ازدواجیة سلطنة عمان فی التعامل مع القضیة الفلسطینیة
أعلنت وزارة الخارجیة العمانیة یوم الثلاثاء الماضی، ترحیبها بالحوار بین الفصائل الفلسطینیة، کما أعلنت دعمها للحوار بین حرکتی "فتح وحماس"، وأکدت أنها تتوقع حدوث تقارب بین الفصائل الفلسطینیة وذلک من أجل ضمان المصالح الوطنیة والتطلعات المشروعة لأبناء الشعب الفلسطینی. وفی وقت سابق، رحب الدیوان السلطانی العمانی، بتطبیع العلاقات بین الإمارات والبحرین مع الکیان الصهیونی، معربا عن أمله فی أن تؤدی هذه العملیة إلى حدوث اتفاق بین القادة والمسؤولین الفلسطینیین. وفی الوقت نفسه، أشارت بعض التقاریر إلى أن سلطنة عمان تعتزم تطبیع علاقاتها مع الکیان الصهیونی قریباً، وکتبت صحیفة "معاریو" الصهیونیة مؤخراً فی هذا الصدد أنه تم تحقیق انفتاح کبیر فی الأیام الأخیرة فی الاتصالات بین الکیان الصهیونی وسلطنة عمان وسیصدر بیان حول اتفاقیة التطبیع قریباً مع هذا البلد العربی. وبناءً على ذلک، فإن السؤال الذی یطرح نفسه هو، ما الذی یسبب ازدواجیة سلطنة عمان فی التعامل مع القضیة الفلسطینیة وکیف یمکن تحلیل هذه الازدواجیة عملیًا؟
مسقط تتحرک ببطء وحذر نحو التطبیع
بشکل عام، کان نوع العلاقات بین عمان والکیان الصهیونی من النوع الذی یمکن اعتبار علاقاته مع هذا الکیان الغاصب على مستوى أعلى مقارنة بعلاقات الدول العربیة الأخرى الواقعة على ضفاف الخلیج الفارسی. وعلى الرغم من أن مسقط لم تسع بعد إلى تحدید التعاون الأمنی والعسکری مع الکیان الصهیونی ولم تنضم بعد إلى عملیة التطبیع، إلا أن تاریخ العلاقات بین مسقط و"تل أبیب" یُظهر أن البلاد کانت من بین أعلى الدول العربیة التی کانت لها علاقات مع الکیان الصهیونی. ورغم إقامة سلطنة عمان علاقات دبلوماسیة واستخباراتیة خفیفة مع إسرائیل بعد التوقیع على اتفاق أوسلو عام 1993، إلا أن تلک العلاقات لا تعود إلى هذا التاریخ فی الواقع، بل إلى نحو 40 عاما مضت. فجذور فکرة التطبیع العمانی بدت واضحة عندما کانت السلطنة الدولة العربیة الوحیدة التی اعترفت باتفاق السلام المصری الإسرائیلی فی "کامب دیفید" عام 1979 فی وقت اتجهت فیه العدید من الدول العربیة إلى مقاطعة القاهرة احتجاجا علیه. وتحولت الفکرة إلى واقع رسمی عندما قام رئیس الوزراء الإسرائیلی آنذاک "إسحاق رابین" بزیارة إلى عمان عام 1994؛ حیث استقبله آنذاک السلطان "قابوس بن سعید". ورغم کونه اللقاء الأول بینهما، إلا أنه اتسم بطابع استراتیجی؛ حیث ناقشا قضایا مثل تبادل المیاه وکیفیة تحسین إمداداتها، ما بدا حینها مؤشرا على اتجاه عمانی قوی للحاق برکب أوسلو.
وفی عام 1996، أصبحت سلطنة عمان أول دولة عربیة على الخلیج الفارسی تستضیف "إسحاق رابین"، رئیس وزراء الکیان الصهیونی آنذاک، وبعد ذلک بعام استضافت "شیمون بیریز". وبعد ذلک تبادل المسؤولین الصهاینة والعمانیین الزیارات لبعضهم البعض، واستمرت هذه الزیارات حتى الآن، وفی عام 2018، شهدنا زیارة رئیس الوزراء الاسرائیلی "بنیامین نتنیاهو" إلى مسقط. الجدیر بالذکر أن جزء من هذه العلاقات بین عُمان والکیان الصهیونی یرتبط بجهود مسقط للعب دور الوساطة بین الفصائل الفلسطینیة والکیان الصهیونی. وبناءً على ذلک، سعت مسقط دائمًا إلى لعب هذا الدور من خلال الحفاظ على العلاقات مع تل أبیب والجماعات الفلسطینیة. الجدیر بالذکر أن عملیة التطورات الإقلیمیة وتطبیع العلاقات بین بعض الدول العربیة والکیان الصهیونی قد غیرت الوضع، بحیث لا یمکن لسلطنة عمان أن تسلک المسار السابق. فی الواقع إن عدم وجود علاقات رسمیة مع الکیان الصهیونی وتحرک سلطنة عمان فی الاتجاه السابق یعتبر مستحیل ولهذا فإن مسقط سوف تجبر فی نهایة المطاف على تطبیع علاقاته مع "تل أبیب" ویرجع ذلک إلى العوامل التالیة:
1. بالنظر إلى العلاقات السیاسیة لبعض الدول العربیة مع الکیان الصهیونی، ستحاول هذه الدول لعب دور الوساطة العمانی بین الطرفین الفلسطینی والصهیونی، وهذا ستخرج مسقط من المعادلات.
