عصر قادة المقاومة الجدد في المنطقة

ان قادة المقاومة استطاعوا اليوم ان يستلهموا من فكر الثورة الاسلامية في ايران ويفرضوا ادبيات سياسية جديدة في المنطقة ويخلقوا اوضاعا جديدة تمنع الغرب من السيطرة على ثروات المنطقة وتفشل مؤامرة تمزيق هذه المنطقة وتقسيمها، واذا سئل أحد عن هذه الادبيات الجديدة فيجب القول ان اسطورة اسرائيل التي لاتقهر قد انتهت وان تل ابيب ذاقت أشد الهزائم على يد فئة قليلة، ان محور المقاومة استطاعت نشر افكارها في كل المنطقة

  مهدي عزيزي * انتصرت الثورة الاسلامية في ايران في وقت كانت هذه المنطقة تشهد تطورات هامة، وقد اصيب العرب بعدة نكسات في 1948 و1956 و1967 و1973 امام الكيان الاسرائيلي ويئست الشعوب العربية من القادة الذين كانوا يعتبرون القومية والعروبية السبيل الوحيد لنجاة الأمة وهذا كله ادى الى الرضوخ امام الكيان الاسرائيلي والتطبيع معه واشتداد وتيرة التسوية مع هذا الكيان.


وفي مثل هذه الاوضاع انتصرت الثورة الايرانية لكن ايران واجهت كما هائلا من المؤامرات بعد ان اتضح بأن الثورة الايرانية لديها خارطة طريق وقيادة قوية رسمت الاستراتيجيات الداخلية والخارجية للثورة قبل انتصارها وهذا ما زاد من قلق الغربيين لأنهم عرفوا تماما بأن هذه الثورة ليس مقدرا لها ان تبقى في داخل الحدود الايرانية، ان تفسير الغربيين للثورة الايرانية كان يختلف عن تفسير برينتون الذي جاء في كتاب "دراسة تحليلية للثورات" والذي كان يقدم الثورة بأنها تغيير داخلي لتحقيق مطالب اقتصادية وسياسية، لقد اصبح ممكنا التنبؤ بالمستقبل السياسي واستراتيجية الثورة الاسلامية قبل انتصارها نظرا الى خطابها والصفة الاسلامية التي كانت تحملها وايضا بسبب وضوح آفاقها.


وقد انتقدت بعض التيارات الثورية طرح موضوع دعم الحركات المقاومة في خارج الحدود الايرانية قبل انتصار الثورة لكن الثورة الايرانية كانت قد حددت حدودها الجغرافية بعيدة عن الحدود الايرانية ولذلك جاء نشر سياسة التخويف من ايران بين الدول العربية.
ان أثر الخطاب الاسلامي للثورة الايرانية قد ظهر جليا بعد انتصارها وكان اغلاق السفارة الاسرائيلية في طهران والوقوف الى جانب المقاومة الفلسطينية من ابرز الامثلة في هذا المجال، ان احياء يوم القدس العالمي الذي ظهرت نتائجه خاصة بعد عام 2002 كان من رموز منطق الثورة الاسلامية في ايران التي كانت ثورة عقائدية وكان بعض المثقفين العرب يعبرون عنها بـ "تصدير الثورة".


ايجاد نموذج الاسلام المنحرف
ان القلق من وجود نموذج للاسلام الاصيل دفع الغرب الى ايجاد بديل منحرف للاسلام والسعي لابعاد الاسلام عن مساره، ان المنظرين الغربيين كانوا يعتقدون ان الطريق الوحيد لضرب هذا الدين هو استنساخه وتقديم نسخة مزيفة عنه وقد ساعد الغربيين وجود اقلية في العالم الاسلامي لم يكن لديها فهم صحيح عن التعاليم الاسلامية بل كانت تفسر الدين بشكل خاطئ وخطير، ولم تشكل هذه الاقلية خطرا كبيرا عندما لم تكن تحمل السلاح لكن ظهور القاعدة وطالبان وداعش وبوكو حرام وغيرهم من الجماعات التي كانت تحمل اسما اسلاميا قد غير الاوضاع، وكان هدف الغرب من دعم هذه الجماعات هو ايجاد بديل مزيف عن الاسلام ومن ثم ايجاد حالة من الكراهية في المجتمعات الغربية تجاه الاسلام من اجل تبرير عمليات القتل التي يقوم بها الغرب ومزج مفهوم المقاومة مع الارهاب.


