أبو الغیط واللعب على الحبلین
منذ بدایة الأزمات فی العالم العربی والجمیع یسأل أین هی الجامعة العربیة؟، ولکون هذه الجامعة لم تقدم أی شیء للعرب مع أنها تحمل اسمهم، من حصار قطر إلى الحرب السوریة والأزمة اللبنانیة وحرب لیبیا وحرب الیمن وأزمات العراق والسودان وأخیراً فلسطین، لم تقدم أی شیء تذکر هذه الجامعة ولم تسهم فی تضمید جراح أی شعب من الشعوب العربیة ولم تخفف الاحتقان ولم تسهم حتى فی إنهاء أی أزمة، أما الیوم فتحولت من متفرج لکل هذا الخراب الذی یحیط بمنطقتنا إلى متآمر على العرب أنفسهم، حیث کانت فی السابق تندد بقرار ما أو ظلم یحصل بحق دولة عربیة ما أما الیوم حتى التندید تخلت عنه.
الأغرب من کل ما سبق أن الأمین العام للجامعة العربیة "أحمد أبو الغیط" والذی لم ینبس ببنت شفة عندما طبعت الامارات والبحرین علاقتها مع اسرائیل، بل على العکس ساهم فی انجاز هذا التطبیع من خلال المماطلة فی تعمیم مشروع القرار الفلسطینی الذی یدین التطبیع الإماراتی الصهیونی، مقابل الإسراع فی تعمیم طلب بعدم بحثه تقدمت به البحرین ودعمته الإمارات. وتم إسقاط المشروع لأن اللاعبین الرئیسیین والممسکین بزمام المبادرة فی الجامعة العربیة "ممسوکان" بمال الإمارات.
الجمیع یعلم أن القیادة الفلسطینیة کانت قد طالبت بعد الإعلان عن التوصل لاتفاق إماراتی إسرائیلی برعایة أمریکیة لتطبیع العلاقات بین البلدین، بعقد اجتماع عاجل لجامعة الدول العربیة لبحث هذا الاتفاق، ولکن ابو الغیط أجل وماطل، والیوم خرج علینا لیقول: إن دولة "الاحتلال باغیة" وتتحرک بالزحف الهادئ المستمر للاستیلاء على الأراضی الفلسطینیة.
لطالما أن لدى أبو الغیط هذا الوعی السیاسی لماذا لم یدفع الجامعة نحو ادانة التطبیع على الاقل، لماذا بقی صامتا، وان کان یخشى من الامارات لماذا لم یقدم استقالته لیحفظ ماء وجهه، هل صدق الامارات عندما قالت إن اتفاق التطبیع ألغى عملیات الضم فی الضفة؟.
هو نفسه یقول إنها تزحف للاستیلاء على الاراضی الفلسطینیة، وفی نفس الوقت یدعم التطبیع، لماذا کل هذا التناقض واللعب على الحبلین، هل اصبح المنصب أهم من مستقبل البلاد.
الإسرائیلون أنفسهم کذبوا الامارات عندما تحدثت عن توقف الضم، لیخرج رئیس الوزراء بنیامین نتنیاهو ویرد انه تم تأجیل الضم ولکن لا یزال مطروحاً، وها هو الضم قد عاد من جدید، ففی أول مخطط استیطانی بعد تطبیع العلاقات مع الإمارات والبحرین، تستعد سلطات الاحتلال الإسرائیلی للتصدیق على بناء 5400 وحدة استیطانیة جدیدة، فی عدد من مستوطنات الضفة الغربیة.
هذا المخطط جاء بأمر من رئیس الحکومة بنیامین نتنیاهو، الذی أصدر تعلیمات بعقد جلسة خاصة فی 12 تشرین الأول الجاری لبحث الموضوع فی مجلس التخطیط الأعلى، بعد إرجائه عدة مرات، تمهیداً لإصدار التراخیص.
وتستعد إسرائیل لبناء نحو 3 آلاف وحدة استیطانیة جدیدة لتوسیع مستوطنة بیتار عیلیت، لکن المخطط یمتد لیشمل أیضاً عدداً من المستوطنات فی عمق الضفة الغربیة وأخرى على مقربة من الخط الأخضر.
الأغرب من هذا أن ابو الغیط لا یزال یؤمن بأن التطبیع هو الحل وسیمکن الفلسطینیین من الحصول على دولة خاصة بهم عند حدود ال67 واشار الى ذلک فی لقائه الاخیر فی برنامج "على مسؤولیتی" المذاع على فضائیة "صدى البلد حیث قال: "للأسف إدارة ترامب ضربت بالقانون الدولی عرض الحائط وأعطت إسرائیل ما لا تستحق، وأتصور لو قلت للإسرائیلیین تعالوا لدیکم مصالح معنا وسنقف موقف غیر عدوانی تجاهکم على أن تتقبلوا الدولة الفلسطینیة، سیفعلون".
وتابع قائلا:" لا أخشى على الفلسطینیین، لأن لدیهم أعلى نسبة حاصلین على الدکتوراه وتعلیم عال وفقا لعدد السکان"، مضیفا: "الفلسطینیون لن یقبلوا إطلاقا التنازل عن حقوقهم فی الدولة والأرض".
وقال أحمد أبو الغیط، الأمین العام لجامعة الدول العربیة، إن الرئیس الأمریکی السابق أوباما سبب التدمیر الذی حدث فی الدول العربیة لدعمه ما یسمى "الربیع" التدمیری فی عام 2011.
وأکد أبو الغیط، أن الإدارة الأمریکیة لها موقف حاد للغایة من القضیة الفلسطینیة، وإذا جُدد للرئیس ترامب سیستمر فی موقفه، منوها بأن "کل أفکار ترامب وإدارته موالیة للجانب الإسرائیلی"، مشیرا إلى أنه لو تغیرت الادارة الأمریکیة الحالیة "من الممکن أن نرى شیئا مختلفا".
یعنی یمکن ان نستشف أن ابو الغیط یدفع مرة جدیدة نحو المماطلة والتأجیل ویقدم وعوداً واهیة للفلسطینیین بأن علیهم الانتظار حتى قدوم رئیس امریکی جدید، وأن المشکلة بالرئیس الحالی دونالد ترامب، وهو نفسه یعلم أن هذا الکلام کذب ونفاق، لأن جمیع رؤساء أمریکا متآمرین على القضیة الفلسطینیة، وجمیعهم یریدون تصفیتها لحساب اسرائیل ان کانوا دیمقراطیین أو جمهوریین.
الفلسطینیین سئموا من هذا النفاق وهم یشعرون الیوم بعزلة تامة، فعلى مدى عقدین، رأوا کیف تم تغییر الحقائق على الأرض بلا هوادة ضدهم، بینما وسعت إسرائیل المستوطنات وهدمت بیوت الفلسطینیین وعملت بانتظام على بسط سیطرتها على الحیاة فی الضفة الغربیة.
وتسود وجهة نظر بین خبراء الشرق الأوسط فی واشنطن وبعض مسؤولی إدارة ترامب مفادها أن أمراء الدول الخلیجیة لا تهمهم معاناة الفلسطینیین، وهم یستغلون فکرة تعویم "ایران فوبیا" لإلهاء الناس عن الحقیقة وخلق عدو مشترک لتحقیق مصالحهم فی المنطقة وارضاء الولایات المتحدة الأمریکیة لیبقوا فی مناصهم، ویبدو ان ابو الغیط یفعل الامر ذاته.