حرکة الجهاد الفلسطینیة وخیار الوضوح
هیثم أبو الغزلان
لم یکن اللقاء الذی جمع الأمناء العامین على أهمیّة انعقاده بین رام الله وبیروت هو الحدث فقط؛ ولا مخرجاته المُتمثّلة بتشکیل لجنة لإعادة بناء وتفعیل منظمة التحریر الفلسطینیة، ولجنة للفعالیات الوطنیة، ولجنة لإعادة الوحدة وإنهاء الانقسام بین حرکتی فتح وحماس؛ إنّما المحکُّ فی ذلک هو القیام بترجمة هذه الخطوات العملیة وتکریسها ضمن برنامج نضالی وطنیّ ملموس یُساعد فی الدفع باتجاه تحقیق المزید من الشراکة الفلسطینیة الداخلیة، ویُعزّز من صمود الشعب الفلسطینی ومقاومته. وهذا یظلُّ مرهونًا بمدى الإرادة والقدرة على البناء على المشترکات وتطویرها ضمن رؤیة ترى الأولویّة فی التخلّص من الاحتلال.
لذلک کان السؤال المطروح ولا یزال مطروحًا: هل یمکن أن یُحدِث هذا اللقاء ومخرجاته تحوّلًا فی البرنامج والأداء، وبالتالی یُحدث نقلة نوعیة فی برامج وآلیات العمل الوطنی الفلسطینی التحرّری؟ ولماذا أکدت حرکة الجهاد الإسلامی فی فلسطین على تنفیذ المخرجات العملیة للقاء؟ ولماذا تحفّظت على بند إقامة "الدولة على حدود العام 1967"، وأکّدت على ضرورة إعادة بناء منظمة التحریر وتفعیلها وإشراک الجمیع فیها؟
إن المخاطر الحقیقیّة التی تحیق بفلسطین تهدّد الشعب والقضیة فی ظل برنامج الاستیطان والضم الصهیونی المتعاظم على الأرض الفلسطینیة، والمدعوم من الإدارة الأمریکیة، وسط خلیط من السلبیات التی یُعجّ بها الوضعین الفلسطینی والعربی، وخصوصًا فی ظل الاستثمار الإسرائیلی لنتائج ما حدث ویحدث فی بعض البلدان العربیة من احتراب داخلی وتهمیش للقضیة الفلسطینیة، وقطار التطبیع المندفع الذی أصبح یؤسس لتحالف مع العدو الصهیونی على حساب القضیة الفلسطینیة والأرض والثروات والقرار.
وإزاء هذه المخاطر الکبیرة التی تعترض القضیة الفلسطینیة، لا بد من مواجهة شاملة ترقى لمستوى التحدیات القائمة، وتقطع بشکل کامل مع أیّ برنامج لا یعید الصراع إلى مربّعه الأول. وفی هذا السیاق کان تأکید حرکة الجهاد الإسلامی على ضرورة تنفیذ المخرجات العملیة للقاء الأمناء العامین، وتحفُّظها على بند إقامة "الدولة الفلسطینیة على حدود العام 1967". وهذه لیست المرة الأولى التی تتحفّظ فیها الجهاد على بنود معیّنة لها علاقة بحدود الرابع من حزیران (یونیو) 1967؛ فقد تحفظّت الحرکة على وثیقة الأسرى (أیار 2006)، ورفض وفدها التوقیع على البیان الصادر فی ختام جلسات الحوار فی موسکو (2019)... ویأتی تحفّظ الجهاد على بند "الدولة الفلسطینیة على حدود العام 1967" تأکیدًا لمؤکد فی فکر وممارسة الجهاد من جهة، ومن جهة أخرى هو تأکید لواقع یشیر أنه لیس ثمة آفاق لإنجاز هدف الدولة المستقلة فی الأراضی المحتلة منذ العام 1967، وأن هدف "الدولة الواحدة" فی حدود فلسطین الانتدابیة خلال الفترة 1922-1948، هو بات أصعب کثیرًا، وأبعد منالًا من هدف الدولة الفلسطینیة فی الأراضی المحتلة منذ العام 1967، لأن ذلک یفترض تغییرًا فی موازین القوى محلیًا وعربیًا ودولیًا. وهذا صعب المنال، خصوصًا أن حکومة نتنیاهو وبمساعدة من إدارة الرئیس دونالد ترامب قد دفنت "حل الدولتین"، وترفض وقف الاستیطان والانسحاب من القدس وحقّ العودة للفلسطینیین، ما یجعل أیّ رهان على إقامة دولة "مستقلة وکاملة السیادة" أمرًا غیر واقعیّ فی ظل الظروف الواقعیة المستندة إلى موازین القوة المختلة.