الانجازات العملية وظهور القادة الجدد للمقاومة
لقد انتشر نموذج الثورة الاسلامية الايرانية رغم كافة الجهود التي بذلها الغربيون لمنع انتشاره وقد وصل تأثير الثورة الذي كان محصورا في البداية في ثقافة الشعوب وخطاباتهم الى الادبيات السياسية في المنطقة وظهر هذا التأثير بشكل عملي وحينها بادر الغرب الى ايجاد دويلات صغيرة في الخليج الفارسي من اجل مواجهة ايران وايجاد الخلافات بين الشعوب والطوائف ومنح الغرب امتيازات سياسية الى بعض الدول العربية واوقد نيران الحرب ضد ايران وفرض العقوبات عليها لكن القادة الجدد للمقاومة قد واجهوا مخططات الغرب لتقسيم وتمزيق المنطقة واستطاعوا ايجاد معادلة سياسية وعسكرية جديدة في المنطقة، ويمكن القول ان القضاء على اسطورة عدم امكانية قهر اسرائيل والغرب في ثقافة الشعوب وايجاد الجرأة على الرد على اسرائيل وتهديدها وتسجيل الانتصار في حرب تموز وحروب غزة يعتبر من اهم الانجازات العملية لفكر المقاومة الاسلامية التي ظهرت جليا بعد مرور 3 عقود وبشكل اكبر، وقد تحول الشرق الاوسط الجديد الذي رسم الغرب خارطته الى شرق اوسط اسلامي جديد غير المعادلات التي كان الغرب يريد فرضها.


لبنان
لقد تم انتخاب السيد حسن نصرالله كأمين عام لحزب الله بعد اغتيال السيد عباس الموسوي على يد الكيان الاسرائيلي في عام 1992 وهو يحظى بشعبية كبيرة بين كافة اللبنانيين من مختلف الطوائف والاحزاب وتعتبر خطاباته مصدر تقييم لمراكز الدراسات الامريكية والاسرائيلية حول المستقبل السياسي للمنطقة، وقد حولت الكاريزما التي يمتلكها السيد نصرالله ومقاومته امام اسرائيل وادارته لوحدة لبنان الداخلية واجتنابه للخلافات الداخلية هذا السيد الى شخصية محبوبة وصادقة للمقاومة وقد رأينا كيف سميت حرب تموز بحرب الوعد الصادق بسبب الوعود الصادقة التي قطعها السيد نصرالله حيث كانت وسائل الاعلام الاسرائيلية تقول بانها تثق في كلام الامين العام لحزب الله اكثر من وعود القادة الاسرائيليين، ان السيد نصرالله قال اثناء حرب تموز ان حزب الله سيحرر الاسرى اللبنانيين وهذا الامر قد تحقق، وفي عام 1993 قتل حزب الله 26 جنديا اسرائيليا.


العراق
كان البعض يظنون في البداية ان العراق سيكون لقمة سائغة للأمريكيين وسيتحول الى قاعدة امريكية لكن التطورات اللاحقة اثبتت ان العراق تحول الى احد المحاور الرئيسية للمقاومة الاسلامية في المنطقة وقد قال الغربيون واعلامهم والسعوديون ايضا ان امريكا لم تأتي الى العراق الا من أجل تقديمه على طبق الى ايران.
ان للعراق دورا هاما جدا واساسيا في تطورات المنطقة وكان الامريكيون يأملون في منع انضمام العراق الى محور المقاومة عبر استخدام العملاء وايجاد الخلافات الداخلية في هذا البلد لكن العلماء الدينيين والساسة العراقيين منعوا تحقيق هذا الحلم الامريكي وقد لعبت المرجعية العليا دورا محوريا ويقظا في مرحلة احتلال العراق الى جانب حضور قادة سياسيين مثل نوري المالكي وابراهيم الجعفري ليصبح العراق احد المحاور الاساسية للمقاومة في هذه المنطقة خاصة في فترة حكم نوري المالكي حيث اشتد عود هذا المحور.
ان نوري المالكي يشغل الان منصب رئيس حزب الدعوة الاسلامية وهو النائب الاول للرئيس العراق وقد وصل الى رئاسة الحكومة العراقية في عام 2006 ليخلف ابراهيم الجعفري وبقي في هذا المنصب الى عام 2014.
وكان يمكن للمالكي ان يصبح رئيسا للوزراء لدورة ثالثة حسب الدستور العراقي لكنه اختار صون المصالح الوطنية واعلن تنحيته وافسح المجال لحيدر العبادي وقد اشاد قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي الخامنئي بنوري المالكي قائلا "إنك قد قمت بعمل كبير في قضية تسليم السلطة في العراق من اجل منع حدوث الفوضى وعدم الاستقرار وهذا العمل لن ينسى ابدا في العراق".
ويمكن اعتبار مواجهة الوهابية والوقوف في وجه المحور المعادي للمقاومة عبر استخدام كافة الادوات السياسية والاعلامية والتثقيفية والحفاظ على علاقات وثيقة مع ايران ومحور المقاومة من انجازات نوري المالكي التي لايمكن نسيانها على صعيد المنطقة، ولاشك ان هذا القائد في المقاومة الاسلامية يعتبر اليوم احد اكبر اعداء الوهابية والارهاب السعودي والاسرائيلي في المنطقة، ان المقاومة العراقية قد ربت قادة يعتمدون على قواهم الذاتية وبكل ذكاء في مواجهة التحديات الامنية التي يواجهها العراق دون الاعتماد على القوى الأجنبية.