2. إن الضغط الأمریکی على مسقط لتطبیع العلاقات مع الکیان الصهیونی فی الوضع الحالی الذی تواجه فیه هذه السلطنة مشاکل اقتصادیة، یجعل من الصعب اتخاذ مسقط قراراً بعدم الانضمام إلى عملیة التطبیع.
3. تشعر مسقط بالقلق من أن عدم الانضمام إلى عملیة التطبیع سیقوض بشکل خطیر الموقف الراسخ لعقود من توازن مسقط فی العلاقات الإقلیمیة، ولهذا فإن مسقط تخاف من أنها لن یکون بمقدورها جنی ثمار علاقاتها مع الکیان الصهیونی وأن هذه الثمار سوف تسقط فی سلة أبو ظبی أو الریاض فی المستقبل.
وبناء على ذلک، یبدو أن سلطنة عمان توصلت إلى استنتاج مفاده أن علیها الانضمام إلى عملیة التطبیع مع الحفاظ على اعتباراتها الأقلیمیة، ومن هذه الاعتبارات التی تسعى إلیها مسقط بجدیة تتمثل فی زیادة علاقاتها مع الفصائل الفلسطینیة وتعمیقها وذلک لأن مسقط ترى فی ذلک ضمانًا للحفاظ على موقعها کوسیط إقلیمی.
تعمیق العلاقات مع الجماعات الفلسطینیة هو أساس للتطبیع
تعتزم سلطنة عمان توسیع علاقاتها مع الفصائل الفلسطینیة لمنع تهمیش القضیة الفلسطینیة من قبل الدول التی بدأت مؤخرا فی تطبیع علاقاتها مع الکیان الصهیونی. بعبارة أخرى، تسعى عمان إلى تحقیق التوازن فی علاقاتها مع الفصائل الفلسطینیة والکیان الصهیونی من أجل أن یکون لها مکانة خاصة للعب دور الوسیط وهذا الأمر یصبح أکثر أهمیة عندما لم تولی الإمارات والبحرین الاهتمام بالفصائل الفلسطینیة عند تطبیع علاقاتها مع الکیان الصهیونی، بل إن هذین البلدین اتخذا مواقف فی جامعة الدول العربیة ضد السلطة الفلسطینیة وعلیه، فإن دعم مسقط للحوار بین الفصائل الفلسطینیة وزیادة تعامل السلطنة مع هذه الجماعات، بالإضافة إلى حقیقة أنه خلال تطبیع علاقات السلطنة مع الکیان الصهیونی، ستواجه البلاد موجات أقل من الانتقادات، کما أن هذا الأمر ستعطیها مکانة خاصة وعذرًا ودورًا فعّالاً فی القضیة الفلسطینیة.
بعبارة أخرى، یمکن الادعاء أن مسقط توصلت إلى نتیجة مفادها أنه بعد انتهاء عملیة التطبیع، ستنشأ منافسة بهدف التوسط بین الأحزاب الفلسطینیة والصهیونیة بین بعض الدول العربیة، وفی الوقت نفسه فإن الحزب القادر على لعب دور فی هذه القضیة ینبغی أن تکون لدیه علاقة أعلى مع الجانب الفلسطینی. بالإضافة إلى ذلک، فإن زیادة التعامل مع الجماعات الفلسطینیة سیمنح عُمان ذریعة لاستخدامها لمواجهة انتقادات داخلیة وخارجیة أقل عند تطبیع علاقاتها مع الکیان الصهیونی. وفی غضون ذلک، یمکن القول إن ما یمکن أن یخلق تحدیاً لمساعی مسقط الأقلیمیة یتمثل فی ما إذا هل تقبل الفصائل الفلسطینیة التی ترى أن بعض الدول العربیة التی قامت بتطبیع علاقاتها مع الصهاینة وساعدت الولایات المتحدة على اتخاذ خطوات مهمة لنقل السفارة الأمریکیة إلى القدس وتعاونت على إضفاء الشرعیة على احتلال "تل أبیب" للمستوطنات فی الضفة الغربیة، قد خانتهم ووجهت لهم طعنة فی الظهر، الجلوس على طاولة المفاوضات أم لا؟ ویشیر سلوک الجماعات الفلسطینیة حتى الآن احتمال الرفض، لذلک یمکن اعتبار المساعی العمانیة بأنها بمثابة القیام ببناء على الرمال.