وبناء علیه فإن المواجهة الحقیقیة التی یجب أن تکون ضد العدو تتطلّب رؤیة واضحة للصّراع وفعلًا مشترکًا وحدویًّا وقیادة تدرک الواقع الذی تتحرّک فیه ولا تخضع له، وتتابع المتغیّرات دون أن تغرق فی تفاصیلها، ولا تخلط بین الثابت والمتحوّل، وتراجع سیاساتها وخططها لتعرف أین أخطأت وأین أصابت فتبنی على ذلک وتراکم...
وانطلاقًا من هذا الواقع، فإن مبادرة "النقاط العشر"التی أطلقها الدکتور رمضان عبد الله شلّح فی العام (2016)، ودعا إلى تبنّیها الأمین العام للجهاد زیاد النخالة فی العام (2018)، وأعاد طرحها خلال کلمته فی لقاء الأمناء العامین (2020)،وأعادت التأکید علیها فصائل المقاومة الفلسطینیة فی غزة (2020)، تُشکّل برنامجًا وطنیًا یمکن الاستناد إلیه؛ فهی تدعو إلى "إلغاء اتفاق أوسلو"، و"سحب الاعتراف بإسرائیل"، وإعلان المرحلة الحالیة مرحلة تحرر وطنی، الأولویة فیها لمقاومة الاحتلال بکل الوسائل المشروعة بما فیها المقاومة المسلحة، ما یتطلّب "صیاغة برنامج وطنی لتعزیز صمود وثبات الشعب الفلسطینی على أرضه"... وأن "یشمل ذلک کل مکونات الشعب الفلسطینی".
واستنادًا إلى مبادرة "النقاط العشر" فصّل الأمین العام لحرکة الجهاد زیاد النخالة، فی کلمة له فی العام (2018) طرحه الجهادیّ باعتبار:"المصالحةِ أولویّة وطنیّة فی صراعِنا مع العدوِّ، وهی مفتاحٌ لتجاوزِ الخلافاتِ والصراعاتِ داخلَ المجتمعِ الفلسطینیِّ"، و"استردادُ المصالحةِ الوطنیةِ لصالحِ الکلِّ الفلسطینیّ، فجمیعُ الشعبِ الفلسطینیّ ضحیةٌ لهذا الخلافِ"...والشروعِ فی معالجةِ کلِّ الخلافاتِ والتبایناتِ والبناء على القراراتِ التی اتخذَتْها اللجنةِ التحضیریةِ التی التقَتْ فی بیروتَ بتاریخِ 10 کانون الثانی 2017، ومثلَتِ الکلَّ الفلسطینیَّ.."، و"التأکیدُ من قبلِ قوى المقاومةِ أنَّ التهدئةَ لن تُلزمَنا بعدمِ الدفاعِ عن شعبِنا، ولن نذهبَ بها إلى اتفاقیاتٍ سیاسیةٍ معَ العدِّو"..، وأن "یلتزمَ الجمیعُ بتطویرِ سبلِ المقاومةِ بکافةِ أشکالِها، وبحسبِ ما هو ممکنٌ، فی الضفةِ والقدسِ..".
إن تأکید الجهاد الإسلامی على موقفها الواضح والصریح تجاه التأکید على أن الصراع ضد الاحتلال یشمل کل فلسطین، ورفضها اقتصار ذلک على الأراضی التی احتُلّت منذ العام 1967، وتأکیدها على ضرورة بناء منظمة التحریر الفلسطینیة وتفعیلها وأن تشمل الکل الفلسطینی، وإعادة الصراع إلى مربّعه الأول ضد العدو الصهیونی، هو تأکید واضح على الرؤیة الواضحة للصراع القائم والممتد زمانًا ومکانًا ضد عدو یسعى إلى إلغاء شعبنا وتأبید وجوده فوق أرضنا.
وبناء على ما تقدّم فإن التوصیف الدقیق لواقع الحال الفلسطینی، وتحدید العدو بشکل دقیق، ومعرفة التحدیات وتحویلها إلى فرص سیُحوّل الواقع المُختل حالیُّا لصالح الاحتلال، إلى نقاط قوة یمکن المراکمة علیها لتحقیق ما یصبو إلیه شعبنا من تحریر وعودة.