سوريا
ان اسم سوريا ظل موجودا كأحد أهم محاور المقاومة التي وقت الى جانب الشعب الفلسطيني وقد ادى اندلاع عدة حروب بين سوريا والكيان الاسرائيلي من اجل تحرير فلسطين الى احتلال جزء من الاراضي السورية على يد الاسرائيليين وبات اسم سوريا موجودا على لائحة الدول المعادية للكيان الاسرائيلي، وقد توثقت العلاقات بين سوريا وايران التي دعمت حركات التحرر الفلسطينية واعتبرت ذلك من مبادئها وسلمت السفارة الفلسطينية في طهران الى الفلسطينيين وكان الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد الشخص الوحيد الذي دعم ايران اثناء هجوم نظام صدام حسين على ايران وحذر العرب من معاداة ايران واستمر بشار الاسد في اتباع سياسات والده الراحل.
ان بشار الاسد قد دعم فصائل المقاومة الفلسطينية التي طردتها باقي الدول العربية واصبح هذا الامر من صلب السياسات الاقليمية لبشار الاسد رغم كافة الضغوط الغربية كما عارض الاسد المصالح الاستعمارية للغرب والكيان الاسرائيلي في فلسطين ولبنان والعراق وباقي دول المنطقة وهذا ما ادى الى وضع اسمه في لائحة اعداء الغرب لكن دمشق حافظت على علاقاتها مع باقي حلقات المقاومة في اعلى المستويات السياسية.
اليمن
ربما كان من الصعب ان نتصور بأن دولة مجاورة للسعودية مثل اليمن تصبح شيئا فشيئا عضوا في محور المقاومة، ان اليمن يحظى باهمية استراتيجية من الناحية الجغرافية وكان اسامة بن لادن يقول بانه اذا اضطر لمغادرة افغانستان فانه سيذهب الى اليمن بالتأكيد، وقد فشل السعوديون والغربيون اخيرا في حرف مسار ثورة الشعب اليمني رغم النجاح الاولي للسعودية ودول مجلس التعاون في حرف هذا المسار، واستعادت الثورة اليمنية شاكلتها الاساسية واصبحت الثورة تمتلك قيادة واحدة وهو عبدالملك الحوثي قائد حركة انصارالله وصاحب الشخصية القوية الذي قاد الحركة منذ عام 2004 بعد استشهاد شقيقه حسين رغم وجود شقيق أكبر له وهو يحيى الحوثي.


الادبيات السياسية الجديدة
ان قادة المقاومة استطاعوا اليوم ان يستلهموا من فكر الثورة الاسلامية في ايران ويفرضوا ادبيات سياسية جديدة في المنطقة ويخلقوا اوضاعا جديدة تمنع الغرب من السيطرة على ثروات المنطقة وتفشل مؤامرة تمزيق هذه المنطقة وتقسيمها، واذا سئل أحد عن هذه الادبيات الجديدة فيجب القول "ان اسطورة اسرائيل التي لاتقهر قد انتهت وان تل ابيب ذاقت أشد الهزائم على يد فئة قليلة، ان محور المقاومة استطاعت نشر افكارها في كل المنطقة وعند الرأي العام العالمي واحرار العالم، ان التوازن السياسي والعسكري في الاراضي الفلسطينية المحتلة والمنطقة يعتبر انجازا حقيقيا وقد ولى زمن الاجراءات الأحادية الغربية والاسرائيلية وعلى الكيان الاسرائيلي ان يقلق من الردود على جرائمه، ان الكيان الاسرائيلي كان يعلم بأنه لن يدفع أي ثمن لجرائمه الارهابية لكنه يعلم اليوم جيدا بأنه سيدفع الثمن في الداخل والخارج، ان المقاومة في لبنان والعراق وسوريا واليمن وفلسطين قد اصبحت اليوم أقوى عسكريا وسياسيا واعلاميا وان فكر وخطاب المقاومة الاسلامية يجتاز الصعب ويعتلي القمم والآفاق حيث يكون المستقبل السياسي والاقتصادي للشعوب الاسلامي مضمونا"




ارسال التعلیق