السعودیة تحارب ترکیا اقتصادیاً.. تهدئة وشیکة أم أزمة جدیدة؟
تتجه العلاقات السعودیّة الترکیّة نحو العداء الحاد، نتیجة الخلافات السیاسیّة والإیدیولوجیّة والصراع على النفوذ فی المنطقة، بحیث وصل التوتر بین البلدین إلى اتخاذ الریاض خطوات جدیدة نحو محاربة الاقتصاد الترکیّ، من خلال منع وعرقلة إدخال البضائع القادمة من أنقرة إلى المملکة، ما یدل بوضوح على تأزم العلاقات بشکل کبیر بینهما.
مقاطعة سعودیّة
فی تعبیر واضح عن رغبة السلطات السعودیّة بمقاطعة أنقرة اقتصادیاً، دعا رئیس مجلس غرف التجارة السعودیّ، عجلان العجلان، إلى مقاطعة البضائع المورَّدة من ترکیا وکل ما هو ترکیّ، سواء الاستیراد أو الاستثمار أو السیاحة، معللاً ذلک باستمرار عداء نظام أردوغان لبلاده.
وأواخر الشهر المنصرم، أوضحت شرکات ترکیّة أنّ السعودیة تعرقل دخول البضائع القادمة من بلادهم، فیما نقلت وکالة "بلومبیرغ" الأمریکیة، أنّ الشحنات القادمة من ترکیا إلى الموانئ السعودیة تخضع لـ "حظر استیراد" محتمل، أو إبطاء فی إجراءات التخلیص الجمرکیّ، بذریعة انتشار فیروس کورونا.
وفی الوقت الذی نفى فیه العدید من رجال الأعمال السعودیین وجود حظر تام على الواردات الترکیة، أکّدوا أنّهم واجهوا تأخیرات جمرکیّة کبیرة أثناء جلب البضائع من ترکیا أو عبرها، فیما ترتفع الدعوات الشعبیّة عبر وسائل التواصل الاجتماعیّ لمقاطعة ترکیا، على خلفیة صراعات النفوذ بین أنقرة وعدد من الدول الخلیجیّة.
ردٌ ترکیّ
"نقلت وکالة "بلومبیرغ" عن مسؤول ترکیّ، أنّ ترکیا من الممکن أن تقدم شکوى إلى منظمة التجارة العالمیّة بعد تلک القضیّة، فیما أشار وزیر الخارجیّة الترکیّ، أنّ الأنباء التی تتحدث عن حظر السعودیة للمنتجات الترکیّة غیر مؤکّدة، وأنّ المسؤولین السعودیین فندوا تلک الشائعات، وفق وکالة الأناضول الرسمیّة.
وعلاوة على ذلک، تنتظر أنقرة ما إذا کان الحظر سیُفرض خلال الشهر الجاری أم لا، فیما ترى أنّ الحظر الذی یتم الحدیث عنه إعلامیّاً لا یتفق مع قوانین التجارة الدولیّة، وتشدد فی الوقت ذاته على أنّها تسعى لحل الخلاف مع السعودیة، مؤکّدة أنّها ستضطر لاتخاذ خطوات فی حال عدم التوصل لاتفاق مع الریاض.
وتدعی ترکیا أنّها لم تُظهر أیّ عداء للسعودیة خلال الفترة الماضیّة، وأنّ موقفها کان واضحاً للغایة بعد جریمة تقطیع الصحافیّ السعودیّ، جمال خاشقجی، فی قنصلیّة بلاده باسطنبول، موضحة أنّ هذا الموقف لم یکن موجهاً ضد القیادة والشعب فی المملکة، إنما ضد قتلة خاشقجی وعدم تسلیمهم للعدالة، وفق زعمها.
وفی هذا السیاق، ترى أنقرة وفق وزیر خارجیّتها، أنّه یجب على السعودیة وترکیا التعاون لمقابلة تطلعات الأمّة الإسلامیّة بصفتهما من أقوى دول العالم الإسلامیّ، وفق وصفه.
وکان الرئیس الترکیّ، رجب طیب أردوغان، منتصف أیلول الماضی، وجّه خارجیّة بلاده للتواصل مع الریاض لکی تتخذ الخطوات اللازمة فی سبیل تسویة القضایا العالقة بین البلدین.
وما ینبغی ذکره، أنّ واردات المملکة من ترکیا تراجعت بشکل ملحوظ منذ عام 2015، مع تصاعد التوترات السیاسیّة بینهما، فی الوقت الذی تحتل السعودیة المرکز الـ15 ضمن أکبر أسواق التصدیر فی ترکیا، حیث بلغت مبیعات السجاد والمنسوجات والمواد الکیمیائیّة والحبوب والأثاث والصلب ما یقارب 2 ملیار دولار، فی الأشهر الثمانیّة الأولى من العام الحالیّ.
کذلک، وصل التبادل التجاریّ بین البلدین إلى ما یقارب 5 ملیارات دولار، فیما تولت شرکات ترکیّة مشاریع مهمة فی السعودیة، ضمن مشروع "رؤیة 2030" لولیّ العهد السعودیّ، محمد بن سلمان، وسط توقعات بمشارکة أکبر فی هذه المشاریع.
على مستوى آخر، تعد ترکیا وجهة سیاحیّة مفضلة بالنسبة للسعودیین، بحیث یحتل المستثمرون السعودیون المراتب الأولى ضمن استثمارات العقارات الترکیة، لکن السلطات السعودیة لجأت فی الفترة الأخیرة إلى التحذیر بشکل مستمر من السفر إلى ترکیا لمحاربة قطاعها السیاحیّ.
خلاصة القول، لا یبدو أنّ العلاقات الاقتصادیّة بین السعودیّة وترکیا ستتجه نحو المقاطعة، وهذا یبدوا جلیّاً من تصریحات مسؤولی البلدین، بدءاً من السعودیّة التی نفت الأمر رغم أنّها استخدمته للضغط ع ترکیا للتراجع عن تصریحاتها المعادیّة، وثانیاً من تصریحات المسؤولین الأتراک الذین دعوا إلى تقارب مع الریاض لإنهاء الخلافات، لما فیه مصلحة البلدین المتصارعین بقوة على النفوذ فی المنطقة.