأردنی حینها الحسین بن طلال، بالإضافة إلى إسحاق رابین وبیل کلینتون.
أما الیوم؛ وفی أکثر اتفاق تطبیع إثارة للجدل؛ غاب عنه قادة الکیانات العربیّة المُطبعة "الإمارات والبحرین، ویکتفون بوزراء خارجیتهم للتوقیع على تلک الاتفاقیات، وذلک بهدف التخفیف من موجة الاستنکار الشعبی التی سببها إعلان التطبیع الکامل بین الکیان الإسرائیلی والمشایخ الخلیجیّة، بالإضافة لامتصاص أی ضجة إعلامیة قد تحدث لاحقاً فی حال قرر ولی عهد أبو ظبی أو ملک البحرین زیارة عاصمة الکیان، وهی زیارة محتملة قد تحدث قریباً کما قال مُراقبون للوضع فی الشرق الأوسط.
أکثر من ذلک؛ فإنّه وفی خِضمِّ الرفض الشعبی الواسع لاتفاقیات التطبیع، قرر قادة تلک الدول البقاء بعیداً عن الأضواء حتى لا یتحملوا وزر التوقیع على تلک الاتفاقیات، خصوصاً مع الرفض الشعبی الواسع لتلک الاتفاقیات فی دولهم، على الرّغم من التسویق الإعلامی الکبیر والدعایة السیاسیّة الفجّة التی روّجت لتلک الاتفاقیات.
تطبیع فارغ
الاتفاق الذی لم یُعلن عن تفاصیله حتى هذه اللحظة من غیر الواضح ما إذا کان سیشمل بنود ملزمة أو تتطلب المزید من الإجراءات من حکومات تلک المشایخ أو الکیان، وبما أنّ لا حدود مُشترکة بین الکیان المُطبّعة، فإنّ أیّ اتفاقٍ للتطبیع لن یُشکل أیّ اخترقٍ فی القضیّة الفلسطینیّة.
اتفاقیات التطبیع المُسمات "اتفاقیات إبراهیم" رمزیّةٌ فی مسارها التاریخی أکثر مما هی موضوعیّة، ولا یمُکن بحالٍ من الأحوال مُقارنة اتفاقیات التطبیع بین دول الطوق (مصر والأردن والسلطة الفلسطینیة) وبین اتفاقیات مع دول أو کیانات بعیدة نسبیاً عن مسار الصراع مع الکیان الإسرائیلی، وإذا لا یُمکن تبریر اتفاقیات التطبیع تحت أیٍّ ظرفٍ کان، غیر أنّ مصر والأردن والسلطة الفلسطینیّة خاضت حروباً مع الکیان الإسرائیلی وأتت تلک الاتفاقیات فی إطار إیقاف الحروب بینها، أما مشیخات الخلیج فکانت آخر حروبهم هی التی خاضوها ضد المُسلمین فی حروب الرّدة.
بالإضافة لما سبق؛ فإنّ أیّ تطبیعٍ تغیب عنه فلسطین؛ لن یُغیّر من المسار الطبیعی للقضیّة الفلسطینیّة؛ خصوصاً وأنّ الفلسطینیین بمجملهم یرفضون الیوم هذه الاتفاقیات، وکان أوّل ما نتج عنها هو وحدة الصف الفلسطینی بمواجهة الدول المُطبّعة من جهة وبوجه الکیان الإسرائیلی من جهةٍ أخرى، والذی بدأت آثاره تظهر مع مراسم التوقیع على تلک الاتفاقیات.
احتفالات التطبیع على الطریقة الفلسطینیة
فی الوقت الذی کان یحتفل به المُطبعون ویوقعون على تلک الاتفاقیات فی البیت الأبیض؛ کان للفلسطینیین رأیٌ آخر، وطریقة أخرى للاحتفال "باتفاقیات إبراهیم"، حیث انهالت صواریخ المُقاومة على المُستوطنات الإسرائیلیة فی ذات الوقت الذی کان یحتفل به قادة الکیان بتلک الاتفاقیات.
تلک الصواریخ وعلى الرّغم من أنّها لم تقتل أحداً من الیهود؛ إلّا أنّها کانت رسالة واضحة جداً للکیان الإسرائیلی ومن خلفه الدّول التی طبّعت معه؛ حیث تقول المقاومة الفلسطینیّة إنّ هذا الاتفاق لن یجلب معه أیّ أمنٍ للکیان الإسرائیلی، بل على العکس فتحت هذه الاتفاقیات باب جهنم على الکیان، وأشعلت شرارة انتفاضة ثالثة لم یکن یحسب لها الکیان أیّ حسابٍ قبل تلک الاتفاقیات.
