لغز شنّ هجمات على البعثات الدبلوماسیة فی العراق

اقترح مقتدى الصدر زعیم التیار الصدری فی العراق وزعیم تحالف سائرون فی مجلس النواب العراقی فی 26 أیلول 2020 تشکیل لجنة ثلاثیة ذات طابع أمنی وعسکری وبرلمانی للتحقیق فی الاعتداءات التی طالت مقار ودوائر البعثات الدبلوماسیة الأجنبیة فی العراق، ووفق الصدر، فإن الهجمات على المؤسسات الدبلوماسیة تضر بمکانة العراق فی المجتمع الدولی.

 وسرعان ما رحب مصطفى الکاظمی بمبادرة زعیم التیار الصدری. وقال الکاظمی فی تغریدة له على موقع تویتر فی (25 أیلول 2020)، "ندعم المقترحات التی قدمها سماحة السید مقتدى الصدر بتشکیل لجنة أمنیة وعسکریة وبرلمانیة للتحقیق فی الخروقات التی تستهدف أمن العراق وهیبته وسمعته والتزاماته الدولیة". وأضاف الکاظمی، "ید القانون فوق ید الخارجین علیه مهما ظن البعض عکس ذلک، وإن تحالف الفساد والسلاح المنفلت لا مکان له فی العراق". 

رغم أن رسالة الصدر والکاظمی لا تشیر بشکل مباشر إلى قوات الحشد الشعبی أو أی جهة سیاسیة أخرى، لکن من الضروری الانتباه إلى حقیقة أنه فی الأیام القلیلة الماضیة تعرض الحشد الشعبی الى موجة هجوم إعلامیة وسیاسیة بهدف اتهامهم بالهجوم على مقرات البعثات الدبلوماسیة.

وفی هذا الصدد حاولت وسائل الإعلام الأمریکیة أیضاً، إظهار القضیة على أنها تتجاوز الهجوم الصاروخی على سفارتها فی منطقة الخضراء، من خلال توسیع نطاق أبعاد الهجوم وشمول جمیع السفارات والقنصلیات فی العراق بهذه الهجمات.

کان أحد المبادئ الاستراتیجیة للولایات المتحدة فی عراق ما بعد داعش هو خلق انقسامات بین الحکومة العراقیة والحشد الشعبی، فضلاً عن إرساء الأسس لتقویض مصداقیة ومکانة هذه القوة الشعبیة فی المجتمع السیاسی العراقی. وحتى الآن ، یبدو أن الولایات المتحدة هی الطرف الأکثر فاعلیة فی إبداء ردود فعل حول الاغتیالات والهجمات المجهولة التی طالما فند الحشد الشعبی أن یکون له ید فی ذلک.

تمهید الطریق لإضعاف مکانة الحشد الشعبی

العداوة والحرب الدعائیة ضد الحشد الشعبی لیست قضیة تقتصر على حدث واحد أو أحداث عدة، فمنذ تأسیس قوات الحشد الشعبی فی العراق، عملت وسائل الإعلام الأمریکیة وبعض وسائل الإعلام العربیة المرتزقة، التی فشلت فی خطتها لتقسیم المنطقة وتجزئتها، وخاصة فی العراق وسوریا، على تشویه سمعة الحشد الشعبی، ومع تقدم قوات الحشد الشعبی فی القتال ضد تنظیم داعش الإرهابی آنذاک والقضاء على الخلافة التی أعلنها أبو بکر البغدادی، اشتدت موجة المعارضة الإعلامیة والسیاسیة تجاه الحشد.

فی الواقع، کانت هناک ضغوط ذکیة ومتعددة الأطراف تُمارس دائماً ضد الحشد الشعبی، سواء من أطراف داخلیة أو خارجیة، وحتى فی مراحل مختلفة، کانت هنالک مشاریع على جدول الأعمال لإثارة المواطنین العراقیین ضد الحشد وکذلک لإقناع التیارات السیاسیة بحل هذه القوات.

على سبیل المثال، خلال الاحتجاجات التی تلت 1 تشرین الثانی (نوفمبر) 2019 فی العراق، کانت هناک محاولة مستمرة لإظهار أن قوات الحشد الشعبی کانت عاملًا فی قمع التظاهرات وقتل المتظاهرین. حیث تم مهاجمة مقار قوات الحشد الشعبی عدة مرات فی مختلف المحافظات العراقیة من قبل عملاء ومرتزقة.

فی الوقت الحاضر، یبدو أن الاستراتیجیة الجدیدة للأمریکیین، بدعم من بعض القوى العمیلة المحلیة، هی تقدیم الحشد الشعبی کسبب للهجوم على السفارات وسبب الإضرار بالهیبة الدولیة للعراق.

هذا على الرغم من حقیقة أنه حتى قبل تصریحات مقتدى الصدر، أعلن تحالف فتح فی مجلس النواب العراقی، الذی یمثل فصائل الحشد الشعبی فی البرلمان العراقی، فی 24 أیلول 2020 ، التزامه بالدستور وعارض أی اعتداء على المؤسسات الرسمیة والبعثات الدبلوماسیة.

ویظهر بیان تحالف فتح أن قوات الحشد الشعبی ربما کانت على علم بمخطط یهدف الى ربط الهجوم على السفارات والبعثات الدبلوماسیة بها. وبشکل عام، یبدو أن الترکیز الرئیس على هذه القضیة، یمکن قراءته أنه یصب فی مجرى تشویه سمعة الحشد الشعبی وحل هذه الهیئة من السلطة، ومع ذلک، یمکن تقییم هذه المؤامرات على أنها غیر مثمرة.

إحداث شرخ وتوتر بین الحکومة والحشد الشعبی

بغض النظر عن المستوى الکلی للمجتمع السیاسی العراقی، فإن الهدف الآخر من طرح قضیة توریط الحشد الشعبی بالهجوم على البعثات الدبلوماسیة، باعتبارها تقوّض هیبة البلاد الدولیة، هو فیما یتعلق بالخلاف بین حکومة الکاظمی والحشد الشعبی.

على الرغم من أن هذه الجهود کانت حاضرة خلال عهد الحکومات الماضیة، أی فی عهد حیدر العبادی وعادل عبد المهدی، إلا أنه فی الوقت الحاضر یبدو أن هذا الجهد قد تضاعف، وفی الواقع، یسعى الأمریکیون إلى خلق شرخ وانقسام بین الحکومة والحشد الشعبی من خلال إقناع الکاظمی بمعارضة الحشد الشعبی.

على الرغم من أن الحشد الشعبی معترف به فی البرلمان العراقی کجزء من القوات المسلحة العراقیة ویأتمر بإمرة القائد العام للقوات المسلحة، لکن یبدو أن الهدف الرئیس فی الوقت الحالی هو تقدیم الحشد الشعبی کمنافس للحکومة وعامل فی تعطیل استراتیجیة السیاسة الداخلیة والخارجیة لحکومة مصطفى الکاظمی.

لذلک فإن الهدف الأساسی هو وضع الحشد الشعبی فی الجبهة المضادة للکاظمی، ومن خلال هذا الأمر، یتم وضع استراتیجیة خلق أزمة وانقسام بین التیارات السیاسیة العراقیة على جدول الأعمال، یشار إلى أن الأمریکیین یحاولون الآن جعل الهجوم على سفارتهم فی بغداد هجوماً شاملاً وتهدیداً لجمیع سفارات الدول الأخرى، وإخفاء حقیقة أن الأطراف السیاسیة العراقیة تکره وجود الأمریکیین وتدخلاتهم فی الشأن العراقی.