هل تهدد تصرفات ولی العهد السعودی العلاقات مع الحلفاء فی الغرب؟
تضرب موجة إصلاح جدیدة الشرق الأوسط؛ إذ أثار قرار الإمارات العربیة المتحدة الخطیر، بإقامة علاقات مع إسرائیل، العدید من الأسئلة حول مستقبل الفلسطینیین. لکنه أکّد کذلک استعداد أبوظبی للتجدید وضخ أفکار جدیدة فی سیاسات المنطقة.
ونشهد تحولاً فی جارتها الأکبر، المملکة العربیة السعودیة؛ إذ کانت الریاض فی الماضی مکاناً خاصاً وهادئاً، ولکن لیس بعد الآن: حیث بدأت تعجُّ بالنشاط قبل الإغلاق بسبب الجائحة. ومُنحت النساء حریات جدیدة لتبدأ تدریجیاً فی لعب دور أکبر داخل المجتمع. ویتحمس الکثیرون من الشباب السعودی الآن بشأن مستقبل بلادهم. أما بالنسبة لنا ممن أمضوا بعض الوقت فی المملکة خلال العقود الأخیرة، فلم نشهد أمراً مشابهاً من قبل؛ أی نتائج عملیة الإصلاح.
ورغم هذا التقدم، ما یزال مقتل الصحفی جمال خاشقجی صادماً للعالم. فحتى أصدقاء المملکة دُهشوا من وحشیة هذه الجریمة الحمقاء؛ إذ تحدث ولی العهد محمد بن سلمان عن مسؤولیته کقائدٍ فعلی للبلاد. ویراقب الغرب عن کثب لمعرفة ما إذا کان هذا خللاً شنیعاً أم یشیر إلى نمطٍ سلوکی.
ومجدداً أصبح سلوک الأمیر محمد بن سلمان غیر المتوقع الآن مدعاةً للقلق؛ إذ وجد محمد بن نایف ولی العهد السابق نفسه رهن الإقامة الجبریة، فی ما یبدو أنها تهم ملفقة.
وکان للأمیر محمد بن نایف دور فعال فی مواجهة تنظیم القاعدة بعد هجمات الـ11 من سبتمبر/أیلول الإرهابیة. کما أحدث تحوُّلاً فی جهاز المخابرات السعودی أدّى إلى تدعیم الولایات المتحدة وحلفائها بقدرات مهمة. وواجه ولی العهد السابق تنظیم القاعدة فی شبه الجزیرة العربیة، وهو إحدى أکثر الجماعات الإرهابیة الإقلیمیة شراسةً وفتکاً. ولدیه ندوب بسبب محاولة انتحاری تفجیر نفسه خلال محاولة اغتیال.
ویقول سعد الجبری، صدیق ولی العهد السابق والحلیف المقرب لأجهزة المخابرات الغربیة الذی یعیش فی المنفى بکندا، إنّه یتعرض للملاحقة إلى جانب استخدام أطفاله کرهائن لإجباره على العودة إلى المملکة. وتُشوّه اللجان الإلکترونیة السعودیة على تویتر صورة الرجلین؛ إذ انتشرت شائعات فی وسائل الإعلام عن توجیه اتهامات للأمیر محمد بن نایف فی وقتٍ لاحق من العام الجاری.
ولا یسعنا إلا التکهن بنوعیة دسائس القصر الملکی التی تُحرّک هذا السلوک الانتقامی، لکننی أکثر ثقة بشأن رد الفعل الذی یسببه؛ إذ تثیر الحملة ضد الأمیر محمد بن نایف وشریکه الجبری قلق الکثیرین فی لندن وواشنطن. بینما یضغط أعضاء مجلس الشیوخ الجمهوریون على الرئیس الأمریکی دونالد ترامب للتحرک.
وقد أصدرت وزارة الخارجیة الأمریکیة لوماً نادراً للمملکة العربیة السعودیة بشأن قضیة الجبری. وتشفّع الرؤساء السابقون لوکالة الاستخبارات المرکزیة الأمریکیة فی قضیة الأمیر محمد بن نایف سراً. ویتشابه هذا مع ما یحدث فی لندن، إذ یشعر النواب والوزراء والمسؤولون بالفزع. وهناک خطر بأن یجد أصدقاء المملکة فی النهایة هذا السلوک غیر مقبول.
وتتحول خیبة الأمل إلى غضب وإحباط؛ إذ لا یمکننا توقع التغییر السیاسی الذی ربما نتمناه، لکن التغیرات الاجتماعیة فی المملکة لها أهمیة إقلیمیة وعالمیة؛ حیث تعتبر السعودیة حصناً منیعاً ضد السیاسة الإیرانی. وتعتبر شبه الجزیرة العربیة مرکزاً للإسلام العالمی، ویؤثر موقع المملکة کوصی على الأماکن المقدسة مباشرةً على نحو 1.8 ملیار مسلم فی العالم.
وکان التفسیر الدینی المتشدد الذی نشرته المملکة فی الماضی مدعاةً للقلق. لکن ولی العهد أعلن أن المملکة ستکون موطن الإسلام المعتدل. وإذا حدث ذلک، فسوف تُؤدّی المملکة الأکثر اعتدالاً إلى تقویة العلاقات الأمنیة الحیویة بالفعل مع الغرب.
لذا ینبغی دعم رحلة المملکة العربیة السعودیة نحو الحداثة وتشجیعها وتمکینها من جانب حلفائها الغربیین. وما تزال هناک العدید من مشاکل حقوق الإنسان فی الدولة، التی تواصل المملکة المتحدة إثارتها مع قادتها. لکن یجب الاعتراف بالتقدم الذی جرى إحرازه. وقد حدث الکثیر خلال العقد الماضی، وما یزال هناک المزید فی المستقبل.
والسؤال هنا هو ما إذا کان کل هذا سیتعرّض للخطر بسبب سلوکیات الأمیر محمد بن سلمان غیر المتوقعة والعدائیة أحیاناً.
وسوف یُمثّل تعامله مع الأمیر محمد بن نایف وأصدقائه اختباراً لعزیمة أصدقاء المملکة، وتشجیعاً لخصومها الکثیرین. ونأمل جمیعاً، نحن وکل من یقدّر العلاقة بین المملکة العربیة السعودیة والغرب، أن یستجیب ولی العهد بحنکةٍ سیاسیة.