من نماذج "الاهتراء" اللبنانیّ: إلصاق التهم بقرصان إیرانیّ لإخفاء الثغرات الإلکترونیّة!
حتی الساعه لم تنشر الشرکة المعنیة بالاختراق الإیرانی المزعوم أیَّ توضیح بشأن ما جرى، لکنَّ المؤکد أنَّ عملیَّة الاختراق برمّتها لم تکن متقدّمة ولا معقّدة
فی الثامن من أیلول/سبتمبر الفائت، تعرّضت عدّة مواقع إلکترونیة لبنانیة، بما فیها مواقع حکومیة، للقرصنة على ید مقرصن زعم أنّه إیرانی، وسرعان ما اتخذت القضیة بعداً سیاسیاً حاداً فی لبنان، فی ظل الانقسام الذی تعیشه البلاد.
من بین المواقع المخترقة کان موقع مستشفى الحریری الحکومی، الذی یحظى برمزیة لدى اللبنانیین جمیعاً، وخصوصاً مع تصدیه لمکافحة جائحة "کوفید 19" وتقدیمه تضحیات مشهوداً لها منذ بدء الوباء.
رفع "الهاکر" الإیرانی المزعوم علم إیران فی الموقع مع بضعة أسطر بالإنجلیزیة یترکها القراصنة عادة لإثبات مهاراتهم التقنیة، والسؤال الذی یطرح نفسه: لماذا قد یقرّر قرصان إیرانی اختراق مواقع حکومیة لبنانیة، علماً أنَّ التواجد الحکومی اللبنانی فی شبکة الإنترنت لا یرقى بأیّ شکل من الأشکال إلى بنیة معلوماتیة مرموقة تصلح للاختراق!؟
لم یحقّق أحد فی کوالیس الخرق المزعوم أو یتأکد من هُویة الجهة التخریبیة. وبعد أیام قلیلة، أصدرت منظَّمة "سمکس" المستقلّة التی تُعنى بالحقوق الرقمیّة تقریراً مفصلاً کشفت فیه وجود فضیحة تقنیة على مستوى لبنان، فقد وجد فریق المنظمة التقنی أنّ جمیع المواقع الحکومیّة المخترقة یستضیفها "سیرفر" (Server) شرکة "تیرانت" (TerraNet) المزوّدة بخدمات الإنترنت. ومن سوء حظّ اللبنانیین أنَّ السیرفر التابع لهذه الشرکة قدیم، ویعانی نقاط ضعف جوهریة، وتنقصه الحمایة الإلکترونیة اللازمة.
بکلمات أخرى، إن ما تعرض للاختراق لیس موقع مستشفى الحریری الحکومی، بل هو الحاسوب القدیم الذی یضم عدة مواقع حکومیة لبنانیة، ومنها موقع المستشفى. وقد أثبت الفحص التقنی لمنظَّمة "سمکس" أنَّ سیرفرات شرکة "تیرانت" "تعانی نقاط ضعف ومشاکل تقنیة مختلفة، ما یسمح للمهاجمین باختراق أنظمة الشرکة، والوصول بشکل کامل أو جزئی إلیها، ومن ثمّ التحکّم بها".
وکشف تحقیق إضافی أجرته المنظّمة لموقع شرکة الإنترنت نفسها وجود نقاط ضعف خطیرة، علماً أن موقع الشرکة یخصّص مساحة للمستخدمین للولوج إلى حساباتهم وإدارة اشتراکاتهم.
وأظهر تحقیق "سمکس" أنّ موقع "تیرانت" یتشارک عنوان بروتوکول الإنترنت نفسه مع أکثر من 350 نطاقاً آخر، ومنها مواقع حکومیة لبنانیة، ما یعنی أنَّ "أیّ ثغرة أمنیة فی هذا الموقع قد تؤثّر فی المواقع الإلکترونیة الأخرى". وختم التقریر بالإعراب عن "خیبة أمل لإهمال مزوّد إنترنت رائد مثل "تیرانت" أدنى مستویات الأمن والحمایة".
حتى الساعة، لم تنشر الشرکة المعنیة بالاختراق "الإیرانی" المزعوم أیَّ توضیح بشأن ما جرى، لکنَّ المؤکد أنَّ عملیَّة الاختراق برمّتها لم تکن متقدّمة ولا معقّدة، وباستطاعة مبتدئین تنفیذها وإلصاق التهمة بمن یشاؤون.